رفض الهرطقات والمبالغات المتطرفة
القبول لكل الآراء، المتكاملة، والصحيحة، لا يمنع استبعاد -طبعًا- ما رفضته الكنيسة منذ البداية من آراء هرطوقية، لا تليق بشخص وعمل ربنا يسوع المسيح. أو الآراء المُبالغ فيها:
1- مثل تلك التي صَوَّرت الآب بالإله الغاضب القاسي الذي يحتاج إلى تهدئة، ويقف مُشَاهِدًا، مُتَلَذِّذًا بعقاب ابنه، وأن الابن جاء متجسدًا، لكي يرضيه.
وكأن قضية التجسد والخلاص هي لحل مشكلة لدى الله ذاته، بينما تعلن الكنيسة في قانون الإيمان: "هذا الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء، وتجسد من الروح القدس، ومن مريم العذراء، وتأنس..." فهذا الشرح المُنْحَرِف يفصِل بين الآب والابن، ويصّور الآب بالإله القاسي الغضوب، والابن بالإله الطيب الصالح، وهذا يفسد فهمنا لمساواة الابن للآب في كل شيء، في الجوهر والإرادة والعمل، ويتجاهَل محبة الآب للإنسان، ويغفل دور الروح القدس -كأقنوم له نفس الجوهر الواحد مع الآب والابن- ويتجاهل دوره في التدبير الخلاصي.
فغَضَبَ الله المُعْلَن عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ،[470] حسب تعبير القديس بولس، هو غضب الثالوث القدوس، وليس غضب الآب فقط. وَصَفْح الله عن البشرية، بذبيحة المسيح الخلاصية، هو عمل ثالوثي أيضًا، وليس عمل الابن فقط. والعمل الخلاصي هو يخصنا نحن البشر، ولا يوجد مشكلة لدى الله أتى المسيح ليحلها.
ومن المؤكد أن الله يغفر لنا مجانًا، فهو لا يطلب أي تعويض. ولكن الابن الوحيد، بإرادته، ومسرة أبيه، والروح القدس "أسلم ذاته فداءً عنا، إلى الموت الذي تَمَلَّكَ علينا، هذا الذي كنا مُمْسَكِين به، مَبِيعِين من قِبَل خطايانا".[471]
2- وترفض الكنيسة كذلك، الآراء التي تخيلت صراعًا بين العدل والرحمة في الثالوث، وكأن الله قد وضع نفسه في مأزق، ألزمه، البابا شنودة الثالث) وَفَرَضَ عليه التجسد والموت لحل هذا الصراع. فقد عَلَّم آباؤنا أن عدل الله رحيم، ورحمة الله عادِلَة ((*).
3- وترفض الكنيسة فكرة دَفْع الفدية للشيطان؛ لكي يحررنا.[472]
يقول القديس غريغوريوس النيزينزي:
"لمن قُدِّم ذلك الدم الذي سُفك من أجلنا، ولماذا سُفك؟ أنا أقصد الدم الثمين والشهير الذي لإلهنا ورئيس كهنتنا وذبيحتنا. نحن مُحتَجَزين في العبودية بواسطة الشرير، مبيعين تحت الخطية، ونحصل على اللذة مقابل الشر. الأن بما أن الفدية تخص فقط الذي يَمسك في العبودية، أنا أسأل لمن قُدِّمت هذه (الفدية)، ومن أجل أي سبب؟ لو إلى الشرير، فيالها من إهانة! إذا السارق يتلقى فدية، ليس فقط من الله، بل الفدية التي تتكون من الله ذاته."[473]
"كيف يدفع الله الثمن للشيطان المديون؟ كيف لمن هو مديون أن يأخذ ديون؟ فمستحيل أن الشيطان المديون يأخذ ثمن؟ ما الذي سينتفع به الشيطان من أخذه دم المسيح؟" (البابا شنودة الثالث).
4- كذلك، تلك الآراء التي حصرت فِعْل الخلاص في عمل الابن فقط.
5- والآراء التي حصرت عمل الخلاص في الصليب فقط؛ متجاهلة أعمال المسيح الأخرى الخلاصية، وهي التجسد، والتعليم، والشفاء، والقيامة، والصعود، وإرسال الروح القدس، وعمل الروح القدس في الكنيسة، بالإضافة إلى الصليب المجيد طبعًا.
6- وترفض الكنيسة التفاسير التي تلغي مفهوم وراثة خطية آدم، تلك المفاهيم التي تبناها بيلاجيوس وتلميذه كاليستيوس قديمًا في القرن الخامس الميلادي، ويجددها حديثًا بعض الروم أمثال جون رومانيدس وغيره. ونعتبر قبول الكنيسة لمعمودية الأطفال منذ ولادتهم شهادة قوية على إيمان الكنيسة بوراثة الخطية الأصلية، بالإضافة للبراهين التي أثبتَّها في هذه الدراسة.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
7- نظرًا لوجود انحرافات شديدة للأب جون رومانيدس في مفهوم وراثة الخطية الجدية بعيدًا عن التعليم الآبائي الأرثوذكسي والكتابي الصحيح، عليه نتوقع وجود انحرافات أخرى في تعليم وكتابات الأب جون رومانيدس خاصة بعقائد هامة أخرى مثل عقيدة الفداء على الصليب، أو عقيدة المعمودية المقدسة أو غيره. ولذلك وجب القيام بأبحاث أخرى تدرس أفكار وكتابات وتعاليم الأب جون رومانيدس في باقي العقائد للحد من تسلل هذه الانحرافات والهرطقات الحديثة إلى كنيستنا القبطية وباقي الكنائس الأرثوذكسية.
8- يجب في كل ذلك النظر إلى الحقائق الإيمائية أنها أعلى من البحث العلمي الأكاديمي ذي المنظار الضيق، لكن الحقائق الإيمانية تُرَى بعين الروح الواسع من خلال فهم الآباء. البحث العلمي يبدأ من الشك في أي فرضية، كمثل طريقة توما الرسول، "إِنْ لَمْ أُبْصِرْ.. وَأَضَعْ إِصْبِعِي"(**)، أما الحقيقة الإيمانية فهي ساطعة كسطوع الشمس، ولا تحتاج أدلة أو فحص؛ لذلك فالدراسات الأكاديمية اللاهوتية هدفها كرازي ودِفَاعي وتأكيد ما استقر في البيعة المقدسة، وليس اكتشاف جديد، أو إضافة لاهوتية لم يَصِل إليها أحد قبلنا، يجب وضع منهج البحث العلمي الأكاديمي في حجمه ومكانه بالنسبة للدراسات اللاهوتية.
9- ومن الناحية الإيجابية البنائية، أوصي بالآتي:
أ. معالجة القضايا اللاهوتية محل النزاع في مؤتمرات الشباب والخدام.
ب. إصدار نبذات لشرح الإيمان المستقيم؛ لمعالجة القضايا الفكرية واللاهوتية الشائكة.
ت. حَثّ المسؤولين عن وضع مناهج التربية الكنسية في المراحل العمرية المختلفة أن تَتَضَمَّن المناهج المفاهيم الإيمانية السليمة.
ث. تدشين موقع رسمي للكنيسة القبطية علي صفحة علي الـFacebook يختص بالرد علي القضايا الإيمانية المُثَارة من خلال آباء الكنيسة المتخصصين.
ج. عمل دليل إيمان يشرح كل تفاصيل إيمان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ليكون مرجعًا لمواجهة المُخَالِفين، ويكون دليلًا لِمْنَ يرغب في معرفة إيمان الكنيسة، على أن يتبنى المجمع المقدس إخراج هذا الدليل؛ فلا يكون مُنْحَازًا لِفِكْر أفراد أو جماعات، لكن يُعبِّر عن إيمان الكنيسة المستقر.
_____
[470] "لِأَنَّ غَضَبَ ٱللهِ مُعْلَنٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ ٱلنَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، ٱلَّذِينَ يَحْجِزُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْإِثْمِ” (رو 1: 18).
[471] (القداس الباسيلي القبطي).
(*) إضافة من الموقع: عن كتاب بدع حديثة - البابا شنوده الثالث، مقال: حول العقوبة.
السيد المسيح قدم ذبيحته لله أبيه عن خلاص البشر: "فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلهِ بِلَا عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا ٱللهَ ٱلْحَيَّ!" (عب 9: 14).
"وَٱسْلُكُوا فِي ٱلْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا ٱلْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لِأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً لِلهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً" (أف 5: 2).
"لأنه يُقدِّم ذاته ذبيحة إلى أبيه، وليس بالتأكيد لأجل ذاته وفق التعليم المستقيم، لكن لأجلنا نحن الذين كنا تحت نير وثقل الخطية" القديس كيرلس الكبير، السجود والعبادة بالروح والحق، المقالة العاشرة.
[473] Gregory Nazianzen. (1894). Select Orations of Saint Gregory Nazianzen. In P. Schaff & H. Wace (Eds.), C. G. Browne & J. E. Swallow (Trans.), S. Cyril of Jerusalem, S. Gregory Nazianzen (Vol. 7, p. 431). New York: Christian Literature Company. Greg. Naz., Orat. 45.22.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/economy-of-salvation/chapter6-recommendations.html
تقصير الرابط:
tak.la/9g3zv3q