لقد ثبت وتبين بوضوح أن قضية حرية الإرادة هي مركز الفكر اللاهوتي عند أوريجانوس وآباء الكنيسة بشكل عام.[131] حتى أن البعض يعتبر أوريجانوس المناصر الأعظم واللاهوتي الأول لحرية الإرادة دون منازع. لقد أكد على أن حرية الاختيار هي واحدة من أهم العقائد الأساسية التي سُلمت لنا عن طريق الرسل في قاعدة الإيمان. كما يتفق أوريجانوس مع التقليد الآبائي السابق له، عازفًا على نفس الوتر واللحن الإيماني الذي ليوستين الشهيد وإيريناؤس وإكليمندس السكندري.
 |
إن حرية الاختيار عند أوريجانوس أمر لا غنى عنه في البناء الأخلاقي لهذا العالم الذي نعيش فيه، ولا غنى عنه أيضًا لمنطقية الدينونة الإلهية، ومصداقية الله في إعطائنا وصاياه وتوقعه منّا أن نطيعها. هذه القناعة الصلبة لعطية الله التي أودعها فينا، أي حرية الإرادة- ستمكنّه من دحض العديد من النظريات الهرطوقية والفلسفية في زمانه، على سبيل المثال، نظرية العوالم المتعددة، والحتمية النجمية عند الرواقيين. كما أنه رفض تقريبًا، أو كان مترددًا بشدة، بشأن عقيدة الأبوكتاستاسيس (أو الخلاص الشامل)، مرة أخرى على أساس اعتقاده بحرية الاختيار، وأن الله ليس عنده إجبار أو إكراه. كما أنه قام بتفنيد النظرية الغنوسية عن الطبائع وما يترتب عليها من حتمية سوتيريولوجية في سياق شرحه لرسالة رومية.
أكد أوريجانوس أنه لا وجود لفكرة طبائع النفوس التي تخلُص حتمًا أو التي تهلك حتمًا، بل هناك طبيعة واحدة لكل البشر. وكل إنسان بحسب حركة قصده الخاص سيكون إما زيتونة صالحة أو زيتونة شريرة. الطبيعة ليست هي علة البر أو الإثم. الطبيعة تُصنع ولا تُولد.
ولذلك دحض أوريجانوس وآباء الكنيسة أي نوع من الحتمية السوتيريولوجية، كما أنه دحض أي خلاص مبني على الدعوة فقط، مؤكدًا إمكانية النكوص من بعد الدعوة. إن دعوة الله في نظر أوريجانوس تحتاج إلى تربة خصبة وتمهيد حتى تثمر بثمرة الخلاص. كما أنه استثنى أي فكرة للاختيار الذي ينفي حرية الإرادة. كما أنه أنكر التبرير المبني على العلم الإلهي فقط. بل نادى بأن سبق المعرفة الإلهية لا تعني أن الله يسبق فيعين ما سيحدث في المستقبل، وقد اتبع آباء الكنيسة اللاحقون هذا الموقف اللاهوتي.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
في تفسيره لرومية أكد أوريجانوس على أهمية السعي الإنساني، مشددًا على أن سبق التعيين مبني على سبق المعرفة الإلهية للأعمال. هذه النظرة عن أن اختيار الله يحدث بناء على سبق المعرفة بالأعمال أصبح سائدًا فيما بعد عند الآباء الشرقيين.
يبدو أن أوريجانوس في تفسيره المتطور لرومية قد رفض سبق التعيين المبني على استحقاقات النفس في وجودها السابق. وهو هنا يظهر كمَن هجر مقاربته الفلسفية في كتابه ”المبادئ“ لصالح مقاربة أكثر كتابية في تفسيره لرومية. كما أكد على أهمية جهادنا، مع التأكيد أيضًا على أن الخلاص يُرتجى كعطية من الله. وقد صاغ نظرته السوتيريولوجية حول مفهوم السينرجيا أو التآزر بين السعي البشري والنعمة الإلهية، حتى وإن كانت النعمة الإلهية هي التي تقوم بالجزء الأكبر. في النهاية أقول إنه بوسعنا أن ننهل من كنوز تراثنا الآبائي في شروحاتهم، ومن كتابات أوريجانوس وآباء الكنيسة، لتفنيد أي شكل من أشكال الحتمية السوتيريولوجية التي تظهر في عصرنا الحالي.
وأخيرًا لا يمكن للفكر المصلح البروتستانتي الاعتماد على أوريجانوس أو آباء الكنيسة (ربما باستثناء أغسطينوس) في إثبات عقيدة سبق التعيين المزدوج، أو الكلام عن ضمان القديسين، أو التبرير بالإيمان فقط دون الأعمال. لقد تبيّن أن أوريجانوس يُعدد سباقًا بفكرة المنظور الجديد لبولس خاصة بشأن المقصود بالأعمال كما بينّا في هذا الدراسة.
_____
[131] Richard A. Shenk, The Wonder of the Cross: The God Who Uses Evil and Suffering to Destroy Evil and Suffering (Wipf and Stock Publishers, 2013), p. 21.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/adel-zekri/origen-free-will/conclusion.html
تقصير الرابط:
tak.la/hqbts54
