بعد أن طوّب السيد المسيح الرحماء قال: "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت5: 8).
النقاوة هي عطية من الله يمنحها لمن يطلبها بلجاجة، يجاهد من أجل الحصول عليها. ففي صلاة المزمور الخمسين(1) يتضرع المرنم "قلبًا نقيًا اخلق فيَّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدد في أحشائي" (مز 51: 10).
والكتاب يقول: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو5: 17)، الله يخلق للإنسان قلبًا جديدًا بالولادة الجديدة في المعمودية، ويلزم أن يجاهد الإنسان ليحفظ لهذا القلب نقاءه بعدما استنار بالنعمة وصار أهلًا لفهم الأسرار والمقاصد الإلهية.
نقاوة القلب هي خلوه من الشر، ومن نوازع الشر، ومن محبة الخطية، ومن الميل إليها. ولن يصل القلب إلى هذه الحالة إلا إذا امتلأ من محبة الله، ومحبة البر.. أي إذا امتلأ من الروح القدس.
فليست نقاوة القلب هي فقط خلوه من محبة الخطية والميل إليها، بل من الناحية الإيجابية ينبغي أن يمتلئ القلب من محبة الله وبالتالي من محبة البر.
كان القديس الأنبا أبرام أسقف الفيوم يظل طوال الليل يردد هذه العبارة في صلاته: "قلبًا نقيًا اخلق فيَّ يا الله، وروحًا مستقيماً جدد في أحشائي" إدراكًا منه لأهمية نقاوة القلب في السعي نحو ملكوت السماوات.
وقد مدح الكتاب أيضًا نقاوة القلب في المزمور بقوله: "من يصعد إلى جبل الرب، أو من يقوم في موضع قدسه. الطاهر اليدين، النقي القلب" (مز 24: 3، 4).
وحينما أوصى الرب قائلًا: "فوق كل تحفظّ احفظ قلبك، لأن منه مخارج الحياة" (أم4: 23)، كان يقصد أن يحفظ الإنسان قلبه نقيًا وطاهرًا، لأن منه مخارج الحياة.
والحواس هي أبواب القلب. فلكي يحفظ الإنسان قلبه الداخلي، ينبغي أن يحفظ حواسه الخارجية. لهذا قال السيد المسيح: "سراج الجسد هو العين. فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرًا. وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلمًا، فإن كان النور الذي فيك ظلامًا، فالظلام كم يكون؟" (مت6: 22، 23). والعين هي إحدى الحواس الخمس في الإنسان.
ويلزم لاقتناء نقاوة القلب أن يقتني الإنسان نقاوة الحواس. وأن يحفظ حواسه الجسدية من العثرات والشرور.. وأن يمتلئ بالروح القدس وتتقوى حواسه الروحية وتنمو، وتصير قادرة على التطلع نحو السماويات.
الأنقياء القلب يعاينون الله، يعاينونه بأعين قلوبهم.. لأن حواسهم الروحية قد استنارت بالنعمة.
يعاينونه بالإيمان وقد وعد السيد المسيح قائلًا: "الذي عنده وصاياي ويحفظها، فهو الذي يحبني. والذي يحبني يحبه أبي وأنا أحبه وأظهر له ذاتي" (يو14: 21).
الذين يولدون من الماء والروح بالميلاد الفوقاني، قال عنهم السيد المسيح إنهم هم الذين يدخلون ملكوت السماوات ويعاينونه (انظر يو3: 5).
فالميلاد الفوقاني هو الذي يجدد طبيعة الإنسان، ويمنحه نقاوة القلب حتى يؤهل لمعاينة مجد الله وملكوته السماوي.. يؤهل لمعاينة السيد المسيح في مجده.
أنقياء القلب يعاينون الله، لأنهم سوف يعاينون السيد المسيح في مجده، ويتمتعون برؤيته إلى أبد الدهور.
القلب النقي لا يشتهي شرًا، بل يشتهي معرفة الله. ولا يحمل ضغينة أو كراهية، بل يمتلئ بالحب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. شهوته دائمًا هي الخير مثل قول الكتاب "شهوة الأبرار خير فقط" (أم11: 23).
إن تطويب السيد المسيح لأنقياء القلب، يدعونا للسعي نحو النقاوة التي تؤهلنا أن نراه بالإيمان. وأن نراه في مجده..
_____
(1) توضيح من الموقع: حسب الترجمة القبطية، وهو المزمور الحادي والخمسون في الطبعة البيروتية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/pure.html
تقصير الرابط:
tak.la/ms4k6ps