بعد أن طوّب السيد المسيح أنقياء القلب قال التطويب السابع: "طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يدعون" (مت5: 9).
دُعي السيد المسيح "رئيس السلام" (إش9: 6)، و"ملك السلام" (عب7: 2). وقيل عنه: "لنمو رياسته وللسلام لا نهاية" (إش9: 7).
وسبب هذه التسمية أن السيد المسيح قد صالحنا مع الله أبيه بدم صليبه مثلما كتب معلمنا بولس الرسول للأمم "أنتم الذين كنتم قبلًا بعيدين، صرتم قريبين بدم المسيح. لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحدًا، ونقض حائط السياج المتوسط أي العداوة. مبطلًا بجسده ناموس الوصايا في فرائض. لكي يخلق الاثنين في نفسه إنسانًا واحداً جديدًا صانعًا سلامًا. ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلًا العداوة به" (أف2: 13-16).
فكما صالح السيد المسيح الإنسان مع الله، صالح الإنسان مع أخيه الإنسان. وأعطى تلاميذه من الرسل القديسين خدمة المصالحة بحسب قصد الآب السماوي وتدبيره. وقد أشار القديس بولس الرسول إلى ذلك فقال: "ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح، وأعطانا خدمة المصالحة. أي أن الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم، وواضعًا فينا كلمة المصالحة. إذًا نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله" (2كو5: 18-20).
فبعدما قدّم السيد المسيح ذبيحة الفداء على الصليب، وقام من الأموات وظهر للأحد عشر وهم مجتمعون في عشية يوم أحد القيامة قال لهم: "سلام لكم. ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه. ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب. فقال لهم يسوع أيضًا سلام لكم. كما أرسلني الآب أرسلكم أنا. ولما قال هذا نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس، من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت" (يو20: 19-23). لقد بشرهم بالسلام، وأعطاهم السلطان أن ينشروه لكل من يرغب.
وبهذا حقق السيد المسيح وعده لتلاميذه بأن يمنحهم عطية السلام الفائقة للطبيعة إذ قال: "سلامًا أترك لكم. سلامي أعطيكم" (يو14: 27).
عطية السلام التي منحها "رئيس السلام" لتلاميذه هي عطية فائقة للعقل.. لهذا قال معلمنا بولس الرسول لأهل فيلبي: "وسلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع" (فى4: 7).
إن عطية السلام هي عطية إلهية يمنحها الآب السماوي باستحقاقات دم ابنه الوحيد بواسطة الروح القدس.
لهذا فإن السلام هو من ثمار الروح القدس في حياة المؤمنين كقول الكتاب: "وأما ثمر الروح، فهو محبة فرح سلام.." (غل5: 22).
من يمتلئ من الروح القدس يمتلئ من السلام، ويستطيع أن يصنع السلام ويستحق أن يُدعى ضمن أبناء الله، ويستحق التطويب.
كانت إرسالية السيد المسيح إلى العالم هي إرسالية صلح وسلام، ومن أراد أن يتشبه بابن الله ينبغي أن يكون من صنّاع السلام.. السلام المبني على الحق كقول المزمور "العدل والسلام تلاثما" (مز 85: 10).
وقد أوصى بولس الرسول باتباع السلام فقال: "اتبعوا السلام مع الجميع، والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب" (عب12: 14).
كما أوضح يعقوب الرسول أهمية السلام كعلامة للحكمة الممنوحة من الله "أما الحكمة التي من فوق فهي أولًا طاهرة، ثم مسالمة، مترفقة، مذعنة، مملوءة رحمة وأثمارًا صالحة، عديمة الريب والرياء. وثمر البر يزرع في السلام من الذين يفعلون السلام" (يع3: 17، 18).
الذي يزرع الخصومات بين الإخوة المتحابين يصير مكروهًا من الله، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. كقول الكتاب "هذه الستة يبغضها الرب. وسبعة هي مكرهة نفسه. عيون متعالية، لسان كاذب، أيدٍ سافكة دمًا بريئًا، قلب ينشئ أفكارًا رديئة، أرجل سريعة الجريان إلى السوء، شاهد زور يفوه بالأكاذيب، وزارع خصومات بين إخوة" (أم6: 16-19).
ولكي يتحاشى الإنسان تهييج الخصام يحتاج إلى اقتناء الاتضاع والبعد عن الغضب لأن الكتاب يقول "المنتفخ النفس يهيج الخصام" (أم28: 25) وأيضا "الغضوب يهيج الخصام" (أم29: 22).
كان الرسل صانعي سلام وكانوا دائمًا يطلبون السلام للتلاميذ "لتكثر لكم النعمة والسلام" (1بط1: 2، 2بط1: 2). لقد نشروا سلام المسيح على الأرض..
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/peace.html
تقصير الرابط:
tak.la/dxh9b5n