1- التجارب بمعنى إغراءات الخطية ومحارباتها الشريرة.
2- التجارب بمعنى الضيقات والآلام.
وقد سميت التجارب هكذا لأنها في كلتا الحالتين اختبار لمدى قدرة الإنسان على التصدي لها أو احتمالها: فإن اجتازها بسلام يكون قد نجح في الامتحان، وإن لم يحتملها يكون قد رسب في الامتحان.
والتجارب يقوم بها الشيطان المجرّب في كلتا الحالتين وغالبًا ما يبدأ بالنوع الأول فإن فشل نتيجة التصاق الإنسان بالرب في حياته الروحية، فإنه يتجه إلى النوع الثاني انتقامًا من فشله الأول ورغبة منه في تطويع الإنسان أو إضعاف مقاومته حينما يعاود الكرة ويعود إلى تجارب النوع الأول لعله يفلح في هذه المرة.. وهكذا.
حينما كان الشيطان يفشل في إخضاع القديسين لعبادته من خلال الأوثان المحرمة، فإنه كان يصب انتقامه على أجساد هؤلاء القديسين بآلام مروّعة لإضعاف عزيمتهم في مقاومته بقصد إخضاعهم لعبادة الأوثان بالسجود أو بالتبخير لها.
المقصود بعبارة "لا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير" (مت6: 13) في الصلاة الربانية هو تجارب النوع الأول. أي تجارب الخطية وليس تجارب الآلام والضيقات.
وهذا يتضح من قول معلمنا يعقوب الرسول: "احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة، عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبرًا" (يع1: 2، 3). ومن الواضح أن المقصود بالتجارب في قول يعقوب الرسول ليس هو تجارب الخطية بل تجارب الضيقات والآلام خاصة من أجل الرب. وقد أوضح الرسول أن تجارب الضيقات هي امتحان للإيمان إن كان إيمانًا ثابتًا وحقيقيًا أم لا. فكل ضيقة هي امتحان لثبات الإنسان في محبته لله. ولذلك أكمل يعقوب الرسول كلامه بقوله: "طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة لأنه إذا تزكى ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه" (يع1: 12).
ولكن الرسول يفرق بين نوعيّ التجارب التي ذكرناها فينتقل مباشرة للحديث عن التجارب الشريرة ويقول: "لا يقل أحد إذا جُرِّب إني أُجرَّب من قِبل الله. لأن الله غير مجرَّب بالشرور وهو لا يجرِّب أحدًا. ولكن كل واحد يجرَّب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كملت تنتج موتًا" (يع1: 13-15).
إن كل شيء يتم بسماح من الله أي أنه يسمح للشيطان المجرِّب أن يجرِّب البشر بنوعي التجارب: أي بالضيقات وأيضًا بالتجارب الشريرة. ولكن الله نفسه لا يجرّب الإنسان بالتجارب الشريرة. ولا يشاء أن يسقط أحد في الخطية. ولا أن يهلك أحد من الناس بل "يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1تى2: 4). وهو لا يشاء موت الخاطئ مثل أن يرجع وتحيا نفسه كقول الرب: "إني لا أسر بموت الشرير، بل بأن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا" (حز33: 11). أي أنه لا يسر بموت الخطاة، ولكن في الوقت نفسه لا يمنع الشيطان من امتحان البشر لكي تثبت قداستهم وكراهيتهم للخطية، ورفضهم لإطاعة الشيطان والانسياق للأهواء والشهوات الشريرة والدنسة.
لهذا قال يعقوب الرسول عن سقوط الخطية: "لا يقل أحد إذا جرِّب إني أجرب من قبل الله" (يع1: 13). لا يحتج الإنسان قائلًا إن الله هو الذي رتب لي السقوط، أو دبر لي الخطية، أو جعلها سهلة أمامي، أو حلوة في نظري.. بل إن الشيطان هو الذي يجعل الخطية جميلة وشهية في نظر الإنسان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. وهو الذي يقترح على الإنسان فكرة التمتع بالخطية وكسر وصايا الله أو نسيانها. هو الذي يحاول إقناع الإنسان بالتعدي على الوصية المقدسة، وهو الذي يجتذب فكر الإنسان بعيدًا عن محبة الله، وبعيدًا عن مصلحته الأبدية.
ويقول الرسول أيضًا إن الخطية تمر بمراحل في كيان الإنسان "كل واحد يُجَرَّب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كملت تنتج موتًا" (يع1: 14، 15). الخطية تبدأ بفكرة معروضة على الإنسان فإذا لم يرفضها فإنها تجتذبه بطريقة خادعة إرضاءً للشهوة. فإذا تفاعل الإنسان مع الشهوة، تسري في كيانه عوامل اللذة والدنس حتى يسكر بسحرها ونشوتها. وبسريان تأثيرات الشهوة في كيان الإنسان يبدأ في ممارسة الخطية إرضاءً لشهوته. وكلما توغل في الخطية كلما اشتعلت الشهوة بزيادة حتى يصل إلى إكمال فعل الخطية دون أن يتراجع فيكون السقوط المميت.
إن هناك شيطانًا اسمه شيطان تكميل الفعل. فحينما يبدأ قلب الإنسان يضربه بسبب شروعه في ارتكاب الخطية، يأتي شيطان تكميل الفعل ليدفعه إلى عدم التراجع. وأحيانًا يقول له ما فائدة التراجع وقد أغضبت الرب لسبب شروعك في ارتكاب الخطية؟ ولماذا تحرم نفسك من اكتمال لذة الخطية وقد حُسِبت عليك خطية.. إن التراجع لن يفيدك في شيء. أكمِل الخطية وبعد ذلك يأتي التفكير في التوبة.. وهكذا يظل يلح عليه حتى يتجاسر على تكميل فعل الخطية التي "إذا كملت تنتج موتًا" (يع1: 15).
كما أن الإنسان ينبغي أن يحترس تمامًا من شيطان الفكر والإغراء، فإنه ينبغي أن يحترس وبقوة من شيطان تكميل الفعل.
إن التراجع عن الشهوة أسهل من التراجع عن الخطية. والتراجع عن الخطية قبل اكتمالها أفضل بكثير من الوقوع فيها. لأن اكتمال الخطية ينشئ الاعتياد عليها ويجعل طريق التوبة صعبًا محفوفًا بالمخاطر.
وهناك شيطان آخر ينبغي الاحتراس منه وهو شيطان اليأس، الذي بعدما يسقط الإنسان في الخطية يأتيه ليثير فيه مشاعر اليأس وقطع الرجاء.
فقبل السقوط يقول الشيطان للإنسان: إن الخطية هي حلوة وجميلة ومن حقك، ولا ضرر في ارتكابها. وبعد السقوط يقول له: ها قد أضعت نفسك في الخطية وانفصلت عن الله.. وهو لن يقبل رجوعك إليه ولا أمل في قبوله لك، ولا أمل في قدرتك على ترك الخطية وليس أمامك إلا الاستمرار فيها أو الاستمرار في البعد عن الله.
إن حيل الشيطان كثيرة ومتنوعة. وفخاخه لا يستطيع أن يفلت منها إلا المتواضعون كما قيل للقديس أنطونيوس في البرية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/trial.html
تقصير الرابط:
tak.la/k5sdfyw