4- أوجه ما عمله المسيح معنا وفينا
يقول القديس أثناسيوس الرسولي: "وهكذا إذ اتخذ جسدًا مماثلًا لطبيعة أجسادنا، وإذ كان الجميع خاضعين للموت والفساد، فقد بذل جسده للموت عوضًا عن الجميع، وقدّمه للآب. كل هذا فعله من أجل محبته للبشر أولًا: لكي إذ كان الجميع قد ماتوا فيه، فإنه يبطل عن البشر ناموس الموت والفناء، ذلك لأن سلطان الموت قد استنفذ في جسد الرب، فلا يعود للموت سلطان على أجساد البشر (المماثلة لجسد الرب). ثانيًا: وأيضًا فإن البشر الذين رجعوا إلى الفساد بالمعصية يعيدهم إلى عدم الفساد ويحييهم من الموت بالجسد الذي جعله جسده الخاص، وبنعمة القيامة يبيد الموت منهم كما تُبيد النار القش". [57]
يتضح من هذا النص الجامِع الشامل أن القديس أثناسيوس الرسولي في شرحه لتدبير الخلاص قد أبرز نقاط عديدة:
عوض عن الجميع.
قدَّم جسده للآب.
أعلن محبته للبشر.
الجميع ماتوا فيه.
أبطل عن البشر ناموس الموت والفناء.
استنفذ سلطان الموت في جسد الرب.
أعاد البشر إلى عدم الفساد.
أباد الموت من الطبيعة البشرية.
"فلقد أدرك الكلمة جيدًا أنه لم يكن ممكنًا أن يُقضى على فساد البشرية بأي طريقة أخرى سوى الموت نيابة عن الجميع. ومن غير الممكن أن يموت الكلمة لأنه غير مائت بسبب أنه هو ابن الآب غير المائت. ولهذا اتخذ لنفسه جسدًا قابلًا للموت حتى إنه عندما يتحد هذا الجسد بالكلمة الذي هو فوق الجميع، يصبح جديرًا ليس فقط أن يموت نيابة عن الجميع، بل ويبقى في عدم فساد بسبب اتحاد الكلمة به. ومن ذلك الحين فصاعدًا يُمنع الفساد من أن يسرى في جميع البشر بنعمة القيامة من الأموات. لذلك قَدّم للموت ذلك الجسد الذي اتخذه لنفسه كتقدمة مقدسة وذبيحة خالية من كل عيب. وببذله لهذا الجسد كتقدمة مناسبة، فإنه رفع الموت فورًا عن جميع نظرائه البشر. ولأن كلمة الله هو فوق الجميع فقد كان لائقًا أن يقدم هيكله الخاص وأداته البشرية فدية عن حياة الجميع موفيًا دين الجميع بموته". [58]
واضح من تعليم القديس أثناسيوس الرسولي، معلم الكنيسة، أنه لم يكتف بشرح واحد، أو بجانب واحد، في تفسير ما عمله السيد المسيح من أجلنا، بل كان له نظرة شمولية، متعددة الجوانب:
الموت نيابة عن الجميع.
يمنع الفساد عن الطبيعة البشرية.
قدَّم جسده تقدمة عن البشر.
رفع الموت عن البشر.
قدَّم جسده فدية عن حياة الجميع.
وفَّى دين الجميع بموته.
فالخطأ في الفكر اللاهوتي يبدأ حينما يُرَكِّز المرء على جانب واحد، ويتجاهل الجوانب الأخرى، كمن يقول أن الصليب هو حب فقط، متجاهلًا باقي الأبعاد الخلاصية.
مع ملاحظة أن كلمة هرطوقي في أصلها اليوناني معناها الانتقاء، أي انتقاء جانب واحد والتركيز عليه، وتضخيمه؛ فيصير هرطقة، حتى لو كان صحيحًا في وسط سياقه، ومع الجوانب الأخرى.
فما عمله الرب يسوع معنا، ولأجل خلاصنا، هو عمل ضخم متعدد الجوانب.
_____
[57] القديس أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة 8/ 4.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/you-desired-to-renew-him/christ-work.html
تقصير الرابط:
tak.la/4vghd8z