ولتوضيح الأمر؛ كان السيد المسيح يقصد أن يقول لتلاميذه إنه ترك مجده الذي كان منذ الأزل، وهذا ما عبّر عنه في حديثه مع الآب بعدها بقوله: "الآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ" (يو17: 5)، بمعنى؛ قد أخفيت مجدي الخاص بي في السماء، وأخليت ذاتي بالتجسد في صورة عبد وأتيت على الأرض ومجدتك؛ فمجدني بعد إتمام الفداء عند ذاتك، بمعنى أن يُحاط ناسوته القائم من الأموات بمجده الأزلي عند صعوده إلى السماء.
ويقول أيضًا "أَيُّهَا الآبُ مَجِّدِ اسْمَكَ، فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ مَجَّدْتُ وَأُمَجِّدُ أَيْضًا" (يو12: 28)، بمعنى إن اسم "الآب" يتمجد بتمجيد "الابن" كنتيجة تلقائية.
فحين قال لهم "لَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي لَكُنْتُمْ تَفْرَحُونَ لأَنِّي قُلْتُ أَمْضِي إلى الآبِ" (يو14: 28) أي أمضى إلى مجدي الذي خرجت منه لأني أتيت إلى العالم في حالة من الإخلاء والاتضاع بعيدًا عن المجد، فإن كنتم تحبونني لكنتم تفرحوني بأني بجسد قيامتي أعود إلى مجدي الذي أخفيته تدبيريًا ومؤقتًا بالتجسد لقصد إتمام الفداء.
والمقصود بقوله "أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي" (يو14: 28) أن الآب كائن حاليًا في المجد، والابن حاليًا على الأرض في وسط البشر وبجسد قابل للموت والألم، كل هذا اقتضى منه إخلاء ذاته وإخفاء مجده الإلهي، وإلا فلن يستطيع أحد أن يلمسه أو يأتي إليه مطلقًا أو يتطاول عليه بالقبض والجلد والضرب والصلب. فحين صعد إلى جبل التجلي تغيرت هيئته أمامهم وصار وجهه يلمع كالشمس وهي تضيء في قوتها، وهذا ليس ملء مجد الابن الوحيد بل شعاع من مجده. أما ملء مجده فلا يحتمل البشر رؤيته على الأرض لأنه قال لموسى النبي عن ذلك "لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي لأَنَّ الإنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ" (خر33: 20)، وقد شرح بطرس الرسول عن موقف التجلي للرب يسوع المسيح فقال: "إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ صَوْتٌ كَهَذَا مِنَ الْمَجْدِ الأَسْنَى هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ" (2بط1: 17)، وأوصاهم السيد المسيح أن لا يخبروا أحدًا بما نظروه حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات.. فهذا التجلي بكل روعته هو شعاع بسيط جدًا من مجد السيد المسيح، ولو أعلن مجده بالكامل فمن الممكن أن يحترق العالم بأسره ولا يحتمل أن يراه. فقال لهم لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون أنى أعود إلى أبى من حيث خرجت "خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ الآبِ وَقَدْ أَتَيْتُ إلى الْعَالَمِ وَأَيْضًا أَتْرُكُ الْعَالَمَ وَأَذْهَبُ إلى الآبِ" (يو16: 28).. من السهل أن يفهم الأطفال البسطاء هذه العبارة، فهو يقول كنت في السماء ممجدًا وأخليت ذاتي وأخذت شكل العبد، فأخفيت مجدي الإلهي بستار الناسوت في وجودي على الأرض متجسدًا، فلو كنتم تحبونني؛ لكنتم تفرحون بأنني ذاهب بناسوت إلى أعلى السماوات حيث يمكن أن يحاط هذا الناسوت بمجدي الأزلي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولكن لم يفهم أريوس بالرغم من درجته الكهنوتية، وبالرغم من أنه معلم وواعظ. فقال منكرًا مجد الابن الوحيد الجنس: [الآب أعظم من الابن، والابن غير مساوٍ له في الجوهر] ودخل في هرطقته وأنكر لاهوت السيد المسيح.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/resurrection-lights/son.html
تقصير الرابط:
tak.la/3xrja72