5- تحمل العقوبة الإلهية عوضًا عن البشر
هذا الدين الذي دفعه السيد المسيح، نيابة عنا، هو الموت الذي حكم به الله على الإنسان كعقوبة[81] لخطيته: “وَإِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فِي ٱلْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أَحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحًا لَكُمْ بِجَمِيعِ ٱلْخَطَايَا، إِذْ مَحَا ٱلصَّكَّ ٱلَّذِي عَلَيْنَا فِي ٱلْفَرَائِضِ، ٱلَّذِي كَانَ ضِدًّا لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ ٱلْوَسَطِ مُسَمِّرًا إِيَّاهُ بِٱلصَّلِيبِ، إِذْ جَرَّدَ ٱلرِّيَاسَاتِ وَٱلسَّلَاطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ.” (كو 2: 13-15).
"وإن كان الكلمة مخلوقًا، فكيف يمكن أن يُبطل حكم الله ويصفح عن الخطيئة..؟ فإن الله قال: [لأنك تراب وإلى التراب تعود]، والبشر صاروا مائتين. إذن فكيف يكون في إمكان المخلوقين أن يبطلوا الخطية؟ فإن الرب نفسه هو الذي أبطلها كما قال هو نفسه: [إن لم يحرركم الابن]، وأوضح حقًا أن الابن الذي حرَّر ليس مخلوقًا وليس من بين المخلوقات، بل هو الكلمة الذاتي وصورة وجوهر الآب، وهو الذي [أصدر الحكم] في البداية، وهو الذي صَفَحَ عن الخطايا. وإذ قيل بواسطة الكلمة [أنت من التراب وإلى التراب تعود]، هكذا أيضًا قد تحققت الحرية بالكلمة نفسه وفيه، وبه قد صار إبطال الدينونة"(253).
ويقول القديس أثناسيوس الرسولي: "أن الرب يتألم بهذه الأشياء ليس من أجل نفسه، بل من أجلنا نحن. ويقول مرة أخرى بشفتيه في المزمور السابع والثمانون: "غضبك ضغط عليَّ بشدة"، وفي المزمور الثامن والستون، "حِينَئِذٍ رَدَدْتُ الَّذِي لَمْ أَخْطَفْهُ". لأنه على الرغم من أنه هو نفسه لم يكن مضطرًا (مُلْزَمًا) أن يُعطي حسابًا عن أي جريمة، فهو مات - بل تألم نيابة عنا، وأخذ على نفسه الغضب الموجه ضدنا بسبب التعدي، كما يقول في إشعياء: "هو أخذ ضعفنا"[82].
"إذًا فقد كان الموت من أجلنا على الصليب لائقًا وملائمًا. وقد اتضح أن سببه كان معقولًا من جميع الوجوه، ومن الحق أن يقال إنه لم تكن هناك طريقة أخرى يتحقق بها خلاص الجميع سوى الصليب"[83].
ونفس التعليم يشرحه أبونا القديس كيرلس الكبير: "ولكن كلمة الله الآب، إذ هو غني في لطفه ومحبته للبشر صار جسدًا أي إنسانًا مثلنا، مشابهًا لنا نحن الذين تحت الخطية وقد احتمل نصيبنا (معاناة الألم والموت)، كما يكتب بولس الرسول الفائق جدًا "ذاق بنعمة الله الموت لأجل الجميع" (عب2: 9)، وجعل حياته على سبيل المبادلة عن حياة الكل، فقد مات واحد عن الجميع لكي يعيش الجميع لله مقدسين ومحيين وحاصلين على الحياة بدمه"[84].
لقد استمدوا هذا التعليم النقي الطاهر من الكتاب المقدس، ومن الآباء السابقين عليهم. ففي سفر إشعياء نبوة واضحة جدًا عن آلام السيد المسيح الخلاصية:
"لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ ٱللهِ وَمَذْلُولًا. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لِأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لِأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلَامِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَٱلرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى ٱلذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ" (إش 53: 4-7).
"مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي ٱلْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا" (إش 53: 11).
كان الرب يسوع هو الذبيحة المقدسة التي بلا عيب التي قُدمت عن حياة البشر.
“ٱلَّذِي لَيْسَ لَهُ ٱضْطِرَارٌ كُلَّ يَوْمٍ مِثْلُ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ أَنْ يُقَدِّمَ ذَبَائِحَ أَوَّلًا عَنْ خَطَايَا نَفْسِهِ ثُمَّ عَنْ خَطَايَا ٱلشَّعْبِ، لِأَنَّهُ فَعَلَ هَذَا مَرَّةً وَاحِدَةً، إِذْ قَدَّمَ نَفْسَهُ.” (عب 7: 27).
“فَبِهَذِهِ ٱلْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً.” (عب 10:10).
“ لِأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا ٱلْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لِأَجْلِنَا.” (1كو 5: 7).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
هو الذبيحة، وهو الكاهن الذي قدّم الذبيحة.
“لِأَنَّهُ يَشْهَدُ أَنَّكَ: «كَاهِنٌ إِلَى ٱلْأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ»” (عب 7: 17).
السيد المسيح هو الكاهن وهو الذبيحة: "هذا الذي أصعد ذاته، ذبيحة مقبولة على الصليب، عن خلاص جنسنا. فاشتمّه أبوه الصالح، وقت المساء، على الجلجثة. فتح باب الفردوس، وردّ آدم إلى رئاسته مرة أخرى. من قِبل صليبه، وقيامته المقدسة، ردّ الإنسان مرة أخرى إلى الفردوس".[85]
“فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ ٱجْتَازَ ٱلسَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ ٱبْنُ ٱللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بِٱلْإِقْرَارِ. لِأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلَا خَطِيَّةٍ.” (عب 4: 14-15)
لذلك سُمِّيَ ربنا يسوع المسيح "الفادي":
* “«لَا تَخَفْ يَا دُودَةَ يَعْقُوبَ، يَا شِرْذِمَةَ إِسْرَائِيلَ. أَنَا أُعِينُكَ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَفَادِيكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ.” (إش 41: 14)
* “ فَيَعْلَمُ كُلُّ بَشَرٍ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ مُخَلِّصُكِ، وَفَادِيكِ عَزِيزُ يَعْقُوبَ».”(إش 49: 26)
والمسيح هو أيضًا الفدية التي قُدمت لله الآب عن خلاص البشر.
"لِأَنَّ ٱبْنَ ٱلْإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ" (مر 10: 45).
“ٱلَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لِأَجْلِ ٱلْجَمِيعِ،” (1تي 2: 6).
"وهو مثل خروف سَلَّم جسده الخاص للموت كفدية[86] من أجل خلاص الجميع"[87].
"عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ" (1بط1: 18-19).
“لِأَنَّكُمْ قَدِ ٱشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا ٱللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ ٱلَّتِي هِيَ لِلهِ.” (1كو 6: 20).
هذا الثمن هو الكفارة العظمى التي قدمها المسيح من أجلنا.
“يَا أَوْلَادِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ لَا تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ ٱلْآبِ، يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ ٱلْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ ٱلْعَالَمِ أَيْضًا.” (1يو 2: 1-2).
“مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِٱلْفِدَاءِ ٱلَّذِي بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي قَدَّمَهُ ٱللهُ كَفَّارَةً بِٱلْإِيمَانِ بِدَمِهِ، لِإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ ٱلصَّفْحِ عَنِ ٱلْخَطَايَا ٱلسَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ ٱللهِ،” (رو 3: 24-25).
“فِي هَذَا هِيَ ٱلْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا ٱللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ٱبْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا.” (1يو 4: 10).
بهذه الكفارة العظيمة انتصر السيد المسيح على الشيطان والعالم والموت لحسابنا.
“إِذْ جَرَّدَ ٱلرِّيَاسَاتِ وَٱلسَّلَاطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ.” (كو 2: 15).
“وَلَكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ ٱلْعَالَمَ” (يو 16: 33).
“«مِنْ يَدِ ٱلْهَاوِيَةِ أَفْدِيهِمْ. مِنَ ٱلْمَوْتِ أُخَلِّصُهُمْ. أَيْنَ أَوْبَاؤُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ شَوْكَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ تَخْتَفِي ٱلنَّدَامَةُ عَنْ عَيْنَيَّ».” (هو 13: 14).
"هو دفع (أوفَى) عقوبتنا من أجلنا. على الرغم من أن الذي تألم كان واحد فقط، فهو كان فوق كل خليقة كإله وأثمن من حياة الجميع. لهذا السبب، مثلما يقول المرتل: "وكل الآثام سدت فمها" (مز107: 42)[س]، ولسان الخطية أُسكِت، لأنه لم يعد لديه أي شيء ليقوله ضد الخطاة. هذا لأننا مُتَبَرِّرِينَ؛ لأن المسيح دفع (أوفى) عقوبتنا. "بِجلداته شُفِينَا" كما هو مكتوب (إش5:53). مثلما أنه بواسطة الشجرة، خطية سقوطنا وصلت إلى التمام، هكذا أيضًا بواسطة الشجرة (الصليب) قد تمت عودتنا إلى حالتنا الأصلية، بالإضافة إلى الاشتياق لقبول البركات السماوية"[88].
_____
[81] بنعمة المسيح، جارِ تجهيز كتاب خاص عن العقوبة الإلهية في فكر الآباء.
(253) القديس أثناسيوس الرسولي، ضد الأريوسيين - المقال الثانية (فصل 21: فقرة 67).
[82] رسالة القديس أثناسيوس إلى مارسللينوس في شرح معنى المزامير، الفقرة السابعة.
[84] رسالة 41، نسخة من الرسالة التي كتبها القديس كيرلس إلى أكاكيوس عن التيس المرسل (إلى البرية). فقرة رقم11 ترجمها عن اليونانية الدكتور موريس تاوضروس، الدكتور نصحي عبد الشهيد.
[85] لحن فاي ايتاف إينف.
[86] كلمة فدية في هذا النص في اللغة اليونانية القديمة أتت ἀντίψυχον ((antípsychon وهى أصلها من ἀντίψυχος (antípsychos) وهى تعني "نفس بديلة" أو "بديل" أي، إعطاء حياة شخص ما، بدلًا من حياة شخص أخر كفدية.
[88] القديس كيرلس الكبير، شرح إنجيل يوحنا، شرح (يو19:19).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/you-desired-to-renew-him/punishment.html
تقصير الرابط:
tak.la/d5j22p8