St-Takla.org  >   books  >   anba-bimen  >   religious-sense
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الشعور الديني في الطفولة والمراهقة - الأنبا بيمن أسقف ملوي

3- التوجيه الكنسي لخدمة الطفولة والمراهقة

محتويات: (إظهار/إخفاء)

أثر ممارسة الحياة الليتورچية
تشكيل البرنامج حول السنة الليتورچية للكنيسة
التربية الكنسية والمفاهيم الأرثوذكسية
الخدمات الكنيسة تقدس الحياة اليومية

(1) التوجيه الكنسي للمنهج:

هدف المنهج الأساسي هو خلاص النفس وتربيتها وتذوقها حياة الشركة مع الله، وتحسسها الملكوت الداخلي، وفرحها في التلامس معه كعربون للحياة الأبدية في نور القديسين أو بمعنى آخر إدماج الفرد في حياة الكنيسة الباطنية. الحياة الجديدة في المسيح رأس الكنيسة -رأس الجسد الواحد- كل نشاط للمنهج لا يهدف إلى هذا الهدف خارج عن المنهج، وبعيد عن رسالة الكنيسة في تعليمها وتربيتها لأولادها، وكل عمل لا يتصل اتصالًا مباشرًا بالخبرة الروحية ليس للمسيح نصيب فيه. كل خدمة التعليم الديني هدفها أن يعرف المؤمن قوة قيامة الرب معرفة اختبارية شخصية مشتركًا في آلامه متشبهًا بموته.. هي ليست سوى إفصاح عما حدث للإنسان حين خُلق ثانية بالماء والروح وأصبح عضوًا في الكنيسة الأرثوذكسية.

على ذلك لا بد أن يرسم المنهج أمام الأفراد طريق الجهاد الروحي، يجب أن يسهم كل درس في توضيح معالم الحياة الروحية (التوبة، الجهاد وإماتة الذات، التكريس والإرسالية).

يجب أن يكون التعليم المسيحي أيضًا متضمنًا كيف ندخل عن طريق الخدمات الكنسية في شركة مع الله، وكيف نتعلم عن طريقها إرادته ونذكر موت المسيح وقيامته ونتقبل عطايا الروح القدس المتنوعة. لا بد أن يكون الهدف الرئيسي واضحًا في ذهن الخادم:

أن يتعارف الجميع مع الرب يسوع المسيح ويسلمونه حياتهم ويديرون ظهورهم للعالم بكل ما فيه من شهوة للعين والجسد وتعظم للمعيشة.

وما أن تتجدد أذهانهم بلمسة الروح في التوبة بمعناها الصحيح وهو تغيير أنماط الحياة الجسدية

إلى نمط روحي واحد هدفه المسيح وطريقه المسيح أيضًا، حتى يبدأ سعيه نحو الجلجثة، فيقوم ليحمل الصليب بفرح ومسرة قلب، إذ ليس هو الذي يميت حواسه الجسمانية والأرضية ولكن الرب هو العامل فيه... وكل مرة تحدث فيها عملية تفريغ هي بذاتها وثبة وانتفاضة واستعداد لعمل الروح القدس "ومن يسمع فليقل تعال"، فالذين سمعوا من قلوبهم صوت الرب يناديهم، وفتحوا له الباب وذاقوا حلاوة سكنى الثالوث الأقدس في حياتهم، الآب يختارهم ويحبهم ويدعوهم، والروح القدس يطهرهم ويقدسهم ويحركهم، والابن يتحد بهم بجسده ودمه، هؤلاء لا يطيقون أن يصمتوا بل تصير حياتهم أنجيلًا وبشارة وكرازة لجميع الناس.

السر الحقيقي الذي يكمن وراء ضعف الخدمة هو في المنهج الذي لا يهدف إلى التوبة وتجديد الذهن، ولا يقدم طريقًا للجهاد والأمانة ولا يقود إلى الامتلاء الذي علامته تكريس القلب للرب والكرازة بإنجيل الخلاص في كل حين.

ونعني بالتكريس هنا تكريس القلب والحواس والأعضاء والجسد والمال والوظيفة والزوجة والأولاد والوقت حتى تصبح حياة الفرد ذبيحة ومحرقة مقدمة بفرح على مذبح الرب، وتجند صالح في جيش الخلاص، وعضوية متمتعة بحقوق البنين في بيت الآب السماوي.

St-Takla.org Image: Excellence certificate 2013, the National Center For Culture Child, Praise, used with permission - by Mina Anton صورة في موقع الأنبا تكلا: رسمة لشهادة التفوق 2013، المركز القومي لثقافة الطفل، تسبيح، موضوعة بإذن - رسم الفنان مينا أنطون

St-Takla.org Image: Excellence certificate 2013, the National Center For Culture Child, Praise, used with permission - by Mina Anton

صورة في موقع الأنبا تكلا: رسمة لشهادة التفوق 2013، المركز القومي لثقافة الطفل، تسبيح، موضوعة بإذن - رسم الفنان مينا أنطون

وليس من وسائل لتحقيق هذا الهدف سوى أن يكون الفرد عضوًا حيًا في جسد المسيح الذي هو الكنيسة، لذا يجب أن يعمل المنهج على تحقيق عضوية الفرد في الكنيسة. لا عضوية شكلية ولا انتمائية مظهرية – وإنما عضوية حية مصدر حياتها الإتحاد في الرب يسوع بالروح القدس العامل في أسرار الكنيسة.

لسنا نقصد بالتربية الكنسية الأرثوذكسية أن يكون الفرد مجرد شماس يحفظ التسبحة والألحان ويردد صلوات القداس – وإن كانت هذه الأمور هامة ونافعة. ولكن المهم أولًا هو أن يحيا المؤمن فيما يمارسه، يحيا في التسبيح والإفخارستيا والتوبة وإيمان القديسين المنتقلين.

التوجيه الكنسي الأرثوذكسي أمر لازم للتوجيه الروحي لأنه لا خلاص إلا عن طريق الكنيسة. لذا يتحتم على الخدام أن يدربوا أبناءهم على ممارسة وسائط النعمة التي رسمها الروح القدس في الكنيسة الأرثوذكسية لا بشكل روتيني يفقدها قيمتها وإنما بتجديد القلب وانسكاب النفس وفرح الروح بسكنى الرب.

ومدارس التربية الكنسية مسئولة أن تقدم للأطفال في مراحل نموهم المختلفة القدر الكافي من ممارسة اختبار الحياة اللتورچية داخل الكنيسة كما يسمح سنهم، شارحة لهم هذا الاختبار. وقد كانت الخدمات اللتيورچية خلال كل العصور الماضية هي الواسطة العملية الفعالة للتربية الدينية، وهي التي أفادت وغذت الشعب روحيًا على مدى مراحل تطوره العقلي والثقافي. وكانت مفعمة بالمعنى العميق للفلاح الأمي على طول ضفاف النيل فوجد فيها سلوانه وراحته، كما لساكن المدينة المثقف فأشعلت فيه تقواه وتفكيره.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أثر ممارسة الحياة الليتورچية:

تهدف التربية الكنسية من خلال ممارسة الحياة الليتورچية أولًا إلى تحقيق العضوية الحية في كنيسة الله، وإدراك الفرد لدوره في الكهنوت الملوكي ووظيفته في المثول بين يدي الله باسم الخليقة كلها في ممارسة سر الافخارستيا. ثم اندماجه وشركته في الذبيحة الأبدية التي قدمها المسيح عن العالم وهي ذاته. وكيف يصبح جزءًا من هذه الذبيحة باتحاده بها، وكاهنًا لذبيحة حياته التي يقدمها للآب من خلال ذبيحة الصليب.

وتهدف ثانيًا إلى إبراز حقيقة حضور الله في العالم. فالعالم قد طُهر بوجود الكنيسة. وعلى المسيحي أن يدرك بهذا التزامه نحو البشرية التي ينتمي إليها ونحو خدمة الإنسانية بأسرها ولا بد بهذا أن ترقى نظرة المسيحي من الطائفية المنغلقة إلى الرؤية المتسعة التي تشمل كل المجتمع البشري الذي مات المسيح من أجله، وينمو لديه تدريجيًا الشعور بأنه كإبن لله مُفتدي بيسوع المسيح ومطهر بالروح القدس، وعليه أن يتحمل واجبه كمسيحي نحو مجتمعه وأمته، وأن يجاهد لإحداث التغيير اللازم في العالم نحو حياة أفضل لمجتمع سعيد.

وهذا المنهج للتربية المسيحية إنما يُعلم تراثنا الأرثوذكسي متجنبًا خطأ الوقوع في غرس مشاعر الطائفية ومحاولًا توسيع وعي الفرد ليتسع للبشرية كلها على جميع المستويات الإقليمية والقومية والمحلية والدولية.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

تشكيل البرنامج حول السنة الليتورچية للكنيسة:

نحن نعيش على مدار السنة مع الكنيسة في سلسة متعاقبة من الاختبارات، والمناسبات المفعمة بالمعاني العميقة. لذلك فان برنامج التربية الكنسية يعكس على كل مستويات التدريس هذا النظام الليتورچي. فالسنة الدراسية تبدأ من النيروز – وأول عيد نقابله هو النيروز رأس السنة القبطية أو عيد الشهداء، والموضوع الرئيسي هنا هو الشهادة والاستشهاد والشهداء. ونتناول هذا الموضوع من جوانب مختلفة في المراحل المختلفة، نشرح ونفسر ونثري اختبار الطفل والشاب بهذا التراث الغني عن: الشهادة والاستشهاد وباعتبارها دعوة الكنيسة في العالم منذ أيام الرسل، وعصر الآباء الرسوليين وشهدائهم، وعصر الشهادة للكلمة المتجسد من خلال خوض معارك العقيدة داخل المجامع وخارجها في القرنين الرابع والخامس – وهذا كله يكون في مجموعة قصة حب المسيح مخضبة بالدماء.

ثم يأتي شهر كيهك بسهراته ومدائحه الممتعة واحتفال الكنيسة بتمجيد وتطويب العذراء "الثيئوتوكوس" وهي تحمل الابن الكلمة المتجسد. ثم عيد الميلاد المجيد فنستقبل المخلص بالفرح ونتحدث عن "سر التجسد" وارتباطه بسر الإفخارستيا. ثم في عيد الغطاس يزداد التأكيد على سر الثالوث الأقدس وعلى تقديس الخليقة المادية وسر المعمودية المقدس. ومع بداية الصوم الكبير تدخل الكنيسة كلها في موسم تجديد عهد المعمودية الأول بالتوبة والانسحاق من خلال القراءات والطقوس الكنسية. وتوجيه التربية الكنسية خدامها ومخدوميها للاندماج في مشاعر التوبة وتجديد العهد والتقرب من الأسرار المقدسة بعد توبة صادقة باعتراف دقيق لدى الأب الروحي فالمنهج معد ليكن خادمًا للسنة الكنسية القبطية. وكل عيد في الكنيسة وكل موسم ليتورچي ينعكس في البرنامج، ويتثبت بتشجيع أطفال مدارس الأحد على حضور الكنيسة في مواسمها المختلفة، ونشركهم في الخدمات الليتورچية المتنوعة مثل حمل الشموع – إحضار زجاجات المياه للمباركة – حمل السعف – حمل الورود – حمل صورة الشهيد أو القديس أثناء الدورة الاحتفالية به – ترديد اللحن الخاص بالمناسبة.. وهكذا من خلال الحضور والمشاركة يستنشق الأطفال حياة الكنيسة التي تسري خلال احتفالاتها الليتورچية.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

التربية الكنسية والمفاهيم الأرثوذكسية:-

وثمة تراث قيم نود أن ننقله للأجيال الحاضرة، هو مجموعة المفاهيم الأرثوذكسية الأصلية التي عاشت في فكر الكنيسة على مر العصور ونبعت من روحانيتها وتعاليم آبائها الأول، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ومن أمثلة ذلك أن يسعى المنهج إلى تعميق مفهوم الطالب للكنيسة كجسد وهيكل وعروس للمسيح وإلى إدراك عضويتها في جسد المسيح كجماعة واحدة مفرزة للرب، وتقديس الجسد كمسكن لله. ثم تنمية الإحساس بالدعوة المسيحية، وكيف نموت مع المسيح ونحيا حياة القيامة بفاعلية المعمودية والتوبة والتناول كأسرار مجددة للحياة، ومفهوم الشركة في الإفخارستيا التي تجنبها النزعة الانفرادية وتعطينا الروح الجماعية، ثم خلق الوعي بالشركة مع العالم السماوي ومجمع القديسين والملائكة وحضورهم معنا في العبادة وصلواتهم من أجلنا. ودراسة المعاني الرمزية للكنيسة بمبناها ومحتوياتها، ومفهوم الأيقونة والقربانة والشموع والقناديل والزيت والبخور والملابس الكهنوتية وأدوات المذبح. وهذا كله يساعد الفرد على المشاركة الفعالة في الحياة الليتورچية للكنيسة.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الخدمات الكنيسة تقدس الحياة اليومية:-

تُتيح التربية الكنسية للفرد أن يتعرف ويتفهم الخدمات الكنيسة التي تقدس أحداث الحياة اليومية الهامة مثل مباركة بيت جديد – الاحتفال بولادة طفل – عماد الطفل – مسحة المرضى (القنديل)- مزامير السواعي، الخطوبة والزواج (الإكليل) – تكريس الشمامسة – الصلاة على المنتقلين... كما تتيح له التعرف على الكتب الكنسية المختلفة وإبراز محتوياتها واللحظات الجوهرية الهامة في كل خدمة، بقصد الوصول إلى ممارسة صحيحة حية واعية لوسائط النعمة من خلال هذه الخدمات.

وبهذا يتحقق الفرد من أن الحياة الليتورچية للكنيسة ليست مسألة حضور الكنيسة يومًا في الأسبوع، ولكن الأمر هو شمول الحياة كلها وتقديس كل جوانبها: الميلاد – النمو – العمل – البيت – الموت... وبذلك لا تكون القداسة مجرد صور من التاريخ نتطلع إليها بل تكون اختبارًا حيًا عمليًا نعيشه في حاضرنا المعاصر وفي حياتنا اليومية.

أما بالنسبة للطقوس الأخرى كالأعياد والشموع واستخدام الصور والأيقونات والبخور والقراءات اليومية وغيرها كرشم علامة الصليب والأصوام كل هذه يجب أن تمارس بروح الورع والتعبد والخشوع.

فالطقوس ليست مجرد مظاهر ومباشرات خارجية وإنما هي تعبير عن روح الكنيسة، إنها أنفاسها التي تتردد وضربات قلبها والإفصاح الخالد عن ذاتها – فمن طريق الأسرار مثلًا، وخصوصًا في سر القربان المقدس، نجد حقيقة الكنيسة حب المسيح والوحدة الحقيقية بينه وبين كنيسته. حيث تمهد الكنيسة بالطقس طريقًا روحيًا سريًا يسلكه المؤمنون، وبالكرازة وخدمة الكلمة تنير ذهنهم فيزدادون كل يوم بالنعمة والمعرفة الروحية ويتغيرون عن شكلهم بتجديد أذهانهم ليبلغوا بواسطة المعرفة إلى حياة أبدية هي غاية كل طقس وكل عبادة "هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته".

وليست العقيدة منطوق نظريات لاهوتية وقوانين صعبة يخوضها العقائديون، إنما الأرثوذكسية حياة إيمانية روحية صحيحة. هي شركة الآب والابن والروح القدس على مستوى إيماني حي.

أرثوذكسية الكنيسة هي تطبيق عملي لمبادئ لاهوتية سليمة.

الكنيسة الأرثوذكسية هي المؤمنون حينما يعيشون حياة كنسية صحيحة، هي جسد الرب كما عرفناه تمامًا وحسب الحق. ولا يمكن أن توجد كنيسة أرثوذكسية إلا إذ وجد مؤمنون عارفون بالحق الإلهي تمامًا، يؤمنون بالجسد إيمانًا صحيحًا، مشتركون في الجسد اشتراكًا فعليًا ثم يعيشون بالحق والإيمان وفاعلية الشركة في جسد الرب.

الأرثوذكسية الكنسية عقيدة صحيحة حية في المؤمنين.. والنظرة إلى تاريخ الكنيسة ليس كماضي الناس الذي يذهب ولا يعود وحوادثهم التي تحدث وتنتهي فتصير نسيًا منسيًا وقبض الريح بل هو ماض لا يذهب منه شيء ويبقى كما هو، لذلك نسمع الكنيسة وهي تهتف بصوت أعضائها "كما كان كذلك يكون من جيل وإلى جيل وإلى دهر الداهرين آمين" – والمسيح نفسه رأس الكنيسة هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد يدير الأعضاء الأول والأعضاء الجدد معًا على منهج واحد حسب الخطة أو المشورة الأزلية ليكمل بجميع الأعضاء عملًا واحدًا خالدًا.

وهذه هي وحدة الكنيسة أن إيمان التلاميذ واستنارة الرسل وغيرة الشهداء وحب القديسين لا تزال باقية في قلوب المؤمنين الذين يتحدون بقلب الكنيسة، وهذه الذخيرة المحفوظة لنا في قلب الكنيسة هي التي تسري فينا فتشكلنا على صورة آبائنا كما يرث الابن صورة أبيه.

هكذا يجب أن يُفهم التاريخ الكنسي وبهذه الصورة يجب أن يُعَلّم التلاميذ في منهج التربية الكنسية.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/anba-bimen/religious-sense/direction-church.html

تقصير الرابط:
tak.la/cqm33wv