3- في المسيح نتبرر بالنعمة
وكما صرنا في آدم خطاة قبل أن نوجد كأشخاص، وبدون أن نشترك معه في الأكل، لذلك وبالمثل أيضًا؛ فبلا فضل منا، ننال بر المسيح، وغلبته للموت، وانسكاب حياته فينا. وذلك بالإيمان به، ثم الاتحاد به في المعمودية والافخارستيا.
فعندما نتحد بالمسيح عريس النفس، نصير فيه ابرارًا ببره، وأحياءً بحياته، وغير فاسدين بحياته الأبدية المنسكبة فينا. مع ضرورة الاستمرارية في اتحادنا به إلى المنتهى، خلال حياتنا الكنسية، المتضمنة التوبة الدائمة، والصلاة، والجهاد الروحي، في المسيح.
لقد عالج السيد المسيح ما سبق أن أصاب بشريتنا في آدم.
يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "وكيف ملك الموت؟ "على شبه تعدي آدم". ولهذا فإن آدم هو مثال للمسيح. وكيف يقول إنه مثال المسيح؟ لأنه كما أولئك الذين أتوا من آدم على الرغم من أنهم لم يأكلوا من الشجرة، إلَّا أن الموت ملك عليهم، وهكذا صار آدم سببًا للموت الذي دخل إلى العالم، بسبب الأكل من الشجرة، هكذا أيضًا فإن أولئك الذين انحدروا من المسيح، على الرغم من أنهم لم يعملوا أعمالًا بارة، ألَّا أن المسيح صار سببًا للبر الذي منحه للجميع بواسطة صليبه."[63]
علمًا بأننا الآن نتمتع بغفران الخطايا كأهم بركة من بركات التجسد والفداء، أما نوال الحياة وعدم الفساد فالآن نناله بالعربون، أم في الأبدية السعيدة فسيكون بالحقيقة.
"لِأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ ٱلْجَمِيعُ، هَكَذَا فِي ٱلْمَسِيحِ سَيُحْيَا ٱلْجَمِيعُ. وَلَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي رُتْبَتِهِ: ٱلْمَسِيحُ بَاكُورَةٌ، ثُمَّ ٱلَّذِينَ لِلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ" (1كو 15: 22-23)
"هَكَذَا أَيْضًا قِيَامَةُ ٱلْأَمْوَاتِ: يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ" (1كو 15: 42)
"فَأَقُولُ هَذَا أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ: إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَا يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ ٱللهِ، وَلَا يَرِثُ ٱلْفَسَادُ عَدَمَ ٱلْفَسَادِ" (1كو 15: 50)
"فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ ٱلْبُوقِ ٱلْأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ ٱلْأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ. لِأَنَّ هَذَا ٱلْفَاسِدَ لَابُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ، وَهَذَا ٱلْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ. وَمَتَى لَبِسَ هَذَا ٱلْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ، وَلَبِسَ هَذَا ٱلْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ، فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ ٱلْكَلِمَةُ ٱلْمَكْتُوبَةُ: «ٱبْتُلِعَ ٱلْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ". (1كو 15: 52-54)
"مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي ٱلْقِيَامَةِ ٱلْأُولَى. هَؤُلَاءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ ٱلثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً لِلهِ وَٱلْمَسِيحِ، وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ" (رؤ 2: 6)
القيامة الأولى هى المعمودية والتوبة، أما القيامة الثانية فهى الوعد الذي وُعدنا به في المسيح يسوع ربنا، بقيامة الجسد وعدم الفساد.
"وَهَذَا هُوَ ٱلْوَعْدُ ٱلَّذِي وَعَدَنَا هُوَ بِهِ: ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ" (1يو 2: 25)
وهذا الوعد كرره الرب يسوع مرارًا في (يوحنا 6) "أنا أقيمه في اليوم الأخير".
"وَهَذِهِ مَشِيئَةُ ٱلْآبِ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَا أَعْطَانِي لَا أُتْلِفُ مِنْهُ شَيْئًا، بَلْ أُقِيمُهُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلْأَخِيرِ. لِأَنَّ هَذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَى ٱلِٱبْنَ وَيُؤْمِنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلْأَخِيرِ»" (يو 6: 39-40)
"لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَجْتَذِبْهُ ٱلْآبُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلْأَخِيرِ" (يو 6: 44)
"مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلْأَخِيرِ" (يو 6: 54)
يقول القديس كيرلس الكبير:
"إنه لكي يُكفر عن ذنب معصية آدم فقد أظهر نفسه مطيعًا وخاضعًا من كل الوجوه لله الآب عوضًا عنا، لأنه مكتوب: "لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرين خطاة هكذا أيضا بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرين أبرارًا" (رو5: 19)"[64]
"وحيث أن الجميع كانوا تحت حكم الموت، وكان هو مختلفًا عن الجميع فقد قدم جسده الخاص للموت من أجل الجميع. كأن الجميع قد ماتوا بواسطته هكذا قد تم الحكم. والجميع يصيرون بواسطته أحرارًا من الخطية ومن اللعنة التي أتت منها"[65]
فلنتهلل بما فعله المسيح معنا ولا نضيع عمرنا في مناقشات لا تبني.
وهذا ما يقصده معلمنا بولس الرسول بقوله (الذي هو مثال الآتي) (رو 5: 14).
فآدم هو مثال المسيح (الآتي)، فما حدث لنا في آدم يتم اصلاحه لنا في المسيح.
وإذا لم نؤمن بأننا صرنا خطاة في آدم بدون أن نشترك معه في الأكل بالطريقة التي شرحتها سابقًا، فكيف نقبل أننا نتبرر بالمسيح بدون فضل منا؟
لقد تجسد الله الكلمة ليخلصنا من هذه الحالة الرديئة (الخطية والموت والفساد).
فخطية آدم أصابت الكثيرين، وبر المسيح يناله الكثيرون.
ومقارنة إصابتنا بخطية آدم، مع نوالنا بر المسيح، غير المقارنة بين الموت الذي أصابنا نتيجة خطية آدم، والحياة الأبدية التي ننالها في المسيح يسوع ربنا، كما ورد في (رسالة كورنثوس الأولى 15): "فَإِنَّهُ إِذِ ٱلْمَوْتُ بِإِنْسَانٍ، بِإِنْسَانٍ أَيْضًا قِيَامَةُ ٱلْأَمْوَاتِ. لِأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ ٱلْجَمِيعُ، هَكَذَا فِي ٱلْمَسِيحِ سَيُحْيَا ٱلْجَمِيعُ." (1كو 15: 21-22).
يقول القديس كيرلس الكبير:
"ذاق الموت على خشبة الصليب؛ ليرفع من الوسط الإثم الذي أرتُكب بسبب شجرة، وليمحو الذنب الذي نتج عن ذلك، ولينزع من الموت طغيانه علينا. لقد رأينا الشيطان يسقط، رأينا ذلك القاسي ينكسر، ذلك المتكبر يُوضع، رأينا ذلك الذي جعل العالم يخضع لنير مُلكه يُجرد من تسلطه علينا."[66]
"أبطل الخطية التي هى سبب الفساد الذي دخل إلينا. وإذا أُبطلت الخطية فيكون من الحتمي أن تُلغى الجلدات والعقوبات المترتبة عليها."[67]
يقول القديس يوحنا ذهبي الفم:
"ثم دلل على أنه ليست الخطية الأولى فقط هي التي مُحيّت بواسطة النعمة بل جميع الخطايا الأخرى. ولم تُمحى الخطايا فقط بل أُعطى البر أيضًا. وعلى قدر ما تسبب آدم في الأضرار على قدر ما كانت عطايا المسيح وفيرة ولا تحصى. ومع أنه أشار إلى كل هذه الأمور، إلاّ أنه يحتاج هنا أيضًا لتقديم برهان أوضح. كيف أوضح هذا البرهان؟ بقوله "إن كان بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد فبالأولى كثيرًا الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح" (رو17:5). ما يقوله يعني الآتي: بماذا تسلّح الموت ضد البشرية؟ تسلّح بأن إنسانًا واحد فقط أكل من الشجرة. فإذا صارت للموت هذه السيادة الكبيرة بسبب خطية واحدة، فكيف يصبح من الممكن أن يكون هناك أناس تحت حكم الموت وقد حصلوا على نعمة وبر أعظم بكثير من الخطية الأولى الأمر الذي جعله لا يقول "نعمة"، بل "فيض النعمة"؟ لأننا لم نحصل على قدر بسيط من النعمة يكفى فقط لمحو الخطية، بل حصلنا على فيض النعمة"[68]
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ويقول القديس مار إفرام السرياني:
"إستعبدت الخطيئة كل الأجساد ولكن بجسد واحد بدون ذنوب حرّرت النعمة كلَّ جسد"[69]
يقول القديس كيرلس الكبير:
"لأن طبيعة الإنسان كلها أصبحت خاطئة في شخص الذي خُلق أولًا [آدم]، ولكنها الأن قد تبررت كلية من جديد في المسيح، لأنه صار لنا بداية ثانية لجنسنا، بعد تلك البداية الأولى"[70]
"أنه كان كلمة الله الوحيد، عن طريق تقديمه نفسه لوضعنا، وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وأصبح مطيعًا للآب حتى إلى الموت. وهكذا ذنب المعصية الذي بواسطة آدم قد غُفر، هكذا توقفت قوة اللعنة، وسلطان الموت تم إحالته إلى الإضمحلال. وهذا ما يعلمه بولس أيضًا قائلًا "لأنه كما بمعصية واحد أصبح الكثيرون خطاة هكذا أيضًا بطاعة الواحد أصبح الكثيرون أبرارًا" (رو5: 19)"[71]
ويقول القديس غريغوريوس النيصي:
«كما أن الذين تناولوا سُمًّا بمكيدة أعدائهم بيطلون مفعوله المُهلِك بواسطة عقار آخر، هكذا نحن الذين أكلنا ما انحلَّت به طبيعتنا (أي الثمرة المحرَّمة)، نحتاج بالضرورة أن نتناول ما يجمع من جديد هذه الطبيعة المنحلة، بحيث أن هذا الترياق الحال فينا يبطل بقدرته الشافية الخاصة تلك الأضرار التي أصابت الجسد من ذلك السم. وماذا يكون هذا الترياق؟ ليس إلا ذلك الجسد الذي استُعلِنَ أقوى من الموت وصار لنا بدءًا للحياة. فكما أن خميرة صغيرة -بحسب قول الرسول: "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ خَمِيرَةً صَغِيرَةً تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ؟" (1كو 5: 6)- تجعل العجين كله مشابهًا لها، هكذا أيضًا هذا الجسد الذي جعله الله غير مائت، حينما يحل داخل جسدنا فإنه يحوله وينقله كله إلى ذاته. فكما أن العقار المهلك إذا امتزج بالترياق الشافي فإن مزيج الاثنين يكون كله غير ضار، هكذا أيضًا الجسد غير المائت حينما يحل في الذي يتناوله فإنه يحوله بكامله إلى طبعه الخاص(509).»
ويلاحظ في هذا النص ان القديس غريغوريوس النيصي يؤكد على أننا أكلنا في آدم فانحلت طبيعتنا، وأن ترياق عدم الموت هو الأكل من جسد الرب كعلاج لطبيعتنا التي ماتت في آدم.
_____
[63] القديس يوحنا ذهبي الفم – تفسير الرسالة إلى أهل رومية، الإصحاح الخامس.
[64] القديس البابا كيرلس الكبير، العظة الثالثة، على شرح إنجيل القديس لوقا.
[65] المقالة الثانية ضد الآريوسين، الفصل الحادي والعشرون، الفقرة رقم 69.
[66] القديس البابا كيرلس الكبير العظة (67)، على شرح إنجيل القديس لوقا.
[67] القديس كيرلس الكبير، السجود والعبادة بالروح والحق، المقالة الثامنة.
[68] العظة الحادية عشر للقديس يوحنا ذهبي الفم على شرح الرسالة إلى رومية، شح (رو17:5)، ترجمة د. سعيد حكيم، طبعة أولى في مجلد واحد 2013، (ص 249-250).
[69] القديس إفرام السرياني، في الكنيسة أو الجهاد المسيحي، ينابيع الإيمان 14، المدراش الرابع والعشرون، صفحة 102، طبعة أولى 2006، قدم لها ونقلها للعربية وكتب حواشيها الخوري بولس الفغالي.
[70] (شرح إنجيل لوقا عظة 42).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/i-willingly-ate/vindication-in-jesus.html
تقصير الرابط:
tak.la/d58akjg