St-Takla.org  >   books  >   adel-zekri  >   origen-free-will
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب أوريجانوس وحرية الإرادة والحتمية السوتيريولوجية - د. عادل زكري

15- هل هناك أهمية للسعي؟

 

أ‌- هل هناك أهمية للسعي؟

 

نأتي هنا لنقطة هامة، هل كان بولس يقلل من أهمية السعي، وهو الذي قال عن نفسه: ”قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ“ (2تي 4: 7)؟ في المبادئ يفسر أوريجانوس هذا النص بالربط مع (مزمور 127: 1): ”إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ، فَبَاطِلًا يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ. إِنْ لَمْ يَحْفَظِ الرَّبُّ الْمَدِينَةَ، فَبَاطِلًا يَسْهَرُ الْحَارِسُ“. ويشرح أوريجانوس بأنه من المؤكد أن المزمور لا يشجع على ”العزوف عن البناء أو السهر على حماية المدينة التي بداخلنا. بل يُستدل منه أن كل ما يُبنى بدون الله ويصان من دونه، أنما يُبنى عبثًا ويُصان بلا سبب“.[94] ويوضح أننا عندما نرى عمارة شاهقة نقول إنها بنيت بعون الله وقوته، وعندما نرى مدينة محصنة جيدًا واستطاعت دحر العدو نقول إن الله نجى هذه المدينة، فهذا لا ينفي جهود من بنوا العمارة أو مَن حرسوا المدينة. ثم يعقب أوريجانوس:

على هذا المنوال يجب أن نفهم كلمات الرسول: ليس ابتغاء الإنسان ليكفي حتى يُنجز الخلاص، ولا سعي المائت ليستطيع الحصول على الحقائق السماوية، ونيل إكليل المناداة السماوية الصادرة عن الله في المسيح يسوع، إلا إذا أحرزت إرادتنا الطيبة نفسها، وإصرار استعداداتنا، وكل ما فينا من طاقة على العمل، العون والسند من الله“.[95] وهنا يتضح إن السعي البشري له دور، ولكنه ليس كافيًا في حد ذاته.

St-Takla.org Image: A symbol arrow for growth, stock exchange, economy - by geralt. صورة في موقع الأنبا تكلا: رمز سهم يرتفع، النمو، البورصة، الاقتصاد - لجيرالت.

St-Takla.org Image: A symbol arrow for growth, stock exchange, economy - by geralt.

صورة في موقع الأنبا تكلا: رمز سهم يرتفع، النمو، البورصة، الاقتصاد - لجيرالت.

كما يربط أوريجانوس بكلام بولس في (1كو3: 7) ”لَيْسَ الْغَارِسُ شَيْئًا وَلاَ السَّاقِي، بَلِ اللهُ الَّذِي يُنْمِي“. ويشرح أنه من الكفر والهذر أن نقول إن الحارث هو من أخرج هذه الثمار، بل الله. ثم يعلق: ”كذلك في شأن كمالنا، لن يقوم له قائم إذا أحجمنا عن العمل لأجله، ولبثنا بطالين. ولكن إنجازه لا يُنسب إلينا، بل إلى الله الذي أتم الجزء الأكبر منه“.[96]

يسوق أوريجانوس تشبيهًا آخر عن مركب نجت من أخطار البحر، وأننا ننسب هذه النجاة إلى الرحمة الإلهية بالرغم من اجتهاد وتعب البحارة وغيرة القبطان، ”ولكن البحارة أنفسهم والقبطان لا يجرؤون على القول: قد أنقذتُ المركب. فهم يردون كل شيء إلى رحمة الله“.[97] ثم يعقب أوريجانوس: ”كذلك في مسيرة حياتنا علينا أن ننصرف إلى العمل، ونطلق غيرتنا وعملنا، ولكن ثمرة عملنا، أي الخلاص، فإنها تُرجى من لدن الله“.[98] نعمة الله تكمِّل سعينا الناقص. القديس يوحنا ذهبي الفم يرصد لنا بعض الناس الذين يفسرون آية (إر 10: 23) ”لَيْسَ لِلإِنْسَانِ طَرِيقُهُ. لَيْسَ لإِنْسَانٍ يَمْشِي أَنْ يَهْدِيَ خَطَوَاتِه“ بطريقة تنفي سعي الإنسان. فقال لهم ”أن نكمّل... حتى نصل إلى نهاية جهادنا، فهذا يعتمد على النعمة الإلهية“.[99] هذا لا يعني أن سعينا وجهادنا غير مطلوبين، لكن الله ”ترك القليل فقط يعتمد على جهادنا، بينما الجزء الأعظم يتممه ويكمله هو“.[100]

نفس الشيء يؤكده القديس جيروم في محاورته ضد البيلاجيين الذين ادعوا قدرة الإنسان على أن يصل إلى الكمال بالاعتماد على قدرة إرادته دون الحاجة إلى النعمة، إذ يقول:

دورنا أن نطلب، ودوره أن يمنح..

دورنا أن نبدأ، ودوره أن ينجز..

دورنا أن نقدّم ما نستطيعه،

ودوره أن يكمّل ما يتجاوز قدرتنا..“.[101]

ثم يختم أوريجانوس هذا الجزء بالتأكيد على أنه مع نفي حرية الإرادة لا معنى لتوبيخ بولس لمن سقطوا من الحق، ولا معنى لمديحه لمن ثبتوا على الإيمان، ولا معنى للوصايا التي يأمرنا الله بأن نطيعها.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

يواجه أوريجانوس اعتراضًا آخر إذ يقول المعترضون ”إن الإرادة من الله والعمل من الله، فسواء أردنا الخير وعملناه، أم الشر، فهو من الله. ولو كان الأمر كذلك فليس لنا حرية اختيار“.[102] وهذا الاعتراض فيه إشارة إلى (في 2: 13) ”لأن اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ. يجيب أوريجانوس أن بولس لا يعني أن إرادة أو فعل الخير أو الشر من الله، بل الإرادة والعمل كلاهما على وجه العموم من الله. فالله هو من خلقنا وجعلنا نتنفس ونتحرك وأصبح لنا إرادة. هذا يعني ”أن طاقتنا على الحركة تأتينا من الله“، ولا يعني الأمر أنه ”أننا متى حركنا يدنا مثلاً لكي نضرب إجحافًا، أو لكي نختلس، إنما يكون ذلك من الله، بل أن الطاقة على تحركنا تصدر عن الله“.[103] ونحن بعد ذلك نقرر كيف نستخدم هذه الطاقة إما في التحرك نحو الخير أو الشر.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[94] أوريجانوس، المبادئ 3: 1: 19.

[95] نفس المرجع السابق.

[96] نفس المرجع السابق.

[97] نفس المرجع السابق.

[98] نفس المرجع السابق.

[99] القديس يوحنا ذهبي الفم، الإنسان لا يختار طريقه، ترجمة د سعيد حكيم، ص 48.

[100] نفس المرجع السابق.

[101] القديس جيروم، محاورة ضد البيلاجيين 3: 1 (ترجمة عادل زكري، إصدار مدرسة الإسكندرية، تحت الطبع).

[102] أوريجانوس، المبادئ 3: 1: 20.

[103] نفس المرجع السابق.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/adel-zekri/origen-free-will/striving.html

تقصير الرابط:
tak.la/x2y7af5