محتويات: (إظهار/إخفاء) |
الإنسان الجديد معجزة المعمودية صلوات المعمودية تشير إلى الوحدة المعمودية تجعلنا شعبًا مجتمعًا أخيرًا.. قوة المعمودية الخلاصة |
(1) سر المعمودية المقدس:
* كانت وصية السيد المسيح قبيل صعوده إلى السموات لتلاميذه الأطهار: "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت28: 19).
* وفي حديثه مع نيقوديموس.. شرح السيد المسيح معنى المعمودية بكونها ميلادًا ثانيًا.. "الحَقَّ الحَقَّ أقول لكَ: إن كان أحد لا يُولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يو3: 3). "الحَقَّ الحَقَّ أقول لكَ: إن كان أحد لا يُولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح" (يو3: 5-6).
هنا يضع السيد المسيح - بالمعمودية - مقابلة بين الميلاد بحسب الجسد (من آدم وحواء)، والميلاد بحسب الروح القدس (من الله بالماء).
الميلاد الأول: يعطينا إنسانًا عتيقًا بحسب آدم وطبيعته الفاسدة.
والميلاد الثاني: يمنحنا إنسانًا جديدًا بحسب الله.
* "أن تخلعوا من جهة التصرُّف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور، وتتجدَّدوا بروح ذهنكم، وتلبَسُوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البرِّ وقداسة الحَقِّ" (أف4: 22-24).
* "عالمين هذا: أن إنساننا العتيق قد صُلب معه" (رو6: 6).
* "فدُفنا معه بالمعمودية للموت" (رو6: 4).
* "أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته" (رو6: 3).
* "حتى كما أُقيم المسيح من الأموات، بمجد الآب، هكذا نَسلُك نحن أيضًا في جِدَّة الحياة (الحياة الجديدة) أي (الإنسان الجديد)" (رو6: 4).
* "إذًا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدًا" (2كو5: 17).
* "لا تكذبوا بعضكم على بعضٍ، إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله، ولبستُم الجديد الذي يتجدَّد للمعرفة حسب صورة خالقِهِ" (كو3: 9-10).
وهذا ما يؤكده طقس المعمودية المقدس:
* "لكي يخلع الذين يعتمدون فيه، الإنسان العتيق الذي يفسد كشهوات الضلالة، ويلبسوا الإنسان الجديد الذي يتجدد مرة أخرى كصورة خالقه" (صلاة تقديس الماء).
الميلاد الأول الجسدانى: يسبب انفصال الجنين عن الأم، ويصير الوليد إنسانًا مستقلًا.. أما الميلاد الثاني الروحاني: فيؤدى إلى انضمام الابن الوليد إلى جسد أمه (الكنيسة)، وأبيه (المسيح).
شتان بين ما يحدث في الميلادين..
* الميلاد الأول.. يبدأ باتحاد بين الأم والجنين، ويكمل بانفصال كامل بينهما.
* بينما في الميلاد الثاني.. يكون الابن غريبًا ومنفصلًا وبعيدًا، وبهذا الميلاد يصير ابنًا متصلًا ومتحدًا بالجسد.
* "فقبِلُوا كلامَهُ بفرحٍ، واعتمَدُوا، وانضمَّ في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلافِ نفسٍ" (أع2: 41).
* "فانضم إلى الرب جمع غفير" (أع11: 24).
* "وكان مؤمنون ينضمون للرب أكثر، جماهير من رجالٍ ونساءٍ" (أع5: 14).
فسر المعمودية المقدس هو سر الانضمام إلى الكنيسة.. السر الذي يحّول الفرد إلى عضو في الجسد وفي الجماعة المقدسة. السر الذي عمل أعظم معجزة في اليهود المتنصرين إذ دفعهم أن يبيعوا أرضهم.. تلك الأرض التي لا يمكن لليهودي أن يتخلى عنها، ولو مات من أجلها.
وكذلك دفعهم أن يتركوا أموالهم، واليهود مشهورون بحبهم للمال والقنية.. كعلامة لبركة الله في حياتهم.. المعمودية غيّرت كل هذا.. "وجميع الذين آمنوا كانوا معًا، وكان عندهم كل شيءٍ مشتركًا. والأملاك والمُقتنيات كانوا يبيعونها ويَقسِمونها بين الجميع، كما يكون لكلِّ واحدٍ احتياج. وكانوا كل يوم يُواظبون في الهيكل بنفسٍ واحدةٍ...... وكان الرب كل يوم يَضُم إلى الكنيسة الذين يَخلُصُون" (أع2: 44-47).
المعمودية هي السر الذي يُخرّج الإنسان من ذاتيته وأنانيته.. ليشعر بأنه واحد مع جميع الإخوة.. ويشعر بالعائلة الواحدة الكبيرة، بل بالأحرى يشعر أنه عضو في جسد واحد رأسه المسيح..
* "وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة، ولم يكن أحد يقول إن شيئًا من أموالِهِ له، بل كان عندهم كل شيءٍ مشتركًا" (أع4: 32).
* "كل الذين كانوا أصحاب حقولٍ أو بيوتٍ كانوا يَبيعونها، ويأتون بأثمانِ المبيعاتِ، ويَضعونها عند أرجلِ الرسلِ، فكان يُوزَّع على كل أحدٍ كما يكون له احتياج" (أع4: 34-35).
ما هذا العجب الذي أحدثته المعمودية في هؤلاء اليهود؟!! وكيف عمل الإيمان بالمسيح مع المعمودية بالماء والروح في فطامة هذا الشعب المتمسك بالأرض والمال؟!! كيف فطمته عن محبة الأرض والقنية؟
اسألوا نابوت اليزرعيلى.. كيف مات بيد أخآب الملك.. لأنه رفض التنازل عن الأرض، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.. "فكلَّم أخآب نابوت قائلًا: أعطني كَرمَكَ فيكون لي بُستان بُقولٍ، لأنه قريب بجانب بيتي، فأُعطيك عِوضَه كرمًا أحسن منه، أو إذا حَسُنَ في عينيك أَعطيتُكَ ثمنَهُ فضةً. فقال نابوت لأخآب: حاشا لي من قِبَل الرب أن أُعطيكَ ميراث آبائي" (1مل21: 2-3).
كان نابوت محقًا.. لأن الوصية في الكتاب تمنع التصرف في الأرض التي أعطاها الله لهم ولآبائهم، ولكن المعمودية المقدسة عملت طفرة معجزية في هذا الشعب المتمسك بالأرض.
لقد زرعت المعمودية روح الوحدة والحب فيهم، والإحساس بالآخر.. أعطتهم روح الجسد الواحد والملكية الواحدة المشتركة بكل فرح وبكل حب.. "كان الجميع بنفسٍ واحدةٍ" (أع5: 12).
وكانت هذه هي وصية آبائنا الرسل لباقي المؤمنين في كل مكان..
* "وليُعطكم إله الصبر والتعزية أن تهتموا اهتمامًا واحدًا فيما بينكم، بحسب المسيح يسوع، لكي تمجدوا الله أبا ربنا يسوع المسيح، بنفسٍ واحدةٍ وفمٍ واحدٍ" (رو15: 5-6).
* "أخيرًا أيها الإخوة افرحوا. اكمَلوا. تَعزَّوا. اهتموا اهتمامًا واحدًا. عيشوا بالسلام، وإله المحبة والسلام سيكون معكم" (2كو13: 11).
* "فتمموا فرحي حتى تفتكروا فكرًا واحدًا ولكم محبة واحدة بنفس واحدة، مُفتكرين شيئًا واحدًا، لا شيئًا بتحزبٍ أو بعجبٍ، بل بتواضع، حاسبين بعضكم البعض أفضلَ من أنفسهم. لا تنظروا كل واحد إلى ما هو لنفسِهِ، بل كل واحدٍ إلى ما هو لآخرين أيضًا" (فى2: 2-4).
* "والنهاية، كونوا جميعًا مُتحدي الرأي بحسٍّ واحدٍ، ذَوي محبة أخوية، مُشفقين، لُطفاء" (1بط3: 8).
وليس هذا بغريب، فقد سبق وأشار ربنا يسوع أن المحبة هي علامة التلمذة له.. "بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي: إن كان لكم حب بعضًا لبعضٍ" (يو13: 35). ونحن صرنا تلاميذه حينما اعتمدنا بالماء والروح.
وفي طقس المعمودية هناك إشارات مبدعة لحقيقة أن المعمودية تربطنا بالمسيح وتجعلنا جميعًا واحدًا:
* ففي صلاة تحليل المرأة(1) يقال: "من أجل هذا يارب طهرت طبيعتنا، وعتقتنا بالاتحاد في شخصك في شركة سرية".. مشيرًا بذلك أن وسيلة العتق من الهلاك هي الاتحاد في شخص المسيح في شركة الأسرار المقدسة.
* من العبارات المتكررة في طقس المعمودية تعبير: "أعدَّهم هيكلًا لروحك القدوس" (صلاة من أجل المتقدمين للعماد).. وهنا يؤكد المعنى الكتابي أننا (هيكل الله) ولسنا (هياكل الله).. "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم؟" (1كو3: 16)، وهذا الهيكل هو جسد المسيح.. "وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده" (يو2: 21).
* وفي صلاة أخرى يطلب الكاهن أن ترتسم صورة المسيح في المعمَّدين.. ليصيروا جميعًا واحدًا في المسيح. "ويمتلئوا من قوتك الإلهية، ويكونوا متشبهين بابنك الوحيد ربنا يسوع المسيح، صائرين واحدًا معه.. فليتصور المسيح في الذين ينالون صبغة الميلاد الجديد مني".
وهذا ما يعمله فينا الروح القدس.. "ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجهٍ مكشوفٍ، كما في مرآةٍ، نتغيَّر إلى تلك الصورة عينِها، من مجدٍ إلى مجدٍ، كما من الرب الروح" (2كو3: 18). "وكما لبِسنا صورة الترابي، سنلبَسُ أيضًا صورة السماوي" (1كو15: 49). "الذي سيُغيِّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده، بحسب عمل استطاعته أن يُخضع لنفسه كل شيءٍ" (في3: 21). "لأن الذين سبق فعَرَفَهم سبق فعيَّنهُم ليكونوا مُشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين" (رو8: 29).
هنا يرسم الإنجيل منظرًا بديعًا لوحدة المسيحيين، حيث يرتسم فيهم جميعًا شكل واحد هو صورة المسيح.. فيصير الجميع معًا، شخصًا واحدًا.. هو ربنا يسوع المسيح، هو الرأس ونحن الأعضاء، كقول مُعلِّمنا بولس الرسول.. "يا أولادي الذين أتمخَّضُ بكم أيضًا إلى أن يتصوَّر المسيح فيكم" (غل4: 19).
* وفي نص الإيمان الذي يتلقنه المعمَّد أو (الإشبين).. يعلن اعترافه بالكنيسة (الواحدة الوحيدة... الجامعة)، إعلانًا منه بأنه سيكون واحدًا في هذا الكيان الإلهي الإنساني، دون انفصال.
ولذلك.. فعند دهن المعمَّد بزيت الغاليلاون(2) يقول الأب الكاهن: "أدهنك يا (فلان)... لتُغرس في شجرة الزيتون اللذيذة، في كنيسة الله المقدسة الجامعة الرسولية".
فالمعمودية هي غرس في شجرة الزيتون وفي الكرمة الحقيقية.. "اِبنهم على أساس الرسل والأنبياء ولا تهدمهم بعد. اغرسهم غرس الحق في كنيستك الواحدة الوحيدة.." (من صلوات المعمودية)، تحقيقًا لقول السيد المسيح: "أنا الكرمة وأنتم الأغصان" (يو15: 5).
* وكما شرح مُعلِّمنا بولس الرسول: "قد قُطع بعض الأغصان، وأنتَ زيتونة برية طُعِّمت فيها، فصرت شريكًا في أصل الزيتونة ودَسمِها" (رو11: 17). لذلك تستخدم الكنيسة زيت الزيتون في تثبيت المُعمَّد في جسد المسيح، وتصير المعمودية هي السر الذي يزرعنا في المسيح.. "لأننا جميعنا بروحٍ واحدٍ أيضًا اعتمدنا إلى جسدٍ واحدٍ، يهودًا كُنَّا أم يونانيين، عبيدًا أم أحرارًا، وجميعنا سُقينا روحًا واحدًا" (1كو12: 13).
* وفي طقس المعمودية تطلب الكنيسة عن ثبات المزمعين أن يُعمَّدوا: "ثبِّت إيمانهم لكي لا يفرقهم منك شيء"، "اجعلهم خرافًا للقطيع المقدس الذي لمسيحك، أعضاء نقية للكنيسة الجامعة".
الكنيسة موصوفة في القداس أنها شعب مجتمع.. "جعلنا له شعبًا مجتمعًا، وصيرنا أطهارًا بروحك القدوس" (القداس الإلهي الباسيلى).. هذه الصفة (الاجتماع الدائم) تكتسبها الكنيسة بالمعمودية.. لذلك يُختار فصل البولس في قداس المعمودية من (تي2: 11 – 3: 8).. "ويطهرنا له شعبًا ثابتًا غيورًا في أعمال صالحة".
إن المعمودية هي بداية المسيحية من بعد الكرازة والإيمان.. والمعمودية هي باب الأسرار، وباب السماء، وباب الحب والاتحاد، ولا يستطيع الإنسان أن يعيش بالحب الذي يتطلبه الإنجيل.. إن لم يكن قد سبق وأخذ هذه الموهبة وهذه الإمكانية في المعمودية المقدسة.
ففي المعمودية المقدسة.. ننال قوة نعمة عظيمة تسكُن فينا، ننفق منها نفقات الحب بطول العمر.
ها عهد حبي لكَ، ولكنيستك المقدسة..
ألاّ أجحد النعمة التي سكبتها فيَّ يوم المعمودية..
وألاّ أنكر فِعلها فيَّ.
بل سيكون برهان معموديتي..
أن أعمل بكل طاقتي مسنودًا بنعمتك..
أن أجمع وأوحِّد وأُصالح..
وأُحب ليكون الجيمع واحدًا فيكَ وبكَ.
المعمودية هي بداية الاتحاد بالله وبالآخر.. فيها يصير المُعمَّد إنسانًا جديدًا روحانيًا مُتحدًا بجسد المسيح، متفاعلًا مع الآخرين باعتبارهم أعضاء في نفس الجسد الذي ينتمي إليه.. "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح؟" (1كو6: 15).
_____
(1) صلاة تُصلى على رأس المرأة الأم في بداية طقس معمودية الأطفال.
(2) "الغاليلاون" كلمة يونانية معناها (البهجة)، وهو أحد أنواع الزيوت المستخدمة أثناء طقس المعمودية المقدسة. ويُدهن به الشخص المُقبل على المعمودية، إشارة إلى غرسه في شجرة الزيتون التي هي الكنيسة المقدسة. وهذا واضح من نص الصلاة المصاحبة للدهن.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/all-may-be-one/baptism.html
تقصير الرابط:
tak.la/2cfhjqz