تفسير قصد بطرس الرسول:
لم يقصد بطرس الرسول بقوله “لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ“ (2بط1: 4)، أن هذا سوف يحدث في هذه الحياة الحاضرة. بل كان يتكلم عن مواعيد سوف يكافأ بها القديسون الذين سوف يتكللون بالبر في الحياة الأبدية والدليل على ذلك قوله ما يلي: “كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلَهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ، اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ.. لِذَلِكَ بِالأَكْثَرِ اجْتَهِدُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْعَلُوا دَعْوَتَكُمْ وَاخْتِيَارَكُمْ ثَابِتَيْنِ. لأَنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَنْ تَزِلُّوا أَبَدًا. لأَنَّهُ هَكَذَا يُقَدَّمُ لَكُمْ بِسِعَةٍ دُخُولٌ إِلَى مَلَكُوتِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الأَبَدِيِّ” (2بط1: 3 و10 و11).
هو يتكلم عن مواعيد لم ينلها أحد بعد وسوف تتحقق للداخلين بسعة إلى ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح.
إن معلمنا بطرس الرسول يقصد أن حياة القداسة ضرورية لننال الوعد بميراث ملكوت الله. وهذا يقتضى الهروب من الفساد الذي في العالم بالشهوة، والسلوك في حياة المجد والفضائل الروحية.
وقد أكّد الرسول بطرس نفسه هذا المعنى في رسالته الأولى بقوله “فَأَلْقُوا رَجَاءَكُمْ بِالتَّمَامِ عَلَى النِّعْمَةِ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا إِلَيْكُمْ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. كَأَوْلاَدِ الطَّاعَةِ لاَ تُشَاكِلُوا شَهَوَاتِكُمُ السَّابِقَةَ فِي جَهَالَتِكُمْ، بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أيضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ” (1بط1: 13-16). ولكن الكتاب يقول في تسبحة السمائيين للحمل (أي المسيح) “لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ” (رؤ15: 4).
أما قول معلمنا بطرس الرسول “لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ” فهو بمنتهى البساطة يقصد أن نشترك مع الله في ملكوته الأبدي من خلال اشتراكنا في قداسته حسب الوصية “كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ” وحتى الاشتراك في قداسة الله هو مسألة نسبية، ليست مطلقة. فكمال الخليقة هو كمال نسبى، أما كمال الله فهو كمال مطلق. وقداسة الله قداسة طبيعية غير مكتسبة، أما قداسة القديسين فهي قداسة مكتسبة. وإلا فلماذا يقول السمائيين للسيد المسيح “لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ” (رؤ15: 4).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
إننا نشترك مع الله في العمل مثلما قال معلمنا بولس الرسول عن نفسه وعن أبلوس “نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ” (1كو3: 9) نشترك مع الله في الحياة الروحية مثل البركة الرسولية التي يُقال فيها "شركة وموهبة وعطية الروح القدس تكون مع جميعكم".
وكما علّمنا قداسة البابا شنودة الثالث نيح الله نفسه ونفعنا بصلواته؛ فإن عبارة “شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ” تعني في العمل، في الإرادة، في الخلود، في القداسة، في الملكوت، في السعادة الأبدية، في الحب الذي قال عنه السيد المسيح للآب “أَيُّهَا الآبُ الْبَارُّ إِنَّ الْعَالَمَ لَمْ يَعْرِفْكَ أَمَّا أَنَا فَعَرَفْتُكَ وَهَؤُلاَءِ عَرَفُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي. وَعَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وَسَأُعَرِّفُهُمْ لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ ” (يو17: 25-26).
إن السيد المسيح يقول للآب إن الحب الذي بينهما؛ من الممكن أن يكون في التلاميذ. والمقصود نوع الحب وليس مقداره. لأن الآب غير محدود والابن غير محدود، فالحب الذي بينهما غير محدود. أما نحن فمحدودين، وننال من الحب الإلهي على قدر استطاعتنا. وبهذا توجد شركة المحبة بيننا وبين الله. ونصير شركاء الطبيعة الإلهية.. ولكن ليس شركاء في الطبيعة الإلهية كما يتجاسر البعض ويقولون.
وقد أوردنا في مقال سابق طويل أقوال عدد من الآباء القديسين مثل القديس أثناسيوس والقديس كيرلس الكبير والقديس باسيليوس الكبير في شرح العقيدة السليمة وكذلك جدول مقارنة بين تعاليم الآباء وتعاليم أحد رهبان دير أبى مقار.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/partakers-of-the-divine-nature/peter-verse.html
تقصير الرابط:
tak.la/4jbq5k5