St-Takla.org  >   books  >   adel-zekri  >   origen-free-will
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب أوريجانوس وحرية الإرادة والحتمية السوتيريولوجية - د. عادل زكري

19- أعمال بر الله

 

5- أعمال بر الله (رو 9: 27- 33)

 

”وَإِشَعْيَاءُ يَصْرُخُ مِنْ جِهَةِ إِسْرَائِيلَ: «وَإِنْ كَانَ عَدَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ، فَالْبَقِيَّةُ سَتَخْلُصُ. لأَنَّهُ مُتَمِّمُ أَمْرٍ وَقَاضٍ بِالْبِرِّ. لأَنَّ الرَّبَّ يَصْنَعُ أَمْرًا مَقْضِيًّا بِهِ عَلَى الأَرْضِ». وَكَمَا سَبَقَ إِشَعْيَاءُ فَقَالَ: «لَوْلاَ أَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ أَبْقَى لَنَا نَسْلًا، لَصِرْنَا مِثْلَ سَدُومَ وَشَابَهْنَا عَمُورَةَ». فَمَاذَا نَقُولُ؟ إِنَّ الأُمَمَ الَّذِينَ لَمْ يَسْعَوْا فِي أَثَرِ الْبِرِّ أَدْرَكُوا الْبِرَّ، الْبِرَّ الَّذِي بِالإِيمَانِ. وَلكِنَّ إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ يَسْعَى فِي أَثَرِ نَامُوسِ الْبِرِّ، لَمْ يُدْرِكْ نَامُوسَ الْبِرِّ! لِمَاذَا؟ لأَنَّهُ فَعَلَ ذلِكَ لَيْسَ بِالإِيمَانِ، بَلْ كَأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. فَإِنَّهُمُ اصْطَدَمُوا بِحَجَرِ الصَّدْمَةِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «هَا أَنَا أَضَعُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ، وَكُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى»

مرة أخرى يشرح أوريجانوس أن بولس هنا يؤكد ما توصل إليه من استنتاجات في النص السابق من خلال اقتباس (إشعياء 10: 22) في (رو 9: 27) ”وَإِنْ كَانَ عَدَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ، فَالْبَقِيَّةُ سَتَخْلُص“، ثم يوضح أن إشعياء رأى أن معظم إسرائيل سيصيرون آنية للغضب بسبب قلبهم القاسي وغير التائب، إذ رفضوا المسيح وصلبوه. لكن البقية ستخلُص.

St-Takla.org Image: Our Lord Jesus Christ Pantocrator (image 3), icon and fresco art - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 29 August 2023. صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد يسوع المسيح الضابط الكل (صورة 3)، أيقونة ولوحة حائطية - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 29 أغسطس 2023 م.

St-Takla.org Image: Our Lord Jesus Christ Pantocrator (image 3), icon and fresco art - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 29 August 2023.

صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد يسوع المسيح الضابط الكل (صورة 3)، أيقونة ولوحة حائطية - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 29 أغسطس 2023 م.

ثم يقول بولس إن الأمم الذين لم يكونوا يسعون إلى البر قد نالوا البر الذي من الإيمان، وهنا يرى أوريجانوس أن هذا يبدو متعارضًا مع ما قاله سابقًا: ”سواء أن كل شخص لا بُد أن يُطهر وينقي نفسه ليصبح إناءً نافعًا وإناء رحمة، أو مع ما ناقشناه سابقًا عن أن الأمم قد استخدموا الناموس الطبيعي الذي يحتوي بلا شك على البر“.[122] كيف سيوفق أوريجانوس بين الأمرين المتناقضين؟ يقول أوريجانوس إنه: ”أن تسعى لشيء فهذا أمر، وأن تجعل هذا الشيء فطريًا لديك فهذا أمر آخر... لذلك لم يُقال عن الأمم أنهم سعوا في أثر البر، لأنه لم يكن لديهم ناموس مكتوب على ألواح أو في أسفار. ومع ذلك فما علَّمه أياهم الناموس الطبيعي فقد كان فطريًا لهم“.[123]

أما بالنسبة إلى اليهود، فكيف اتبع إسرائيل ناموسًا يؤدي إلى البر ومع ذلك لم يصلوا إلى ذلك؟ يشرح بولس هذا الأمر بأنهم اتبعوه ليس بإيمان بل ”كما لو كان مبنيًا على أعمال“ (قارن رو 9: 32). يؤكد أوريجانوس على أهمية الأعمال عبر تفسيره لرسالة رومية، ولذلك كيف سيوفق بين الأمرين؟ يقول أوريجانوس: ”كانوا يسعون في أثر ناموس ليس بحسب أعمال بر الله، وإنما بحسب أعمال برهم الخاص“.[124] وهذه هي إجابة أوريجانوس، ليس بإنكار أهمية الأعمال وضرورة السعي والجهاد، بل بشجب الأعمال التي تؤدي إلى شعور بالبر الذاتي.

أي نوع من الأعمال يشجبها بولس؟ لإجابة هذا السؤال علينا أن نتوجه إلى شرح أوريجانوس على الآية التي تقول ”فَإِنْ كَانَ بِالنِّعْمَةِ فَلَيْسَ بَعْدُ بِالأَعْمَالِ، وَإِلاَّ فَلَيْسَتِ النِّعْمَةُ بَعْدُ نِعْمَةً“ (رو 11: 6). يعلق أوريجانوس على هذا قائلاً: ”يجب أن يعلم المرء أن الأعمال التي يرفضها بولس وكثيرًا ما ينتقدها ليست هي أعمال البر الموصى بها في الناموس، وإنما تلك الأعمال التي يتفاخر بها مَن يحفظون الناموس بحسب الجسد. أي ختان الجسد، والطقوس الذبائحية، وحفظ السبوت، أو احتفالات رؤوس الشهور. هذه إذن وكذلك الأعمال من هذه النوعية هي التي على أساسها يقول إنه بها لا يمكن أن يخلص أحد“.[125]

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

يلاحظ Mark Reasoner أن أوريجانوس هو ”رائد سباق لحركة المنظور الجديد لبولس [126] New Perspective on Paul والتي تنادي بأن تعبير بولس ”"ليس بأعمال" يعني في المعتاد ليس أعمال الناموس التي تفصل ظاهريًا بين الشعب اليهودي والأمم. لا يفصل أوريجانوس بين الإيمان والأعمال الصالحة. فالأعمال الصالحة ضرورية للخلاص، لكنها لا تمثل مبررًا للتباهي“.[127]

كما يشير بوضوح Thomas Scheck في مقدمته للترجمة الإنجليزية لتفسير أوريجانوس لرومية أن أوريجانوس يصر على أن الإيمان والأعمال مرتبطان بشكل غير قابل للانفصام.[128] يقول أوريجانوس: ”لا يتبرر أحد أمام الله بالأعمال بدون الإيمان“،[129] وهو أيضًا مَن يقول: ”ترون إذن في كل موضع يرتبط الإيمان بالأعمال، والأعمال تقترن بالإيمان“.[130]

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[122] أوريجانوس، تفسير رومية  7: 19: 6.

[123] نفس المرجع السابق.

[124] أوريجانوس، تفسير رومية  7: 19: 7.

[125] أوريجانوس، تفسير رومية  8: 8: 6.

[126] المنظور الجديد لبولس، هي حركة في مجال الدراسات الكتابية بدأها لاهوتي يسمى ساندرز E P Sanders والذي من خلال دراساته على اليهودية في القرن الأول في منطقة فلسطين توصل إلى أن اليهود لا يؤمنون بفكرة الخلاص بالأعمال بالصورة التي أشاعها المصلحون البروتستانت، الذين شددوا على فكرة الخلاص بالإيمان فقط. وقال ساندرز ومن اتبعوا هذه الحركة أن اليهودية في زمن بولس أن الدخول في العهد هو بالنعمة فقط، لكن الأعمال ضرورية للبقاء في العهد. هذه الحركة رأت -مثل أوريجانوس هنا- أن بولس ليس لديه مشكلة على الإطلاق مع جهاد الإنسان والسعي البشري والأعمال، بل أن الأعمال التي يرفضها بولس هي أعمال الناموس الطقسي الذبائحي وليس الناموس الأخلاقي والأعمال الصالحة. كما يرى البعض أن المصلحين البروتستانت قد تأثرت نظرتهم لهذا الأمر بسبب السلبيات التي كانت في الكنيسة الكاثوليكية في ذلك الوقت.

[127]  Mark Reasoner, Romans in Full Circle: A History of Interpretation (Louisville, Ky: Westminster John Knox Press, 2005), p. 25.

[128] Origen, Comm. On Romans, introduction, p. 35.

[129] أوريجانوس، تفسير رومية  2: 13: 23.

[130] نفس المرجع السابق.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/adel-zekri/origen-free-will/acts-of-gods-righteousness.html

تقصير الرابط:
tak.la/fb24a22