ولما نظر الأغنياء الذين بلا رحمة إلى صنيع هذا البابا ولمسوا زايد محبته صاروا يقتفون آثاره ويصنعون كما يصنع حتى أن أحد الأغنياء أتى إلى البابا وقال له: "إني أسألك أيها الأب أن تسأل السيد المسيح كي يعطيني رحمة في قلبي لأحب رحمة المساكين مثلك ويجعل انتقالي قبل وفاتك ويكون موتى أمامك. وأنا أعطى المساكين كل ما لي لأجلك" فقال البابا "كأيمانك فليكن لك يا ابني وكما اشتهيت فليكن لك مثل قلبك" ومن تلك الساعة أعطى المسيح لذلك الإنسان رحمة في قلبه كما طلب إلى أن صار لا يرد أحدا ممن يسأله بل لا برح يصدق ويعطى وكانت أكثر صدقاته على الراهبات إلى أن بلغت صدقاته على يد هذا البابا نفسه ألف أردب غلة في كل عام فلما أرضى الإله بأعماله ودنت ساعته حركته الإرادة الإلهية فطلع ذات يوم إلى القلاية كي يتبارك من الأب البطريرك كعادته وفي تلك الساعة أدركه الموت في حضرة البطريرك كما طلب حتى تعجب من أمانته الصادقة فكفنه بيده الطاهرة وكتب على كفنه: "سألت فأعطيت. قرعت فتح لك لأن الله يسمع لأنه هكذا للرحومين والمتواضعين".
وأما الأغنياء الذين بغير رحمة فقد حضر البابا متاؤس إنسانًا عند موته وهو التاج بن الثمار وسأله أن يعطى شيئا من ذهبه وفضته قبل موته فلم يسمع له ذلك الغنى ومات لساعته وأحاطت به الظلمة إذ أرسل الملك إليه قائدًا ظالما قبل أن يخرج البابا من بيته فوضع يده على خزائن ذلك الغنى وأخذ كل ذهبه وفضته وذخائره قبل موته ثم مات ميتة رديئة مقهورا وانحدرت نفسه إلى الجحيم لأنه هكذا الشقاء الذي يحل بالأغنياء عديمي الرحمة.
لهذا كان البابا متاؤس يحب أن يداوم جميع الناس على الرحمة كما أحبها هو، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولذلك كان لا يترك شيئًا إلا ويصدق به حتى أنه في اليوم الذي لا يجد فيه شيئا يتصدق به كان يعطى البساط الذي تحته للمساكين وفي إحدى المرات تصدق بثوبه وردائه وفي حين آخر بالدواة النحاس الموضوعة أمامه.
وذات يوم جاءه إنسان جائع عند المساء وكان جالسا يأكل طعامه فأخذ عشاءه من أمامه ودفعه لذلك الجائع ثم خرج وقرع الأبواب مثل مسكين في طلب رغيف. فلما قرع الباب وتحققوا انه صوت البطريرك خرجوا له وسألوه أن يقبل أكثر من رغيف فلم يقبل.
فتعجب تلاميذه لعظم صبره ليس في المأكل فقط بل وحتى في الثياب والبرنس الذي له. لأن هذا البطريرك لم يكن يهتم بحاجة الجسد وما كان يلتفت إليها بل كان يكتفي بمسح شعر من تحت ثيابه ويعطى جميع ما عنده لأولاده الأساقفة ولا يدع عنده غير برنس واحد برسم الخدمة. وفي إحدى المرات سأل تلاميذه أن يعطوا ذلك البرنس الوحيد لأسقف مسكين قد أقامه فامتنع تلاميذه عن ذلك. فلما امتنعوا أرسل له الرب في تلك الساعة برنسا جديدا من حرير أحسن من الذي عنده فأعطاه لذلك الأسقف فلما نظر التلاميذ ما كان مجدوا الله وندموا على مخالفتهم له ولم يعودوا بعد ذلك يخالفونه.
وكان البابا متاؤس مع ما اتصف به من فائق الرحمة لا يتعاظم قط ولا يتكبر لأنه حاز مع الرحمة على فضيلة الاتضاع. وكان إذا دعته الضرورة يعمل مع الفعلة والعال معاجن الطين وينزح مراحيض البيعة الذي هو فيها مع العلمانيين. وكان مع هذا كله لم ينحط قدره ولم تذهب عنه هيبته بل ازداد مجدا ووقارا في أعين الناس.
وكان البابا متاؤس إذا لبس وتقدم لخدمة الكهنوت يتغير لون وجهه كالجمر ويصير لمعان عينيه كالبرق لأنه كان ينظر بالعقل ابن الله قائما على المذبح فيخاف من هيبته جدا حتى من شدة خوفه كان الكهنة يسألونه الجلوس على الثرونس (العرش البابوي) وكان يمتنع من ذلك ولا يجلس عليه قط ويخاطبهم قائلا: "يا أولادي هنا يجب أن يكون السجود أمام تلك الخدمة الرهيبة". وكان مع حرصه ينهر ويزجر كل كاهن كي يحترص في خدمته خشية الملك السماوي الجالس على العرش. وكان كل كاهن لا يسمع له يحرمه فيموت لساعته. حتى انه ذات مرة احتقر أحد الشمامسة حرم هذا البابا وتجاسر على الخدمة فسقط للوقت من سلم وتقطع قطعا ومات.
وفي دفعة قام إنسان بإخفاء الحجج المكتوبة عن بستان لأطفال أيتام فلما كلمه البابا متاؤس في هذا الخصوص كان جوابه: "كلمتك تقطعني يا أبى إن كنت أخفيت عنك حجج بستان أولئك الأطفال الأيتام" فرد عليه البابا بغضب قائلًا: "من فيك يكون لم كما قلت" وهكذا لم يصل هذا الشماس إلى بيته حتى وقع ميتا ووجدوا ما أخفاه من الحجج في جوانب بيته لأنه لم يكن يحكم بالظواهر التي تحكم بها الناس بل كان يحكم بإلهام وإرشاد الروح القدس الحال عليه لأنه لن يكن يبتدئ في محاكمته بشيء قبل أن يدعو الحاضرين للمحاكمة أن يصلوا معه قائلين: "يا أبانا الذي في السموات" أي الصلاة الربانية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-metaos/pope-mattheos/mercy.html
تقصير الرابط:
tak.la/dd4f2qj