*هذه القصة كانت في حياة القديس أنطونيوس أب جميع الرهبان، وهي أنه كان يوجد إنسان اسمه أولوجيوس وهذا الاسم معناه المبارك. وجاءت منها كلمة الإلوجية التي تعني كلمة البركة وأولوجيوس ده كان إنسان فقير وبيعبد ربنا. وفي إحدى المرات ذهب إلى السوق فوجد في السوق إنسان مقعد ليس له يدين أو رجلين، وقد يكون مولود من بطن أمه على هذا الحال أو حدث ذلك نتيجة لحادث.
*وهذا المقعد كان جالس على الأرض. طبعًا هذا النوع بيكون وضعه مؤلم وبائس. وممكن حتى أقربائه متخلين عنه. لأنه بيكون من العسير خدمته.
*وعندما رأى أولوجيوس هذا المقعد قال له سلام لك... فأجاب المقعد وقال له السلام لك والنعمة. فقال له أولوجيوس إيه السبب اللي جعلك موجود هنا في السوق. والذباب ملتف حولك، وملاحظ وضعك كأنك مهمل ولا يوجد من يهتم بك.
*فأجابه المقعد أن الإنسان اللي في وضعي وظروفي لا تقترب منه الناس بسبب حالتي هذه.
*أما أولوجيوس لما رأى وسمع ذلك في نفسه وقال يا رب أنا ممكن أخدم هذا الرجل وممكن أتكفل به وممكن أعتبره جزء مني علشان أخذ بركته بدلًا من أن يترك مهمل كده في السوق وليس له إنسان يرعاه.
*وأولوجيوس بعدما رفع قلبه لربنا بهذا الكلام أحس بارتياح لهذا الفكر... وسأل المقعد إيه رأيك هل توافق أن أخذك وتعيش معي في المنزل وأنا أتكفل بكل احتياجاتك وغسيلك، ونأكل معًا والفلوس اللي أرزق بها أصرفها على احتياجاتك واحتياجاتي بالتساوي.
-فأجابه المقعد وقال له يبقى ربنا يعوضك ويكثر خيرك. وأنا مش حلاقي حد مثلك.
*فقال له أولوجيوس يعني المعيشة اللي أنا أعيشها تعيشها أنت معي. فقاله وأنا أطول، فقاله أولوجيوس يعني متقلشي مثلًا في مرة أن الأكل ده وحش أو المكان ده سيء يعني حأعيشك ذي تمام.
-فأجاب المقعد وقال مش معقول أنا أتكلم كده وأنا أطول هذه العيشة.
*فقال له أولوجيوس خلاص وأنا اتفقت. وربنا بينك وبيني أك تعيش ذي، وتسكن معي وأنا أخدمك، فأجابه المقعد ربنا يعوضك في الدنيا وفي الآخرة.
*وبعد ذلك أولوجيوس أخذ المقعد معه لمنزله وهناك غسله ونظفه ولبسه ملابس جيدة. واعتبره شريك له في حياته أنه هو نصيبه من قبل ربنا. وكان بيخدمه بكل قوته.
*وطبعًا كلنا يعرف أن عدو الخير عندما يرى إنسان سائر في طريق ربنا وعايز يخلص وينال تطويب من التطويبات لازم يحاربه، والتطويبات التي ذكرها الرب يسوع في أنجيل معلمنا متى (طوبى للمساكين بالروح - طوبى للحزانى - طوبى للودعاء - طوبى للرحماء - طوبى للجياع والعطاش للبر - طوبى لأتقياء القلب - طوبى لصانعي السلام - طوبى للمضطهدين) (مت5:3- 12) وأي تطويبه الإنسان يصنعها ويكون هدفه أنه يعيش بها. وعندما يلاحظ عدو الخير ذلك يبدأ يحاربه علشان يصعب عليه طاعة الوصية وتنفيذها وحتى لا يكمل الطريق الذي بدأه.
*وبعد أيام وأسابيع وشهور وسنوات من خدمة أولوجيوس للمقعد ابتدأ عدو الخير يحاربه، وبدأ الشيطان يثير المقعد بالتذمر.
-فمثلًا لما يكون أولوجيوس في شغله واتأخر لظروف خاصة بالشغل ورجع البيت متأخر. المقعد يعنف ويقوله أنت بتتأخر ليه وأنت مش عارف أني قاعد لوحدي في البيت، وطبعًا أنت بتتجول في البلد على راحتك وتاركني لوحدي وأنت عارف أني لا أقدر أن أتحرك من مكاني ولو شبر واحد.
*فأجابه أولوجيوس وقال له أنا كنت في شغلي. فرد المقعد وقال له يعني علشان أنت في شغلك أموت أنا هنا لوحدي، كان مفروض تيجي من الشغل بدري، فقال له أولوجيوس حاضر إن شاء الله سأحضر بدري واللي حصل اليوم خارج عن إرادتي لأنه حصل كذا... وكذا....
*مرة أخرى يعترض المقعد على نوعية الطعام ويقول لاولوجيوس: أنت كل يوم تحضر لي الصنف ده كل يوم، هو مفيش طعام تاني غيره.
*يجاوبه أولوجيوس ويقوله كل ده من خير ربنا ولازم نشكر ربنا. والمقعد يوله نعم نشكر ربنا. لكن الناس اللي بتأكل كذا... وكذا، أفضل منا في أيه.
*وروح التذمر كانت بتحارب المقعد فمثلًا يكون أولوجيوس راجع من السوق يسأله أنت راجع من فين؟ يجاوبه أولوجيوس ويقوله أنا جاي من المكان الفلاني، فيسأله المقعد ويقوله أنت بعت بكذا... واشتريت بكذا... ومعك كام فلوس الآن؟ يجاوبه أولوجيوس معي كذا...، يقوله أنت بتكذب علي أنت بتخبي فلوس عني، يجاوبه أولوجيوس يا حبيبي أنا أخبي الفلوس ليه وأنا ليس لي أحد غيرك لا أب ولا أم ولا أولاد، وليس لي أحد غير ربنا وأنت.
*واستمرت روح التذمر تحارب المقعد. ففي احد المرات طلب من أولوجيوس بان يشيله ويأخذه للسوق، فقاله أولوجيوس حتعمل إيه في السوق؟ فأجابه حاتسلى هناك وأشوف الناس، وأنت كل يوم بتخرج وأنا لا.
*فأستجاب أولوجيوس لطلبه وشاله للسوق وأجلسه هناك، وكان المقعد بالسوق أحيانًا يتعرض لمضايقات، مثلًا الأطفال تضايقه أو الناس تهينه، فيتذمر ويقول لأولوجيوس أنت تركتني للأطفال! يجاوبه أولوجيوس ويقوله يا حبيبي أنت اللي طلبت مني أحضرك للسوق وأنا لم أرغب في كده ولكنك أنت صممت مع أنك كنت مستريح في البيت، فقال المقعد لأولوجيوس رجعني للبيت تاني.
*وهكذا روح التذمر كانت بتحارب المقعد وبدلًا من أن يشكر الله على أنه أرسل له أولوجيوس الذي رحمه وأخذه عنده بالمنزل وكان بيخدمه لكنه كان بيتذمر.
*وللأسف بعد ذلك إنتقلت روح التذمر إلى أولوجيوس نفسه، والشيطان بدأ يحاربه هو أيضًا، وأصبح أولوجيوس متألم من هذا المقعد ومتذمر منه، وأصبحت خدمة المقعد ثقيلة عليه، وبدأ أولوجيوس يخاطب نفسه ويقول أنا إيه اللي مضطرني لكده. أنا أرجعه للسوق تاني، وأنا اتركه عندي في المنزل ليه هو كان قريبي أنا غلطت أني أخذته عندي في المنزل، أنا أرجعه للسوق تاني وأتركه هناك وأمشي.
*ولكن أولوجيوس راجع نفسه وقال أنا عاهدت ربنا وقلت أني أخلص بسببه، كما أني قلت للمقعد بيني وبينك ربنا، وبكده يبقى أنا حأرجع في النذر بتاعي.
*وأفكركم بموسى النبي لما تذمرات شعب إسرائيل ازدادت عليه قال لربنا قل لي ماذا أنا فعلت حتى تقول لي هذا الشعب أحمله في حضنك.
* ويلاحظ في القصة أن روح التذمر بدأت تتحرك في أولوجيوس لأنه طبعًا لا يوجد إنسان كامل، لأنه ممكن المقعد يتكلم مع اولوجيوس كلمة جافة فيرد عليه أولوجيوس بغضب أو بصوت مرتفع، كما أن الشيطان جعل روح التذمر مثل الكرة مرة يجعلها عند المقعد ومرة أخرى يرسلها لأولوجيوس والاثنين يفقدوا سلامهم، وكل واحد منهم تهاجمه الأفكار الشريرة ويقول لنفسه أنا لازم اعمل كذا... وكذا...، ودخلت الروح الشرير بينهم والمقعد غير راغب في أن يعيش مع أولوجيوس وأيضًا أولوجيوس غير محتمل أن المقعد يعيش معاه وكل منهم بتهاجمه الأفكار ولكن هذه حرب من عدو الخير على كل منهم وهم غير مدركين لهذه الحرب.
*ولما ازدادت الحرب على أولوجيوس قال أنا مش قادر أحتمل أكثر من كده، أنا صحيح عاهدت ربنا أن أخلص بسببه لكنه هو الآن أصبح حاله غير محتملة، وربنا لن يلومني على كده. أنا آخذه وأرجعه للسوق ذي ما كان قبل كده، وهو عايز كده لأنه متذمر على وغير راضي عني وأنا غير راضي عنه.
*ولكن ربنا من رحمته على أولوجيوس لكيما لا يتبع هذه الأفكار الشريرة ويسير وراها ويفقد كل تعبه المقدس الذي تعبه مع المقعد في السنوات السابقة، ربنا ألهمه بفكرة وهي أنه يجب أن لا يقدم على أي عمل بدون أن يأخذ فيها مشورة، كما يقول الكتاب "الذين بلا مرشد يسقطون كأوراق الشجر"، لذلك قال في نفسه لازم آخذ مشورة أب روحي في هذا الأمر وأحكي له كل ما حدث وإذا أعطاني تصريح بأن أتخلى عنه، أخذه وأرجعه للسوق.
*وقال أولوجيوس في نفسه أذهب للقديس الأنبا أنطونيوس أب الرهبان علشان أخذ مشورته.
*ودير الأنبا أنطونيوس كان موجود في قرية اسمها الميمون بالقرب من بني سويف والقرية دي موجودة للآن، وأولاد الأنبا أنطونيوس كانوا مقيمين في هذا الدير بالقرب من النيل، والأنبا أنطونيوس كان بيسكن منفردًا في مغارة في الجبل، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وكان كل فترة يتردد على أولاده في الدير حسب ما يوجهه روح ربنا، فكان ينزل من الجبل علشان يتفقد أولاده الرهبان ويجلس معهم ويحضر معهم القداس ويتناول، وكذلك كان يخدم الضيوف فإذا كان حضر للدير مرضى كان يصلي من اجلهم أو إذا حضر للدير ناس غير الرهبان ومحتاجينه لأخذ مشورته أو أي شيء كان يجلس معهم وبعد كده يرجع لمغارته في الجبل.
*وفي الدير كان يوجد أب راهب مسئول عن المضيفة وكان بيخدم الضيوف واحتياجاتهم، وكان الأنبا أنطونيوس لما يحضر من مغارته لافتقاد أولاده كان يسأله هل هم من مصر أم من أورشليم، وكان ذلك للغة بينهم. فإذا كانوا ناس روحانيين يبقوا من أورشليم، وإذا كانوا ناس جسدانيين يبقوا من مصر يعني ذي الناس اللي بيذهبوا للأديرة للفسحة مش لسبب روحي، والأنبا أنطونيوس إذا عرف أن الناس من أورشليم يقابلهم ويجلس معهم ويسأل عن أهلهم ويعزيهم ويكلمهم بكلمة الله ويشوف احتياجاتهم، أما إذا عرف أنهم من مصر يوصي الراهب المسئول بأن يقدم لهم المائدة ويصرفهم بسلام ولا يقابلهم.
*فاولوجيوس قال للمقعد أنا غير قادر أن احتملك تاني حاحملك وآخذك لأبونا أنطونيوس الكبير وأبلغه بموضوعنا وهو يحكم بيني وبينك، وأطلب منه ان يسمح لي بأن أرجعك للسوق ذي ما كمنت خصوصًا أنت مش محتملني ودائمًا متذمر علي وأنا كمان مش قادر أحتملك.
*وفعلًا حمل أولوجيوس المقعد وذهب إلى الدير وعندما وصل إلى الدير سأل الرهبان وقال لهم: أبونا الكبير الأنبا أنطونيوس موجود؟ قالوا له مش موجود. لكن أنتظر لأنه أوقات يحضر يوم السبت قبل الغروب، فجلس أولوجيوس والمقعد في المضيفة لغاية لما جاء القديس الأنبا أنطونيوس من المغارة بالجبل.
*والقديس أنطونيوس عندما حضر سأل كالمعتاد الراهب عن الضيوف هل هم من مصر أم من أورشليم، فلما عرف أنهم من أورشليم جلس معهم وكلمهم عن خلاص النفس، وبعد ما كلمهم عن خلاص النفس، وطبعًا أولوجيوس والمقعد جالسين مع الضيوف. وعلى الرغم من أنهم لم يعرفاه بأنفسهم وجدوا الأنبا أنطونيوس بينادي أولوجيوس أولوجيوس فلم يجيب أولوجيوس معتقدًا أنه يوجد إنسان آخر في الضيوف له نفس الاسم، فما كان من الأنبا أنطونيوس أنه شاور عليه وقال له أنت يا إسكندراني، فقال أولوجيوس في نفسه أن القديس عارف اسمي وعارف بلدي كمان، فأجابه وقال له نعم يا أبي.
*فقال له القديس مش عاجبك المقعد... مش عاجبك المقعد، وعايز ترميه في السوق ذي ماجبته، طيب وأنت إذا رميته ربنا لن يتركه لكن أنت حتفقد خلاص نفسك، وأنت ليه مش محتمله! فين احتمالك من إحتمال الرب يسوع الذي أحتمله عنك وعنا على الصليب، وكيف تخلص وأنت مش محتمله، مع أنك كنت قلت أنك حتحتمله من أجل خلاص نفسك، وأنت إذا رميته في السوق حتفقد خلاص نفسك.
*وأولوجيوس كان بيسمع وهو مندهش ومتحير ومتعجب ومش قادر يفتح فمه لان روح الله قال كل اللي في فكره للأنبا أنطونيوس، والقديس قال لأولوجيوس الشيطان بيجربك وأنت مش فاهم أن دي تجربة من عدو الخير.
*وبعد كده القديس شاور على المقعد وقال له أنت أعطيت للشيطان موضوع فيك. أنت طول عمرك متذمر، وأولوجيوس بيخدمك كان واجب أن تشكر ربنا وتشكره بدلًا من أن تتذمر عليه. ومرة تقوله أنا محتاج كذا... ومش عاجبني كذا...، ومرة تانية تقوله خذني للمكان الفلاني، وهات الشيء الفلاني...، وأنت كيف طالب ملكوت السموات وطالب خلاص نفسك ومتذمر على اللي بيخدمك مجانًا.
*ولما سمع المقعد تعجب جدًا وأصبح مش قادر يتكلم، فقالهم الأنبا أنطونيوس ربنا ينجيكم من الشرير والإنسان الذي بدأ عمل صالح يجب أن يكلمه. وربنا ينجيكم من الشرير لأن النهاية قد اقتربت.
*وبعد كده أخذ أولوجيوس المقعد ومشي، وبعد ثلاثة أيام رحل أولوجيوس للسماء، وبعد سبعة وثلاثين يوم انتقل المقعد أيضًا إلى الملكوت فكانت صلاة الثالث للمقعد هي صلاة الأربعين لأولوجيوس.
*أنظروا هنا إلى عدو الخير، يعني هم لو كانوا صبروا قليلًا كان أيام قليلة وربنا قبل جهادهم على أنه أكتمل.
وأحكي لكم قصة حدثت معي تعلمنا عدم التذمر:
*في إحدى المرات جاءت لي سيده وقالت لي تعالى عندنا علشان فلان مش محتمل حماته اللي ساكنة معه في البيت، طبعًا هي كانت امرأة كبيرة في السن وبحكم سنها الكبير خدمتها كانت صعبة. مثلًا في الليل الأسرة تكون نايمة وهي بتكون مستيقظة وتنادي بصوت عالي، وعايزة خدمة وتنظيف ومش عايز أوضح أكثر من كده.
*وأنا ذهبت إلى البيت وصليت ورشمتهم بالزيت وكلمت هذا الرجل وقلت له يا فلان صحيح أن الست الكبيرة لها بعض التصرفات لكن واجب علينا أن نحتمل ضعف الإنسان. ويعني دي صلبان صغيرة ربنا أرسلها لينا علشان نخلص بها، وواجب نحتمل بعض. والرسول بيقول "احملوا أثقال بعض، وهكذا تمموا ناموس المسيح".
*وبعد الزيارة بأسابيع قليلة الأسرة اتصلت بي وأبلغتني أن الست الكبيرة انتقلت علشان أصلي عليها. وبسرعة تذكرت قصة أولوجيوس والمقعد الرذيل، وتذكرت قول الإنجيل "ولا تتذمروا كما تذمر أيضًا أناس منهم فأهلكهم المهلك" (1كو10: 10).
*فالإنسان الروحي ممكن يحتمل لكن في وقت من الأوقات يضعف ويبدأ يتذمر وينسى أن "المحبة تحتمل كل شيء. وتصدق كل شيء. وترجو كل شيء. وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط أبدًا" (1كو13: 7- 8). وينسى أن الشيء اللي بيتذمر عليه إذا نظر إليه نظرة روحية كان يفرح لأنه سبب خلاص ليه وسبب أكليل ليه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-makary/complaint/ologios.html
تقصير الرابط:
tak.la/pj2fkjp