4- تسديد الديْن الذي كان علينا
"فلقد كان الموت حتميًا، وكان لابد أن يتم الموت نيابة عن الجميع؛ لكي يوفى الدين المستحق على الجميع."[73]
واضح من آخر عبارة في النص السابق أن الموت النيابي معناه، تسديد الدين المستحق على الجميع، كما شرح السيد المسيح في مثل العبد المديون.
“فَلَمَّا ٱبْتَدَأَ فِي ٱلْمُحَاسَبَةِ قُدِّمَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ مَدْيُونٌ بِعَشَرِ آلَافِ وَزْنَةٍ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي أَمَرَ سَيِّدُهُ أَنْ يُبَاعَ هُوَ وَٱمْرَأَتُهُ وَأَوْلَادُهُ وَكُلُّ مَا لَهُ، وَيُوفَي ٱلدَّيْنُ. فَخَرَّ ٱلْعَبْدُ وَسَجَدَ لَهُ قَائِلًا: يا سَيِّدُ، تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ ٱلْجَمِيعَ. فَتَحَنَّنَ سَيِّدُ ذَلِكَ ٱلْعَبْدِ وَأَطْلَقَهُ، وَتَرَكَ لَهُ ٱلدَّيْنَ.” (مت 18: 24-27).
يقول القديس كيرلس الكبير: "لأن بآلامه حلت علينا بركات. وهو دفع ديوننا بدلًا منا؛ وهو حمل خطايانا؛ وكما هو مكتوب "هو كان مضروبًا بدلًا منا" (إش6:53)[س] "وهو أخذهم (خطايانا) في جسده الخاص على الخشبة"[74](1بط24:2). لأنه حقًا "بِحُبُرِهِ شُفِينَا" (إش5:53) ".[75].
ونفس الحقيقة يشرحها أبونا الطوباوي مصباح الأرثوذكسية القديس أثناسيوس الرسولي: "ولما كان من الواجب وفاء الدين المستحق على الجميع، إذ -كما بيّنا سابقًا- كان الجميع مستحقين الموت، فلأجل هذا الغرض جاء المسيح بيننا. وبعدما قدّم براهينًا كثيرة على ألوهيته بواسطة أعماله في الجسد فإنه قدّم ذبيحته عن الجميع، فأسلم هيكله للموت عوضًا عن الجميع، أولًا: لكي يبرّرهم ويحررهم من المعصية الأولى، وثانيًا: لكي يثبت أنه أقوى من الموت، مظهرًا جسده الخاص أنه عديم الفساد، وأنه باكورة لقيامة الجميع"[76]
فالسيد المسيح، بموته على الصليب، نيابة عن جنس البشر، قد وفىّ العقوبة المقررة على الإنسان.
فقد حمل عنا العار واللعنة التي أصابت جنس البشر، بسبب الخطية، وكذلك حمل عنا عقوبة خطايانا، وحوّلها إلى خلاص، وذلك بقبوله الموت مصلوبًا على خشبة العار واللعنة [77]، ليحولها إلى أعظم علامة فخر وبركة.
يقول القديس كيرلس الكبير: "اليوم الثامن الذي فيه أتى المسيح ثانيةً إلى الحياة مسمِرًا في صليبه الصك الذي كان علينا "إِذْ مَحَا الصَّكَّ الَّذِي عَلَيْنَا فِي الْفَرَائِضِ، الَّذِي كَانَ ضِدًّا لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ الْوَسَطِ مُسَمِّرًا إِيَّاهُ بِالصَّلِيبِ،" (كو 2: 14)، ومات لأجل الجميع لكي يُبعدنا عن الموت والخطايا، ويخلصنا من العقاب والآلام".[78]
"إذن، فعندما يقولون إن كلمة الله لم يَصِر جسدًا، أي لم يُولد بحسب الجسد من امرأة، فإنهم يُبطلون تدبير الخلاص. لأنه إن لم يفتقر ويخلي ذاته ويأخذ ما يخصنا من أجل محبته للبشر، ما كان في إمكاننا أن نكتسب كل ما له، بل نظل مقيَّدين بقيود فقرنا وباللعنة وبموت الخطية. لأن تجسد الكلمة أبطل ما حلَّ بالطبيعة البشرية من لعنةٍ وعقوبة. إذن، ما الذي يبقى معنا بعد لو اقتلعوا جذر خلاصنا، وهدموا أساس رجائنا؟ لأنه -كما قلت- إن لم يَصِر الكلمة جسدًا، ما كانت قوة الموت قد قُهِرت، ولا الخطية أُبطِلَت بأية طريقة، ولَظللنا نحن مقيدين بسبب عصيان الإنسان الأول، أقصد آدم، بدون أي إعادة تجديد، أقصد بدون تغيير للأفضل بواسطة المسيح مخلص الجميع." [79]
لاحظ هنا قارئي العزيز، أن القديس كيرلس الكبير يشرح أن اللعنة والموت الواقعان على الجنس البشري، هما عقوبة، وليسا مجرد نتيجة فقط، كما يدّعون.
لذلك فربنا يسوع المسيح هو المخلص الحقيقي لجنس البشر الذي قيل عنه “وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ ٱلْخَلَاصُ. لِأَنْ لَيْسَ ٱسْمٌ آخَرُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ” (أع 4: 12)
لقد خلصنا الرب يسوع، بأن مات عنا، ولأجلنا؛ ومحا صك خطايانا، الذي كان ضدنا، ورفع عنا حكم الموت الذي وقع على جنسنا، بسبب خطية آدم، وبسبب خطايانا الشخصية الفعلية.
"صَادِقَةٌ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ ٱلْخُطَاةَ ٱلَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا" (1تي 1: 15)
"أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ." (لو11:2)
"وَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ: «إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كَلاَمِكِ نُؤْمِنُ، لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ»." (يو42:4)
"لأَنَّنَا لِهذَا نَتْعَبُ وَنُعَيَّرُ، لأَنَّنَا قَدْ أَلْقَيْنَا رَجَاءَنَا عَلَى اللهِ الْحَيِّ، الَّذِي هُوَ مُخَلِّصُ جَمِيعِ النَّاسِ، وَلاَ سِيَّمَا الْمُؤْمِنِينَ" (1تي10:4).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
فالسيد المسيح هو مخلصنا الصالح، لأنه سدد دين البشر بموته.
"هم الآن يقتادون رئيس الحياة ليموت. ومع ذلك، حتى هذا، قد حدث من أجلنا. بواسطة قوة الله غير المُدركة وقصده، ... حاملًا على منكبيه الخشبة التي كان على وشك أن يُصلب عليها، فقد مضى، وأُدين بالفعل وقاسى (تكبد) عقوبة الموت، على الرغم من أنه كان بريئًا. وقد فعل هذا من أجلنا. أخذ على نفسه العقوبة التي حددها الناموس بعدل للخطاة. فهو صار "لعنة لأجلنا" كما هو مكتوب، "مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ" (غل13:3). نحن كلنا ملعونون لأننا لم نستطع أن نتمم الناموس الإلهي. "لأَنَّنَا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ نَعْثُرُ جَمِيعُنَا" (يع2:3)، والطبيعة البشرية تميل جدًا للخطية. وبما أن الناموس قال في موضع ما، "ملعون كل من لا يثبت في كل الأمور المكتوبة في كتاب الناموس ليعملها" (غل10:3، تث 26:27). ...
المسيح، إذًا، لم يحمل الصليب الذي يستحقه هو، بل الصليب الذي نستحقه نحن، والذي كان ينتظرنا حسب دينونة الناموس المُحددة. مثلما مات ليس من أجل نفسه بل من أجلنا، لكي يصير من أجلنا رئيس (أصل) الحياة الأبدية، ويحطم في ذاته قوة الموت؛ وكذلك أيضًا يأخذ على نفسه الصليب الذي نستحقه نحن، ويدين في نفسه دينونة الناموس، لكي يسد كل إثم فاه، كما يقول المرنم (مز42:107)، حينما يُدان الذي لم يعرف خطية من أجل خطية الكل" [80]
_____
[74] “ٱلَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى ٱلْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ ٱلْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. ٱلَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ.” (1بط 2: 24).
[75] القديس كيرلس الكبير، عظة رقم (153) على شرح إنجيل القديس لوقا.
[76] القديس أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة 20/ 2.
[77] “اَلْمَسِيحُ ٱفْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ ٱلنَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لِأَجْلِنَا، لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ».” (غل 3: 13).
“نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ ٱلْإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، ٱلَّذِي مِنْ أَجْلِ ٱلسُّرُورِ ٱلْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ، ٱحْتَمَلَ ٱلصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِٱلْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ ٱللهِ.” (عب 12: 2).
[78] القديس كيرلس الكبير – السجود والعبادة بالروح والحق، المقالة السابعة عشر: عن الأعياد المقدسة.
[79] القديس كيرلس الكبير– عن وحدة المسيح.
St Cyril of Alexandria. (1995). On the Unity of Christ. (J. Behr, Ed., J. A. McGuckin, Trans.) (Vol. 13, pp. 59–60). Crestwood, NY: St Vladimir’s Seminary Press.
[80] القديس كيرلس الكبير، شرح إنجيل يوحنا الإصحاح التاسع عشر، للقديس كيرلس الكبير، (يو19: 16-18).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/you-desired-to-renew-him/debt.html
تقصير الرابط:
tak.la/pqw6qgg