(3) الآباء الرسل يُقيمون أساقفة:
تذكر أسفار العهد الجديد إلى جانب الآباء الرسل الأساقفة، والكهنة، والشمامسة. فمثلًا:
* "فانتَخِبوا أيُّها الإخوَةُ سبعَةَ رِجالٍ مِنكُمْ، مَشهودًا لهُمْ ومَملوينَ مِنَ الرّوحِ القُدُسِ وحِكمَةٍ، فنُقيمَهُمْ علَى هذِهِ الحاجَةِ" (أع 3:6).. انتخبوا أنتم (الشعب) ونقيمهم نحن (الرسل).
* "وانتَخَبا لهُمْ قُسوسًا في كُل كنيسَةٍ، ثُمَّ صَلَّيا بأصوامٍ واستَوْدَعاهُمْ للرَّب الذي كانوا قد آمَنوا بهِ" (أع 23:14).
* "ومِنْ ميليتُسَ أرسَلَ إلَى أفَسُسَ واستَدعَى قُسوسَ الكَنيسَةِ. فلَمّا جاءوا إليهِ قالَ لهُمْ: "أنتُمْ تعلَمونَ مِنْ أوَّلِ يومٍ دَخَلتُ أسيّا، كيفَ كُنتُ معكُمْ كُلَّ الزَّمانِ... اِحتَرِزوا إذًا لأنفُسِكُمْ ولجميعِ الرَّعيَّةِ التي أقامَكُمُ الرّوحُ القُدُسُ فيها أساقِفَةً، لترعَوْا كنيسَةَ اللهِ التي اقتَناها بدَمِهِ" (أع 17:20-28).
* "كما طَلَبتُ إلَيكَ أنْ تمكُثَ في أفَسُسَ، إذ كُنتُ أنا ذاهِبًا إلَى مَكِدونيَّةَ، لكَيْ توصيَ قَوْمًا أنْ لا يُعَلموا تعليمًا آخَرَ" (1تي 3:1).
* "هذِهِ الوَصيَّةُ أيُّها الاِبنُ تيموثاوُسُ أستَوْدِعُكَ إيّاها حَسَبَ النُّبوّاتِ التي سبَقَتْ علَيكَ، لكَيْ تُحارِبَ فيها المُحارَبَةَ الحَسَنَةَ" (1تي 18:1).
* "أُذَكرُكَ أنْ تُضرِمَ أيضًا مَوْهِبَةَ اللهِ التي فيكَ بوَضعِ يَدَيَّ" (2تي 6:1).
* "إلَى أنْ أجيءَ اعكُفْ علَى القِراءَةِ والوَعظِ والتَّعليمِ. لا تُهمِلِ المَوْهِبَةَ التي فيكَ، المُعطاةَ لكَ بالنُّبوَّةِ مع وضعِ أيدي المَشيَخَةِ (القسيسية). اهتَمَّ بهذا. كُنْ فيهِ، لكَيْ يكونَ تقَدُّمُكَ ظاهِرًا في كُل شَيءٍ. لاحِظْ نَفسَكَ والتَّعليمَ وداوِمْ علَى ذلكَ، لأنَّكَ إذا فعَلتَ هذا، تُخَلصُ نَفسَكَ والذينَ يَسمَعونَكَ أيضًا" (1تي 13:4-16).
* "هذا أكتُبُهُ إلَيكَ راجيًا أنْ آتيَ إلَيكَ عن قريبٍ. ولكن إنْ كُنتُ أُبطِئُ، فلكي تعلَمَ كيفَ يَجِبُ أنْ تتصَرَّفَ في بَيتِ اللهِ، الذي هو كنيسَةُ اللهِ الحَي، عَمودُ الحَق وقاعِدَتُهُ" (1تي 14:3-15).
* "وما سمِعتَهُ مِني بشُهودٍ كثيرينَ، أودِعهُ أُناسًا أُمَناءَ، يكونونَ أكفاءً أنْ يُعَلموا آخَرينَ أيضًا" (2تي 2:2).
* "إنْ فكَّرتَ الإخوَةَ بهذا، تكونُ خادِمًا صالِحًا ليَسوعَ المَسيحِ، مُتَرَبيًا بكلامِ الإيمانِ والتَّعليمِ الحَسَنِ الذي تتبَّعتَهُ" (1تي 6:4).
* "لا يَستَهِنْ أحَدٌ بحَداثَتِكَ، بل كُنْ قُدوَةً للمؤمِنينَ: في الكلامِ، في التَّصَرُّفِ، في المَحَبَّةِ، في الرّوحِ، في الإيمانِ، في الطَّهارَةِ" (1تي 12:4).
* "فيَجِبُ أنْ يكونَ الأُسقُفُ: بلا لومٍ، بَعلَ امرأةٍ واحِدَةٍ، صاحيًا، عاقِلًا، مُحتَشِمًا، مُضيفًا للغُرَباءِ، صالِحًا للتَّعليمِ، غَيرَ مُدمِنِ الخمرِ، ولا ضَرّابٍ، ولا طامِعٍ بالربحِ القَبيحِ، بل حَليمًا، غَيرَ مُخاصِمٍ، ولا مُحِب للمالِ، يُدَبرُ بَيتَهُ حَسَنًا، لهُ أولادٌ في الخُضوعِ بكُل وقارٍ. وإنَّما إنْ كانَ أحَدٌ لا يَعرِفُ أنْ يُدَبرَ بَيتَهُ، فكيفَ يَعتَني بكَنيسَةِ اللهِ؟ غَيرَ حَديثِ الإيمانِ لِئلا يتصَلَّفَ فيَسقُطَ في دَينونَةِ إبليسَ. ويَجِبُ أيضًا أنْ تكونَ لهُ شَهادَةٌ حَسَنَةٌ مِنَ الذينَ هُم مِنْ خارِجٍ، لِئلا يَسقُطَ في تعييرٍ وفَخ إبليسَ" (1تي 2:3-7).
* ألاَّ يزكي نفسه، بل تختاره الجماعة المُقدَّسة.
* يكون له سيرة حسنة حتى عند الذين هم من خارج، أي غير المؤمنين.
* لا يجب أن ينفرد الأسقف في الرأي عند السيامة، بل يشترك الجميع في الاختيار.
* يشهد الكل على صلاحية المزكَى لهذه الرتبة الجليلة، لهذا قيل: "لا تضَعْ يَدًا علَى أحَدٍ بالعَجَلَةِ، ولا تشتَرِكْ في خطايا الآخَرينَ. اِحفَظْ نَفسَكَ طاهِرًا" (1تي5: 22).
وواضح هنا أن وضع اليد يُقصد به السيامة الكهنوتية، وليس وضع اليد للبركة أو للصلاة أو طلب الشفاء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.. فكثيرًا ما يطلب أحد أفراد الشعب من الأب الأسقف أو الكاهن أن يضع يده عليه، ويصلى له للبركة.. وهنا لا يمتنع الأب عن المسارعة بتلبية الطلب ومباركة شعبه، ولا يفكر للحظة ألاَّ يضع يده (للبركة) بالعجلة.
أمَّا إذا تقدم الشعب بتزكية أحد الشمامسة للدرجة الكهنوتية، أو تقدم أحد الأشخاص مُزكيًا نفسه للكهنوت، فهنا لا يجب أن يسارع الأسقف بوضع يده للسيامة، بل ليتريث حتى يتحقق من صلاحية الشخص المُزكَى، حتى لا يتعب كنيسة الله ويعثر الناس بسيامة غير مُوفَقة.
واضح هنا أن وضع اليد المذكورة هي وضع يد السيامة الكهنوتية وليست وضع يد البركة "لا تضَعْ يَدًا علَى أحَدٍ بالعَجَلَةِ".
* "كذلكَ يَجِبُ أنْ يكونَ الشَّمامِسَةُ ذَوي وقارٍ، لا ذَوي لسانَينِ، غَيرَ مولَعينَ بالخمرِ الكَثيرِ، ولا طامِعينَ بالربحِ القَبيحِ، ولهُمْ سِرُّ الإيمانِ بضَميرٍ طاهِرٍ. وإنَّما هؤُلاءِ أيضًا ليُختَبَروا أوَّلًا، ثُمَّ يتشَمَّسوا إنْ كانوا بلا لومٍ. كذلكَ يَجِبُ أنْ تكونَ النساءُ ذَواتِ وقارٍ، غَيرَ ثالِباتٍ، صاحياتٍ، أميناتٍ في كُل شَيءٍ. ليَكُنِ الشَّمامِسَةُ كُلٌّ: بَعلَ امرأةٍ واحِدَةٍ، مُدَبرينَ أولادَهُمْ وبُيوتهُمْ حَسَنًا. لأنَّ الذينَ تشَمَّسوا حَسَنًا، يَقتَنونَ لأنفُسِهِمْ دَرَجَةً حَسَنَةً وثِقَةً كثيرَةً في الإيمانِ الذي بالمَسيحِ يَسوعَ" (1تي 8:3-13).
* "أمّا الشُّيوخُ (القسوس) المُدَبرونَ حَسَنًا فليُحسَبوا أهلًا لكَرامَةٍ مُضاعَفَةٍ، ولا سيَّما الذينَ يتعَبونَ في الكلِمَةِ والتَّعليمِ، لأنَّ الكِتابَ يقولُ: لا تكُمَّ ثَوْرًا دارِسًا، والفاعِلُ مُستَحِقٌّ أُجرَتَهُ. لا تقبَلْ شِكايَةً علَى شَيخٍ (قس) إلا علَى شاهِدَينِ أو ثَلاثَةِ شُهودٍ. الذينَ يُخطِئونَ وبخهُمْ أمامَ الجميعِ، لكَيْ يكونَ عِندَ الباقينَ خَوْفٌ. أُناشِدُكَ أمامَ اللهِ والرَّب يَسوعَ المَسيحِ والمَلائكَةِ المُختارينَ، أنْ تحفَظَ هذا بدونِ غَرَضٍ، ولا تعمَلَ شَيئًا بمُحاباةٍ. لا تضَعْ يَدًا علَى أحَدٍ بالعَجَلَةِ، ولا تشتَرِكْ في خطايا الآخَرينَ. اِحفَظْ نَفسَكَ طاهِرًا" (1تي 17:5-22).
ونفس الكلام يتكرر مع تيطس تلميذ القديس بولس..
* "مِنْ أجلِ هذا ترَكتُكَ في كِريتَ لكَيْ تُكَملَ ترتيبَ الأُمورِ النّاقِصَةِ، وتُقيمَ في كُل مدينةٍ شُيُوخًا (قسوسًا) كما أوصَيتُكَ" (تي 5:1).
ويتضح من تعليمات القديس بولس إلى تلميذيه الأسقفين تيموثاوس وتيطس صفات الكهنة والأساقفة ووظائفهم في الكنيسة:
* "مُلازِمًا للكلِمَةِ الصّادِقَةِ التي بحَسَبِ التَّعليمِ، لكَيْ يكونَ قادِرًا أنْ يَعِظَ بالتَّعليمِ الصَّحيحِ ويوَبخَ المُناقِضينَ" (تي 9:1).
* "صالِحًا للتَّعليمِ" (1تي 2:3).
* "تمَسَّكْ بصورَةِ الكلامِ الصَّحيحِ الذي سمِعتَهُ مِني، في الإيمانِ والمَحَبَّةِ التي في المَسيحِ يَسوعَ. اِحفَظِ الوَديعَةَ الصّالِحَةَ بالرّوحِ القُدُسِ السّاكِنِ فينا" (2تي 13:1-14).
* "احفَظِ الوَديعَةَ" (1تي 20:6).
* "اكرِزْ بالكلِمَةِ" (2تي 2:4).
واضح من كل هذه النصوص ومن غيرها أن هناك أشخاصًا مُختارين ومُعينين من الرسل أو تلاميذهم (مثل: تيطس وتيموثاوس)، ومهمتهم هي المحافظة على صورة الكلام الصحيح والإيمان السليم، ورعاية الكنيسة لتبقى أمينة لإيمان الرسل وتعاليمهم المُقدَّسة بدون انحراف، ويهيمنوا على الكنيسة المُقدَّسة هيمنة الأبوة وليس هيمنة السلطة والتجبر والكبرياء، بقبضة الحب والأبوة والكفاءة الروحية والرعوية، وليس بسطوة الرعب والقهر والتحكم العنيف.. وعلى الصعيد الآخر لا يمكن أن تترك الكنيسة للتسيب وعدم الانضباط والتشتت.
ولم يترك الأمر بدون تنظيم وتحديد، حتى ولو كان كل المؤمنين مدعويين لأن يكونوا كارزين وشاهدين. لكن هذا تحت إشراف دقيق لأناس سبق اختيارهم وتحديد مهامهم، ونالوا كهنوتًا مُقدَّسًا بوضع الأيادي، ليُستأمنوا على هذه الوديعة المُقدَّسة التي للإيمان الصحيح.
1- لم تُترك إدارة الكنيسة والسيامات لأمزجة الناس أو لاستحسان الأفراد.
2- كانت السيامة في الرتب الشماسية والكهنوتية محصورة على أيادي الآباء الرسل فقط.
3- سمح الرسل للأساقفة أن يسيموا القسوس.
4- كان دور الشعب هو اختيار الشخصيات للسيامة.
5- ما كان مسموحًا لأحد أن يُقيم نفسه في أية رتبة كنسية من الشماس إلى الأسقف، ولا أن يُزكي نفسه.. "ليَمدَحكَ الغَريبُ لا فمُكَ، الأجنَبيُّ لا شَفَتاكَ" (أم 2:27).
6- كل ذلك كان لضمان امتداد واستمرارية الكنيسة في سلامة الإيمان ووحدانية الفكر في حياة الرسل وبعد انتقالهم إلى السماء.
7- كانت ومازالت هناك شركة في الكنيسة بين الإكليروس والشعب.. فالشعب يختار والأسقف يُقيم. ولا يجوز أن يفرض الشعب رأيه على الأسقف، لأنه هو المسئول عن السيامة أمام الله، ولا يجوز أيضًا للأسقف أن يفرض شخصًا على الشعب، بل يتم الأمر بالتفاهم والحوار والاقتناع للوصول إلى أفضل العناصر وأصلحها للسيامة في خدمة الكهنوت.
يظل الأمر النهائي دائمًا في يد قائد حكيم مسئول هو الأسقف، لئلا يحدث انشقاق في الكنيسة بسبب أن مجموعة من الناس يريدون سيامة أحد الأشخاص، وآخرين يريدون سيامة شخص آخر.
فإذا كان من حق الشعب أو أي إنسان أن يُقيم نفسه أو غيره في الرتب الكهنوتية، لحدثت انشقاقات عديدة في الكنائس على مدى التاريخ الكنسي. حقًا.. إن الأسقف هو رمز ووسيلة وحدانية الكنيسة.
يتضح من كل هذا التنظيم أنه لم يكن كل المؤمنين كهنة أو مسئولين في عصر الرسل، بل انتخبوا أناسًا من المؤمنين، وأقاموهم على هذه الخدمة، بصلاحيات وسلطات.. فلم يكن من حق أي مؤمن أن يُعمِّد أو يناول جسد الرب ودمه، أو يسيم في الرتب الكهنوتية، مع أنه كان من حق الجميع أن يكرزوا باسم المسيح، ويشتركوا في العبادة والخدمة ومساعدة الفقراء والتزكية للكهنوت.
وكرازة المؤمنين العاديين ما كانت تُعتمد بدون تدخل الكنيسة، مُمثلة في الآباء الرسل والأساقفة، الذين أقاموهم لمساعدتهم في تدبير كنيسة الله، وكان الدور الكهنوتي هنا هو اعتماد صحة الإيمان الذي كرز به، ثم التعميد باسم الثالوث القدوس، ومنح نعمة الروح القدس..
* "فحَدَثَ فيما كانَ أبُلّوسُ في كورِنثوسَ، أنَّ بولُسَ بَعدَ ما اجتازَ في النَّواحي العاليَةِ جاءَ إلَى أفَسُسَ. فإذ وجَدَ تلاميذَ قالَ لهُمْ: "هل قَبِلتُمُ الرّوحَ القُدُسَ لَمّا آمَنتُمْ؟". قالوا لهُ: "ولا سمِعنا أنَّهُ يوجَدُ الرّوحُ القُدُسُ". فقالَ لهُمْ: "فبماذا اعتَمَدتُمْ؟". فقالوا: "بمَعموديَّةِ يوحَنا". فقالَ بولُسُ: "إنَّ يوحَنا عَمَّدَ بمَعموديَّةِ التَّوْبَةِ، قائلًا للشَّعبِ أنْ يؤمِنوا بالذي يأتي بَعدَهُ، أيْ بالمَسيحِ يَسوعَ". فلَمّا سمِعوا اعتَمَدوا باسمِ الرَّب يَسوعَ. ولَمّا وضَعَ بولُسُ يَدَيهِ علَيهِمْ حَلَّ الرّوحُ القُدُسُ علَيهِمْ، فطَفِقوا يتكلَّمونَ بلُغاتٍ ويتنَبّأونَ" (أع 1:19-6).
* "ولَمّا سمِعَ الرُّسُلُ الذينَ في أورُشَليمَ أنَّ السّامِرَةَ قد قَبِلَتْ كلِمَةَ اللهِ، أرسَلوا إليهِمْ بُطرُسَ ويوحَنا، اللذَينِ لَمّا نَزَلا صَلَّيا لأجلِهِمْ لكَيْ يَقبَلوا الرّوحَ القُدُسَ، لأنَّهُ لم يَكُنْ قد حَلَّ بَعدُ علَى أحَدٍ مِنهُمْ، غَيرَ أنهُم كانوا مُعتَمِدينَ باسمِ الرَّب يَسوعَ. حينَئذٍ وضَعا الأياديَ علَيهِمْ فقَبِلوا الرّوحَ القُدُسَ" (أع 14:8-17).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/apostolic-succession/apostles.html
تقصير الرابط:
tak.la/w99tdzd