محتويات: (إظهار/إخفاء) |
الميرون سر التثبيت الثبات والثمر الروح القدس والزيت الطقس يشرح المعنى الروح القدس روح الوحدة لماذا يختص الروح القدس بالوحدة والشركة؟ الخلاصة |
(2) سر الميرون المقدس:
والسر المُلازم للمعمودية هو سر الميرون.. الذي فيه يُدهن المُعمَّد في جسده بالزيت المقدس.. لينال نعمة سكنى الروح القدس فيه.
يَحِّل الروح القدس علينا بدهن أعضائنا بزيت الميرون، ليمنحنا قوة روحانية، تثبتنا في حالة الخلاص الذي نلناه بالمعمودية المقدسة، ويحفظ الروح القدس لنا الوجود والاستمرارية في الحياة الجديدة، ويثبِّت فينا الإنسان الجديد الذي تجدّد بمياه المعمودية المقدسة.
ففي المعمودية تم اقتلاعنا وقطعنا من الزيتونة البرية، وإدخالنا وتطعيمنا في الزيتونة الجيدة المقدسة التي هي كنيسة الله.. "قد قُطع بعض الأغصانِ (اليهود)، وأنتَ زيتونة برِّية (الأمم) طُعِّمت فيها (بالمعمودية)، فصرتَ شريكًا في أصل الزيتونة (الكنيسة) ودَسمِها (أسرارها)" (رو11: 17).
والميرون يصير كمثل أربطة مقدسة تشدنا وتربطنا بجزع الزيتونة وجذرها.. وتثبتنا فيها، حتى يتاح لعصارة الحياة أن تسرى فينا نحن الأغصان، لنغتذي من الأصل والجذور، وبذلك نحيا ونصير "شريكًا في أصل الزيتونة ودَسمِها" (رو11: 17).
وبدون هذا السر تكون الكنيسة مفككة متناثرة، كمثل طفل ولد بدون أربطة تربط المفاصل والأعضاء!!! فما الفائدة إذا كان الجسد واحدًا ولكنه غير مترابط "بمَفَاصِل ورُبُطٍ، مُتوازرًا ومُقترِنًا" (كو2: 19).
إن الثبات في المسيح هو سر إثمار الكنيسة.. "اُثبُتوا فيَّ وأنا فيكم. كما أن الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته إن لم يَثبُت في الكرمة، كذلك أنتم أيضًا إن لم تَثبُتوا فيَّ، أنا الكرمة وأنتم الأغصان. الذي يَثبُت فيَّ وأنا فيه هذا يأتي بثمرٍ كثيرٍ، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا. إن كان أحد لا يَثبُت فيَّ يُطرح خارجًا كالغصن، فيجِف ويجمعونه ويطرحونه في النار، فيحترق. إن ثَبتُّم فيَّ وثَبَتَ كلامي فيكم تطلُبون ما تُريدون فيكون لكم (يو15: 4-7).
هل مسحة الروح القدس هي التي تُثبِّتنا في المسيح؟
يُوضح مُعلِّمنا بولس الرسول الارتباط بين المسحة المقدسة والثبات في المسيح.. في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس.. "ولكن الذي يُثبِّتنا معكم في المسيح، وقد مسحنا، هو الله (مسحة الروح القدس) الذي خَتَمَنا أيضًا (ختم الروح القدس)، وأعطى عربون الروح (القدس) في قلوبنا" (2كو1: 21-22).
فالمسحة المقدسة بالميرون والتي بها ننال ختم الروح القدس، هي بعينها التي تثبتنا في المسيح، وتجعل من الأفراد المتناثرين أعضاءً مُتحدين في جسد واحد مترابط..
* "الرأس (المسيح) الذي منه كل الجسد بمفاصل ورُبُط، مُتوازرًا ومُقترنًا ينمو نموًا من الله" (كو2: 19).
* "الذي منه كل الجسد مُركبًا معًا، ومُقترنًا بمؤازرة كل مَفصِل" (أف4: 16).
ونفس التعليم يؤكده مُعلِّمنا يوحنا الرسول في رسالته الأولى..
* "وأما أنتم فالمَسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم، ولا حاجة بكم إلى أن يُعلِّمكم أحد، بل كما تُعلِّمكم هذه المَسحة عَينُها عن كل شيء، وهي حق وليست كذبًا. كما علَّمتكُم تثبُتُون فيه" (1يو2: 27).
* "وبهذا نعرف أنه يَثبُت فينا (المسيح) من الروح الذي أعطانا (بالميرون)" (1يو3: 24).
قد يظن البعض أن كلمة (مَسحة) التي وردت في الآيات السابقة لا تُعني الدهن بالزيت، وبالتالي يتشككون في العلاقة بين حلول الروح القدس على الإنسان ومسحه بزيت الميرون.
دعنا الآن نبحث في الكتاب المقدس.. عن ارتباط الروح القدس بالدهن بالزيت المقدس..
* عندما أراد أبونا يعقوب أن يُدشن أول كنيسة (بيت إيل) استخدم الزيت.. "وبكَّر يعقوب في الصباح وأخذ الحجر الذي وضعَهُ تحت رأسِهِ وأقامَهُ عمودًا، وصَبَّ زيتًا على رأسِهِ. ودعَا اسم ذلك المكان بيت إِيل" (تك28: 18-19). ومرة أخرى أعاد يعقوب تدشين هذا المكان عند عودته بعد زواجه.. "فنصَبَ يعقوب عمودًا في المكان الذي فيه تكلَّم معه، عمودًا من حجرٍ، وسكَبَ عليه سَكيبًا، وصَبَّ عليه زيتًا. ودعَا يعقوب اسم المكان الذي فيه تكلَّم الله معه بيت إِيل" (تك35: 14-15).
* أمر الرب موسى النبي أن يصنع دُهنًا مقدسًا، يُدشن به الخيمة وكل محتوياتها، وشرح له مكونات هذا الدُهن المقدس، واستخداماته، وحذّره من تقليد مكوناته لأي استخدام آخر غير التدشين والتكريس.. "وكلَّم الرب موسى قائلًا: وأنتَ تأخذ لكَ أفخرَ الأطيابِ: مُرًّا قَاطِرًا خمس مئة شاقلٍ، وقِرفةً عَطِرةً نصف ذلك: مئتين وخمسين، وقَصَبَ الذَّريرة مئتين وخمسين، وسَليخة خمس مئة بشاقل القُدس، ومن زيتِ الزيتون هِينًا. وتصنَعُهُ دُهنًا مُقدَّسًا للمَسحة. عِطرَ عِطارة صنعة العطار. دُهنًا مُقدَّسًا للمَسحة يكون. وتمسَحُ به خيمة الاجتماع، وتابوت الشهادة، والمائدة وكل آنيتِها، والمنارة وآنيتِها، ومذبح البخور، ومذبح المحرقة وكل آنيتِه، والمرحضة وقاعدتَهَا. وتُقدِّسُها فتكون قُدس أقداسٍ. كلُّ ما مَسَّها يكون مُقدَّسًا. وتمسحُ هارون وبنيه وتُقدِّسهم ليَكهَنوا لي. وتُكلِّم بني إسرائيل قائلًا: يكون هذا لي دُهنًا مُقدَّسًا للمَسحة في أجيالِكُم. على جسد إنسان لا يُسكَبُ، وعلى مقاديره لا تصنعوا مثلَه. مُقدَّس هو، ويكون مُقدَّسًا عندكم. كل مَنْ رَكَّبَ مثلَه ومَنْ جعل منه على أجنبيٍّ يُقطع من شعبِهِ" (خر30: 22-33).
ملاحظة: تركيب هذا الدُهن المقدس هو النموذج الذي يصنع مثله زيت الميرون المقدس.
* وقد استخدم موسى النبي هذا الدهن فعلًا لتقديس المسكن وكل ما فيه، وأيضًا لتكريس هارون.. "ثم أخذ موسى دُهن المَسحة ومَسَحَ المسكن وكلَّ ما فيه وقدَّسه، ونَضَحَ منه على المذبح سبع مراتٍ، ومَسَحَ المذبح وجميع آنيتِهِ، والمِرحضَة وقاعدتها لتَقدِيسهَا. وصَبَّ من دُهن المَسحة على رأس هارون ومَسَحَهُ لتَقديسِهِ" (لا8: 10-12). "وتأخذ دُهن المَسحة وتَسكُبُه على رأسِهِ وتَمسَحُهُ" (خر29: 7). وقد وصف المزمور هذا الدُهن المقدس قائلًا: "مثل الدُهن الطيِّب على الرأس، النازل على اللحية، لحية هارون، النازل إلى طرف ثيابه" (مز133: 2).
* واستخدم نفس الدُهن المقدس لتكريس بني هارون في الكهنوت.. "وتُلبِس هارون أخاكَ إياها وبنيه معه، وتَمسَحُهم، وتملأ أياديهم، وتُقدِّسهم ليَكهَنُوا لي" (خر28: 41). "وتَمسَحُهم كما مَسَحَت أباهم ليَكهَنُوا لي. ويكون ذلك لتصير لهم مَسحتُهُم كهنوتًا أبديًّا في أجيالهم" (خر40: 15).
* وكان الممسوحون بالدُهن المقدس يلتزمون ببعض الالتزامات احترامًا لهذه المسحة المقدسة.. "والكاهن الأعظم بين إخوته الذي صُبَّ على رأسه دُهن المَسحة، ومُلئت يده ليَلبس الثياب، لا يكشف رأسَهُ، ولا يَشق ثيابه، ولا يأتي إلى نفسٍ ميتةٍ، ولا يتنجَّس لأبيه أو أمه، ولا يخرج من المَقدِس لئلا يُدنِّس مَقدِس إلهه، لأن إكليل دُهن مَسحة إلهه عليه. أنا الرب" (لا21: 10-12). "ومن باب خيمة الاجتماع لا تخرجوا لئلا تموتوا، لأن دُهن مَسحة الرب عليكم" (لا10: 7).
* صموئيل النبي يمسح شاول ملكًا.. "غدًا في مثل الآن أُرسل إليكَ رجلًا من أرض بنيامين، فامسَحهُ رئيسًا لشعبي إسرائيل، فيُخلِّص شعبي من يد الفلسطينيين" (1صم9: 16). "فأخذ صموئيل قِنِّينة الدُّهن وصَبَّ على رأسه وقَبَّلهُ وقال: أليس لأن الرب قد مَسَحك على ميراثه رئيسًا؟" (1صم10: 1).
* صموئيل النبي يمسح داود ملكًا.. "فقال الرب لصموئيل..... املأ قَرنَكَ دُهنًا وتعالَ أُرسلك إلى يسى البيتلحمي، لأني قد رأيت لي في بَنيه ملكًا" (1صم16: 1). "فأرسل وأتى به. وكان أشقر مع حلاوة العينين وحسن المنظر. فقال الرب: قُم امسَحهُ، لأن هذا هو. فأخذ صموئيل قرن الدُّهن ومَسَحَهُ في وسط إخوته. وحلَّ روح الرب على داود من ذلك اليوم فصاعدًا" (1صم16: 12-13).
لاحظ هذا الارتباط بين المسحة وحلول روح الرب على داود، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.. وفي هذا يترنم المُرتل في المزمور قائلًا: "رفعت مُختارًا من بين الشعب. وجدت داود عبدي. بدُهن قُدسي مَسحتُه. الذي تَثبُت يدي معه. أيضًا ذراعي تُشدِّده" (مز89: 19-21). وكذلك.. "مسحت بالدُّهن رأسي" (مز23: 5). وقد جدّد الشعب مسح داود ملكًا ليملك بالفعل.. "ومسحوا داود ملكًا على إسرائيل" (2صم5: 3).
* صادوق الكاهن يمسح سليمان ملكًا.. "وقال الملك داود.... خذوا معكم عبيد سيِّدكم، وأَركبوا سليمان ابني على البغلة التي لي، وانزلوا به إلى جيحون، وليَمسَحه هناك صادوق الكاهن وناثان النبي ملكًا على إسرائيل، واضربوا بالبوق وقولوا: ليَحيَ الملك سليمان" (1مل1: 32-34).
* إيليا يمسح حزائيل وياهو ملكيْن.. "فقال له الرب: اذهب راجعًا في طريقك إلى برية دمشق، وادخل وامسح حزائيل ملكًا على أرام، وامسح ياهو بن نِمشي ملكًا على إسرائيل" (1مل19: 15-16).
* إيليا يمسح أليشع نبيًا.. "... وامسح أليشع بن شافاط من آبل مَحُولة نبيًا عِوضًا عنكَ" (1مل19: 16).
* أليشع يمسح ياهو بن يهوشافاط بن نِمشي ملكًا.. "ودعا أليشع النبي واحدًا من بني الأنبياء وقال له: شدَّ حقويك وخُذ قنينة الدُّهن هذه بيدكَ، واذهب إلى راموت جلعاد. وإذا وصلت إلى هناك فانظر هناك ياهو بن يهوشافاط بن نِمشي، وادخل وأقمه من وسط إخوته، وادخل به إلى مخدع داخل مخدع. ثم خذ قنينة الدُّهن وصُبَّ على رأسه وقُل: هكذا قال الرب: قد مسحتُك ملكًا على إسرائيل" (2مل9: 1-3). "فقام ودخل البيت، فصبَّ الدُّهن على رأسه وقال له: هكذا قال الرب إله إسرائيل: قد مسحتك ملكًا على شعب الرب إسرائيل" (2مل9: 6).
* إننا نرى في البركة التي بارك بها الرب شعبه في سفر التثنية معنى رمزيًا.. "ويُحبك ويُباركك ويُكثِّرك ويُبارك ثمرة بطنكَ وثمرة أرضكَ قمحك وخمرك وزيتك" (تث7: 13). فالقمح والخمر هما سر الإفخارستيا، والزيت هو رمز الروح القدس. وهو نفس ما تكلَّم به يوئيل النبي.. "هأنذا مُرسِل لكم قمحًا ومِسطارًا وزيتًا" (يؤ2: 19) (المسطار هو الخمر). "فتُملأ البَيَادر حِنطة، وتَفيض حِياض المعَاصِر خمرًا وزيتًا" (يؤ2: 24).
* وكذلك إرميا النبي.. "لأن الرب فدَى يعقوب وفكَّه من يد الذي هو أقوى منه. فيأتون ويُرنمون في مرتفع صهيون، ويَجرون إلى جُود الرب على الحنطة وعلى الخمر وعلى الزيت" (إر31: 11-12). ولذلك قيل في سفر الرؤيا: "ثمنية قمح بدينار، وثلاث ثماني شعير بدينار. وأما الزيت والخمر فلا تضُرَّهما" (رؤ6: 6). وهذه إشارة إلى فترة الغلاء الروحي حيث تشح كلمة الله (القمح والشعير)، ولكن تظل الأسرار الكنسية المقدسة قائمة (الخمر والزيت).
* وفي نبؤة حزقيال بخصوص تطهير أورشليم قال: "فمَررت بكِ ورأيتُكِ، وإذا زمنُكِ زمن الحب. فبَسطتُ ذيلي عليكِ وسترتُ عَورتكِ، وحَلفتُ لكِ، ودخلتُ معكِ في عهدٍ، يقول السيد الرب، فصرتِ لي. فحمَّمتُكِ بالماء، وغسلتُ عنكِ دماءَكِ، ومَسحتُكِ بالزيت" (حز16: 8-9).. هنا غسلها بالماء يُعني: (المعمودية)، ومسحها بالزيت يُعني: (الميرون).
* قيل عن الرب يسوع نفسه: "مَسَحَكَ الله إلهك بزيت الابتهاج أكثر من شركائك" (عب1: 9). اقتباسًا من المزمور القائل: "مَسَحَكَ الله إلهك بدُهن الابتهاج أكثر من رفقائك" (مز45: 7). ولذلك جاءت أيضًا النبوءة عن شخصه القدوس قائلة: "روح السيد الرب عليَّ، لأن الرب مسحني لأُبشِّر المساكين، أرسلني لأَعصب مُنكسري القلب، لأُنادي للمسبيين بالعِتق، وللمأسورين بالإطلاق" (إش61: 1).
هذا طبعًا غير الدُهن الذي يُستخدم لدهن المرضى (سر مسحة المرضى)، والذي قيل فيه "دهنوا بزيت مرضى كثيرين فشفوهم" (مر6: 13). "أمريض أحد بينكم؟ فليدعُ شيوخ الكنيسة فيُصلُّوا عليه ويَدهنوه بزيتٍ باسم الرب" (يع5: 14).
واضح من النصوص السابقة أن طريقة حلول الروح القدس على الناس في العهد القديم كانت بواسطة الدُهن بالمسحة المقدسة فيصير الإنسان كاهنًا أو نبيًا أو ملكًا.
ونفس اللفظ المُستخدم في العهد القديم (المَسحة) هو الذي استخدمه الروح القدس في العهد الجديد.. "وأما أنتم فالمَسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم، ولا حاجة بكم إلى أن يُعلِّمكم أحد، بل كما تُعلِّمكم هذه المَسحة عينُها عن كل شيء" (1يو2: 27).
والآن دعنا نكمِّل مسيرتنا في شرح كيف أن الروح القدس الذي نلناه بالمًسحة المقدسة (الميرون) يجمعنا معًا ويُثبِّتنا في المسيح.
ويؤكد الطقس الكنسي على هذه الحقيقة.. أن الروح القدس هو الذي يجمعنا معًا ويثبتنا في المسيح.
* ففي صلاة يصليها الكاهن قبل الرشم بالميرون المقدس يقول: "أنعم بالروح القدس عند نضح الميرون المقدس ليكون خاتمًا محييًا، وثباتًا لعبيدك".
* وفي الرشومات نفسها يقول: "مسحة مقدسة للمسيح إلهنا، وخاتم لا ينحل".
* وأثناء دهن المُعمَّد بزيت الغاليلاون قبل التعميد يصلى الكاهن بنفس المعنى.. "أدهنك يا (فلان) بدهن الفرح. مضادًا لكل أفعال المضاد. لتغرس في شجرة الزيتون اللذيذة. في كنيسة الله المقدسة الجامعة الرسولية آمين".
* وفي تعليم للقديس "إمبروسيوس" (من القرن الرابع) يعلن هذه الحقيقة.. "إن الله الآب رسمك بعلامة المسيح ربنا وثبَّتك. وأعطاك موهبة الروح القدس عربون الخلاص كما يُعلِّم الرسول".
الروح القدس هو روح الآب وروح الابن، منبثق من الآب ويستقر في الابن، وعمله وغايته أن يهبنا الشركة العميقة مع الثالوث القدوس. ويعمل الروح القدس على أن يجتذبنا من العالم ليربطنا بالثالوث، فنصير جميعًا واحدًا معًا في المسيح بإرادة الآب ومسرة قلبه وبفعل الروح القدس.
ولقد حلَّ الروح القدس على الكنيسة عندما اجتمعت معًا. "ولمَّا حضر يوم الخمسين كان الجميع معًا بنفسٍ واحدةٍ" (أع2: 1).. فاستراح الروح القدس في هذه النفوس المجتمعة.
عندما تصير هناك فرقة وخصومة وافتراق، يهرب روح الله لأنه لا يستريح إلا في الوحدة. لقد أعطاهم الروح القدس يوم الخمسين أن يتكلموا بألسنة أخرى، لكي يجتمع الناس معًا على فكر واحد وتعليم واحد مهما اختلفت لغاتهم ومهما أقيمت الحواجز الفكرية واللغوية.
عكس الأمر الذي حدث في بابل.. حيث افترقوا بسبب الخطية والكبرياء، وتبلبلت ألسنتهم.
وكانت نتيجة حلول الروح القدس، أن آمن الناس بالمسيح، بعظة بطرس الرسول.. "فقبلوا كلامه بفرحٍ، واعتمدوا، وانضمَّ في ذلك اليوم نحو ثلاثةِ آلافِ نفسٍ" (أع2: 41).
فالروح القدس يضم المؤمنين إلى الكنيسة، وصار منهج هؤلاء المؤمنين الممسوحين بالروح القدس منهج الوحدة والاتحاد والشركة والمعيشة المشتركة.
انظر معي وصف الكتاب المقدس لكنيسة الروح القدس:
* "وكانوا يُواظبون على تعليم الرسل، والشركة، وكسر الخبز، والصلوات... وجميع الذين آمنوا كانوا معًا، وكان عندهم كل شيءٍ مُشتركًا. والأملاك والمُقتنيات كانوا يبيعونها ويَقسِمونها بين الجميع، كما يكون لكل واحدٍ احتياج. وكانوا كل يوم يُواظبون في الهيكل بنفسٍ واحدةٍ... وكان الرب كل يوم يَضُم إلى الكنيسة الذين يَخلُصون" (أع2:42-47).
* "وامتلأ الجميع من الروح القدس، وكانوا يتكلَّمون بكلام الله بمجاهرةٍ. وكان لجُمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة، ولم يكن أحد يقول إن شيئًا من أمواله له، بل كان عندهم كل شيءٍ مشتركًا" (أع4: 31-32).
* "وكان الجميع بنفسٍ واحدةٍ في رِوَاق سليمان" (أع5: 12).
الروح القدس الذي حلَّ يوم الخمسين على هذه الجماعة المتحدة، حولها إلى كنيسة مقدسة جامعة رسولية أرثوذكسية، يسكن فيها الروح إلى الأبد دون أن يفارقها.
يشرح هذه الحقيقة القديس أغسطينوس في إحدى عظاته قائلًا:
((الآب ليس أبًا للروح القدس بل للابن، والابن ليس ابنًا للروح القدس بل للآب، أما الروح القدس فهو روح الآب والابن معًا (ينبثق من الآب ويستقر في الابن)، لذلك صارت مسرة الله أن ننال روح الشركة والاتحاد بعضنا مع بعض ومع الثالوث من خلال الروح القدس الذي هو رابطة الوحدة بين الآب والابن)).
فالروح القدس بانسكابه فينا يقودنا إلى روح الوحدة والحب مع الله، ومع الناس.. "لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا" (رو5: 5).
وفي البركة الرسولية نقول: "محبة الله الآب ونعمة الابن الوحيد وشركة وموهبة الروح القدس".
فالروح القدس هو روح الوحدة في الثالوث، وروح الشركة في الكنيسة، وهو ينبوع وأصل كل حب، وبدونه لا يوجد حب ولا شركة ولا وحدة، وهو الذي يجمع الكل للآب بالابن من خلال الأسرار الكنسية المقدسة.. وجميع الذين انفصلوا عن الكنيسة ليس لهم هذا الروح.. "هؤلاء هم المعتزِلون بأنفسهم، نفسانيون لا روح (قدس) لهم" (يه19).
ويتكلَّم مُعلِّمنا بولس الرسول عن الإنسان الطبيعي الذي لا يميل إلي الحب والوحدة أنه: "لا يقبل ما لروح الله" (1كو2: 14)، وأن الناس المائلين إلى الخصومة: (ليسوا بعد روحيين بل جسديين) (راجع 1كو3: 1).
أما نحن الذين نلنا موهبة الروح القدس، وصرنا هيكلًا له ومسكنًا أبديًا، فجدير بنا أن نفرَّحه ولا نطفئه، بل أن ندعه يملأنا، عندما يميل قلبنا بكل الحب لأن نتحد بالآخر ونرتبط به في المسيح "لأننا جميعنا بروحٍ واحدٍ أيضًا اعتمدنا إلى جسدٍ واحدٍ، يهودًا كُنَّا أم يونانيين، عبيدًا أم أحرارًا، وجميعنا سُقينا روحًا واحدًا" (1كو12: 13).
الروح القدس الذي يحّل فينا بمسحنا بالميرون.. هو أيضًا يهبنا روح الوحدة، ويُثبِّتنا في المسيح، ويجعلنا روحيين نميل إلى الاتحاد بالآخر.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/all-may-be-one/oil.html
تقصير الرابط:
tak.la/fwhz8fq