من أقوى ما ورد عن السيد المسيح من ظهورات؛ هو ظهوره لموسى في العليقة المشتعلة بالنار. وقد ورد ذلك في سفر الخروج لموسى النبي كما يلي: "وأما موسى فكان يرعى غنم يثرون حميه كاهن مديان، فساق الغنم إلى وراء البرية وجاء إلى جبل الله حوريب. وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة. فنظر وإذا العليقة تتوقد بالنار، والعليقة لم تكن تحترق. فقال موسى: أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم. لماذا لا تحترق العليقة؟ فلما رأى الرب أنه مال لينظر، ناداه الله من وسط العليقة وقال: موسى، موسى. فقال: هأنذا. فقال: لا تقترب إلى ههنا. اخلع حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة. ثم قال: أنا إله أبيك، إله إبراهيم، وإله إسحق، وإله يعقوب. فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله" (خر3: 1-6).
لا يمكن أن ينطبق هذا الظهور على أقنوم الآب لأن الكتاب يقول "ظهر له ملاك الرب" (خر3: 2). وكلمة "ملاك" في اللغة العبرية تعني "مُرسل" أي من هو مرسل من آخر. ولا يجوز أن يُقال عن الآب أنه مرسل من الرب ولكنها تقال عن الابن باستمرار كقوله لليهود في أكثر من موضع (انظر يو5: 37، يو6: 39، 44، يو7: 16).
ومما يؤكد أن الظهور في العليقة كان يخص الابن الوحيد هو قوله لموسى بعد ذلك "إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم. إني علمت أوجاعهم، فنزلت لأنقذهم" (خر3: 7، 8). ومعروف أن الرب قد نزل لخلاص البشرية بتجسد الابن الوحيد في أحشاء العذراء مريم والدة الإله. وبهذا نقول أن الابن هو الذي "أخلى نفسه آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فى2: 7، 8).
إن لهيب النار الذي ظهر وسط العليقة يشير إلى لاهوت السيد المسيح باعتباره الابن الوحيد الجنس أي الذي له نفس جوهر الآب وطبيعته بالولادة من الآب قبل كل الدهور لأنه مكتوب إن "إلهنا نار آكلة" (عب12: 29).
أما العليقة نفسها فتشير إلى ناسوت السيد المسيح المأخوذ من السيدة العذراء بفعل الروح القدس؛ والذي تكوّن في أحشائها في نفس لحظة اتحاد الله الكلمة بهذا الناسوت. ولكن الناسوت لم يحترق لسبب اتحاده باللاهوت. وهذا ما عبّر عنه القديس بولس الرسول بقوله "وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد" (1تى3: 16). حقًا إنه شيء عظيم يفوق العقل أن تتحد الطبيعة الإلهية بالطبيعة الإنسانية الخاصة بالسيد المسيح دون أن تحترق هذه الطبيعة الإنسانية بالرغم من التفاوت الهائل في خواص الطبيعتين، وقد كونتا معًا طبيعة واحدة لتجسد الله الكلمة حسبما علّم القديس كيرلس الكبير μία φύσις του Θεού Λόγου σεσαρκωμένη (ميا فيسيس تو ثيئو لوغو سيساركوميني) أي "طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة" هذه الطبيعة الواحدة تجمع بين خصائص الطبيعتين ولكن دون أن تتحول إحداهما إلى الأخرى بالامتزاج أو بالامتصاص بل استمرت كل طبيعة في الوجود محتفظة بخصائصها بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا انفصال ولا تقسيم.
عندما أبصر موسى هذا المشهد العظيم الذي يرمز إلى التجسد الإلهي، وأراد الرب أن يرسله لخلاص شعبه. قال موسى لله: "ها أنا آتي إلى بني إسرائيل وأقول لهم: إله آبائكم أرسلني إليكم. فإذا قالوا لي ما اسمه؟ فماذا أقول لهم؟ فقال الله لموسى: أهيه الذي أهيه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقال هكذا تقول لبني إسرائيل أهيه أرسلني إليكم. وقال الله أيضًا لموسى: هكذا تقول لبني إسرائيل: يهوه إله آبائكم، إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب أرسلني إليكم. هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكري إلى دور فدور" (خر3: 13-15).
وهكذا أعلن السيد المسيح لموسى النبي أن اسمه هو "يهوه" أي "الكائن" مثلما قال القديس يوحنا الإنجيلي في سفر الرؤيا "أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي، القادر على كل شيء" (رؤ1: 8). نفس الاسم ينطبق على الآب والابن والروح القدس الإله الواحد.
بصواب قال الشاعر الفرنسي دي لامارتين: [إن كينونة يهوه لا تحسب بالشهور والأيام، فيومه يوم أزلي، وهو الكائن على الدوام].
إن اسم "يسوع" في اللغة العبرية هو يهوشع بمعنى "يهوه خلّص" وهذا ما قاله الملاك جبرائيل للقديس يوسف خطيب العذراء مريم "يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك. لأن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم" (مت1: 20، 21). وبهذا تحقق قول الرب (يهوه) لموسى "إني قد رأيت مذلة شعبي.. فنزلت لأنقذهم" (خر3: 7، 8).
إن شعب يهوه هو شعب يسوع لأن يسوع هو يهوه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/moses.html
تقصير الرابط:
tak.la/6a936tq