1- لماذا رُفض إسرائيل؟
”أَقُولُ الصِّدْقَ فِي الْمَسِيحِ، لاَ أَكْذِبُ، وَضَمِيرِي شَاهِدٌ لِي بِالرُّوحِ الْقُدُسِ: إِنَّ لِي حُزْنًا عَظِيمًا وَوَجَعًا فِي قَلْبِي لاَ يَنْقَطِعُ. فَإِنِّي كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي مَحْرُومًا مِنَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ إِخْوَتِي أَنْسِبَائِي حَسَبَ الْجَسَدِ، الَّذِينَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ، وَلَهُمُ التَّبَنِّي وَالْمَجْدُ وَالْعُهُودُ وَالاشْتِرَاعُ وَالْعِبَادَةُ وَالْمَوَاعِيدُ، وَلَهُمُ الآبَاءُ، وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ، الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلهًا مُبَارَكًا إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ." (رو 9: 1- 5)
على الرغم أن بولس في نهاية أصحاح 8 (رو 8) يقول إنه لا شيء يمكن أن يفصله عن محبة المسيح، يُظهر بولس في هذا الجزء محبة وحزنًا على شعبه من اليهود بسبب رفضهم لقبول المسيح، ويتمنى لو صار محرومًا من المسيح. غير أن حزن بولس يدل على أن اليهود رفضوا رسالة المسيح بإرادتهم، وهو يتمنى لو قبلوها. يعلق أوريجانوس قائلاً: ”الويل لهم.. لأنه رُفِض مِن هؤلاء الذين تحدّر منهم بحسب الجسد، وقوبل مِن الأمم الذين لم يكن معروفًا لهم“.[60] لقد اختار الله هذا الشعب والدليل على ذلك كما يقول ذهبي الفم هو كل ما صنعه لهم وبإتيان المسيح منهم، غير أنهم ردوا الإحسان بالجحود.[61]
لكن إذا حاولنا الإجابة على سؤال: لماذا رُفض شعب إسرائيل من الله، بعد اختيارهم من الله، نتوجه قليلاً إلى تفسير رومية لأوريجانوس على الأصحاح 11، وهناك سنجد شروحات هامة حول هذه النقطة. يقول أوريجانوس إن بولس قال ”لَمْ يَرْفُضِ اللهُ شَعْبَهُ الَّذِي سَبَقَ فَعَرَفَهُ“ (رو 11: 2)، ”لأنهم رُفضوا ليس لأنهم جنس إسرائيل، ولكن لأنهم صاروا غير مؤمنين“.[62] وفي شرحه لآية ”بِزَلَّتِهِمْ صَارَ الْخَلاَصُ لِلأُمَمِ لإِغَارَتِهِمْ“ (رو 11: 11)، يقول أوريجانوس:”إن ذلة إسرائيل لم تكن من طبيعة تحتم عليهم أن يسقطوا“[63] بل عندما يرون إيمان الأمم تتولد لديهم الغيرة على ناموسهم وأنبيائهم.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
يعلق أوريجانوس على كلام بولس بأن بعض الأغصان في الزيتونة (اليهود) قد قُطعت، وقد طُعمت فيها الزيتونة البرية (الأمم)، موضحًا السبب في (رومية 11: 20) ”مِنْ أَجْلِ عَدَمِ الإِيمَانِ قُطِعَتْ، وَأَنْتَ بِالإِيمَانِ ثَبَتَّ“. ثم يعلق أوريجانوس: ”لا أدري كيف هؤلاء الذين خرجوا من مدرسة فالنتينوس وباسليدس؛ إذ أخفقوا في سماع ما قاله بولس هنا، يتخيلون أنه توجد طبيعة للنفوس ستخلص ولن تهلك في أي حال من الأحوال، وطبيعة أخرى ستهلك ولن تخلص إلى أبدًا“.[64]
ثم يعود فيؤكد أنه ”توجد طبيعة واحدة لكل البشر.. وهي مناسبة بالتساوي للخلاص، وإذا صارت مهملة فللهلاك“.[65] وأن ”كل إنسان، بحسب دوافع اختياره الخاص، سيوصف بأنه زيتونة صالحة إذا سلك طريق الفضيلة، أو يدعى زيتونة برية إذا اتبع الطريق العكسي“[66] ثم يقتبس من كلام المخلص ”اِجْعَلُوا الشَّجَرَةَ جَيِّدَةً وَثَمَرَهَا جَيِّدًا، أَوِ اجْعَلُوا الشَّجَرَةَ رَدِيَّةً وَثَمَرَهَا رَدِيًّا“ (مت 12: 33)، والسبب في ذلك يصفه أوريجانوس ببلاغة وإيجاز ”أن الشجرة، جيدة أو ردية، تُصنع ولا تولد“.[67] وبوضوح شديد مرة أخرى: ”كل واحد يصير إمّا زيتونة جيدة أو زيتونة برية بقوة الاختيار“،[68] سواء من بني إسرائيل أو من الأمم. يدافع أوريجانوس عن حرية الإرادة باستماتة ويقول”حرية الإرادة هي التي تصنع طبيعة كل شخص، سواء من زيتونة برية أو من زيتونة جيدة“.[69] وبذلك نرى بوضوح أن أوريجانوس يرفض الحتمية السوتيريولوجية التي تفرضها نظرية الطبائع الغنوصية، ويؤكد على مساواة البشر في الطبيعة، وأن المصير متعلق بحرية الاختيار. في المقابل يقول كالفن بوضوح شديد: ”لم يخلق (الله) الجميع في حالة من المساواة؛ بل عيَّن البعض سابقًا للحياة الأبدية، والبعض الآخر للدينونة الأبدية“.[70]
_____
[60] أوريجانوس، تفسير رومية 7: 13: 8.
[61] يوحنا ذهبي الفم، تفسير رومية عظة 17: 3.
[62] أوريجانوس، تفسير رومية 8: 7: 2.
[63] أوريجانوس، تفسير رومية 8: 9: 2.
[64] أوريجانوس، تفسير رومية 8: 11: 2.
[65] أوريجانوس، تفسير رومية 8: 11: 3.
[66] أوريجانوس، تفسير رومية 8: 11: 4.
[67] نفس المرجع السابق.
[68] نفس المرجع السابق 8: 11: 7.
[69] نفس المرجع 8: 11: 11.
[70] Institutes 3: 21: 5.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/adel-zekri/origen-free-will/israel-rejected.html
تقصير الرابط:
tak.la/am2wps2