الراعي الصالح
"أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو 10: 11).
ان كلمة الصالح في اليونانية تعني الجميل، وهذا يشرح أن راعينا ليس صلاحه في داخله فقط، وإنما يشع جمالًا وبهجة. لهذا منذ القرن الثاني الميلادي وصورة الراعي الصالح موجودة في كنائس المسيحيين، فيها الراعي شاب تسطع عليه نعمة الصبوة والجمال. ان هذا اللقب يكثف في معانيه الشيء الكثير، يشير إلى صلاح راعينا، وإلى جماله وحلاوة العشرة معه، وإلى قدم هذا اللقب وديمومته وعظم التكامل في أن يكون الراعي والحمل معا في نفس الوقت.
يعتبر داود النبي هو أعظم من أبرز هذه العلاقة بين الله وشعبه، كما يعتبر سفر حزقيال وبالأخص الاصحاح الرابع والثلاثين اروع ما جاء عن الله كراع في العهد القديم. إسمع داود النبي يرتل بقيثارته الحلوة قائلًا "الرب يرعانى فلا يعوزنى شيء في مراع خضر يسكننى، على ماء الراحة يربضنى" (مز 23) واسمع صوت الراعي في سفر حزقيال يقول "هأنذا أسأل عن غنمى وأفتقدها، كما يفتقد الراعي قطيعه يوم يكون في وسط غنمه المشتتة، هكذا أفتقد غنمى وأخلصها... ثم يقول أنا أرعى غنمى وأربضها يقول السيد الرب، وأطلب الضال واسترد المطرود وأجبر الكسير وأعصب الجريح وابيد السمين والقوى وأرعاها بعدل" (حز 24: 11- 16).
ولما كان داود رمزا للمسيح في رعايته، فأننا نجد اسمه يتكرر دائمًا عندما يذكر لقب الراعي في العهد القديم "وأقيم عليها راعيا واحدا فيرعاها عبدي داود ويرعاها وهو يكون لها راعيا وأنا الرب أكون لهم إلها وعبدى داود رئيسا في وسطهم. أنا الرب تكلمت وأقطع معهم عهد سلام وأنزع الوحوش الرديئة من الأرض" (حز 34: 23).
وكما كان داود رمزا للراعي الصالح، فإن العهد القديم لم يخل من توبيخات وتهديدات لرؤساء الشعب والرعاة المحترفين الأجراء غير الأمنء، في هذا هدد إرميا قائلًا "ويل للرعاة الذين يهلكون ويبددون غنم رعيتى يقول الرب، لذلك هكذا قال الرب إله إسرائيل عن الرعاة الذين يرعون شعبى. كما بددتم غنمى وطردتموها ولم تتعهدوها. هأنذا أعاقبكم على شر أعمالكم يقول الرب" (أر 23: 1-2).
لقد كان لقب الراعي هو أحد الألقاب المحببة والدائم ذكره في حياة الرب على الأرض ففي الأناجيل نجد ذكر هذا اللقب مرات متكررة "لا تخف أيها القطيع الصغير لأن اباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت" (لو 12: 32). وضرب لهم مثلا أي إنسان فيكم له مئة خروف وأضاع واحدا منها ألا يترك والتسعة والتسعين في البرية ويذهب لأجل الضال حتى يجده، وإذا وجده يضعه على منكبيه، وفي عتاب الرب يسوع لسمعان بن يونا المكتوب في ختام بشارة معلمنا يوحنا نسمع الرب مخاطبا تلميذه ثلاث مرات قائلًا "أرع غنمى" على أنه يعتبر الأصحاح العاشر من هذه البشارة هو أروع وأعظم ما جاء ذكره عن الرب يسوع كراع صالح يرعى قطيعه ويغذيه ويحيمه ويبذل نفسه من أجله.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
عندما أعلن الرب يسوع عن نفسه أنه هو الراعي الصالح، كانت كل علاقة بين الراعي والقطيع تحمل ديناميكية معينة، هو يقدم والرعية تستقبل، هو يبذل نفسه وهي تستجيب، هو يتقدم وهي تتبع وتخضع.
فالعلاقة التي بين راعينا المحبوب وبين راعيته ليست علاقة غامضة وإنما هي علاقة شخصية محددة. انه يعطى لكل حمل اسما والأسم يعن الشخصانية. فالمعرفة اذن قوية وعميقة ومقدرة كل الظروف والأحوال. ولقد شبه عمق هذه المعرفة بالمعرفة التي بينه وبين أبيه الصالح إذ قال "أعرف خاصتى وخاصتى تعرفنى، كما أن الآب يعرفنى وأنا أعرف الآب". وصدى لهذه العلاقة العميقة يلزم للحمل أن يسمع صوت راعيه. يعيه جيدا، يطيعه تمامًا، يميزه عن أصوات الغرباء حتى لا يقع فريسة بين أيديهم. ان صوته يتميز بالبساطة والوضوح الهادى يقول النبي "إني أسمع ما يتكلم به الرب الإله. انه يتكلم بالسلام لشعبه وقديسيه".
يصف الرب الراعي الصالح بأنه يتقدم الخراف حاملًا عصاه وعكازه، والعصا قطعة قصيرة من الخشب تنتهي بقطعة معجنية ثقيلة، انها تستخدم كسلاح دفاعى لحماية القطيع من الذئاب واللصوص. والعكاز يحمل معنى المعونة والسند والحماية. يستند هو إليه ليستريح ويستخدم نهايته المقوسة كالخطاف في مسك الغنمة من رقبتها أو رجلها حينما تعبر بعيدا عنه. العصا والعكاز ليسا لتخويفنا وانما هي للدفاع والمعونة ويوحيان الينا بالثقة واليقين.
ازاء هذه الحماية يلزم للحملان ألا تتخلف عن راعيها، ولا تندفع وتسير أمامه في شعاب ملتوية حيث جحور الذئاب المفترسة.
وازاء هذا الأمان يلزم للحملان أن تتمتع بالسلام والطمأنينة ولا تخف شيئا لأن الراعي ساهر وأمين "ان سرت في وسط ظل الموت فلا أخاف شرا لأنك أنت معي".
انه لا يحميها فقط بل يعتنى بها، يقودها إلى مراعى خضراء، وعند مياه الراحة يربضها. تحت ظله تأكل وتنعم وترتوى بكل غنى وشبع واسترخاء.
يعطيها أكثر مما تطلب ومما تفتكر. ولكنها أيضًا مسئولة عن أن تحترس من الأعشاب السامة والمياة العفنة. كما تميز صوته عن الغريب فهي تميز أيضًا مرعاه عن السموم والمخاطر. لقد تعودت أن تسلم له قيادتها وهو أمين في كل معاملاته معها. يدخلها إلى الحظيرة كل مساء ويضع عصاه في طريق الباب حتى ينحنى كل خروف ويقف لحظة ليفحصه لئلا يكون قد أصابه ضرر هكذا تنبأ حزقيال عن هذه العلاقة بين الرب وشعبه (حز 34: 7- 31). فما أعظم محبته: أنه لا يغفل عن أن يبحث كل مطالبنا ويسد كل احتياجاتنا وطوبى للنفس التي تطيعه وتستسلم له انه تنال خلاصه المجانى العجيب.
في الأخطار يتقدم ويعرض نفسه للذئاب واللصوص: وقد رأينا داود يقتل أسدًا ودبًا. وفي السهر يجلس الليل كله عند باب الحظيرة وحارس إسرائيل لا ينعس ولا ينام... هو بنفسه قال عن ذاته أنا أضع نفسي عن الخراف... هذا يحبنى الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا. وكل من يحب راعيه يبذل حياته لأجل الآخرين لأنه مكتوب "لكي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام".
* مبارك الآب السماوي الذي مسرته في بذل ابنه لأجلنا.
* ومبارك ابنه الوحيد يسوع المسيح الذي بذل ذاته حتى الموت، موت الصليب لكي لا يهلك كل من يؤمن به.
* ومبارك الروح القدس الذي يرشدنا ويحكمنا وينير بصائرنا لنبقى جميعا رعية واحدة للراعي الواحد الصالح الذي له المجد الدائم آمين.
أيها الراعي الصالح الأمين أنت قلت إطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده. هل تسمح أن ترسل بقوة روحك القدوس لكل القطعان رعاة أمناء، يسهرون ويفتقدون ويبذلون، غير طالبين مغنما ولا مركزا ولا مالا ولا صيتا وسمعة ولكنهم يتمثلون بك وحدك ليكونوا ذبائح معدة لنموت كما هم أيضًا رعاة وقادة يتقدمون بك ومعك مسيرة شعبك نحو ميناء الخلاص.
_______
(2) توضيح من الموقع: هذه النقطة لم يكن مكتوبًا بجانبها رقم 4 في الكتاب المطبوع، ولكن تم وضعه من قِبَل الموقع.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bimen/christ-titles/good-shepherd.html
تقصير الرابط:
tak.la/rvx7w3q