St-Takla.org  >   books  >   adel-zekri  >   basil-judgment-of-god
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب عن دينونة الله، القديس باسليوس الكبير - ترجمة: د. عادل زكري

5- أمثلة لعصيان الله في العهد القديم

 

في ضوء كل هذه الأقوال وغيرها الكثير التي سأمر عليها دون تعليق، من الواضح جدًا ومن الهام جدًا بلا شك أن تتحقق الوحدة بالكامل في الكنيسة كلها دُفعة واحدة، بحسب مشيئة المسيح في الروح القدس. وعلى الجانب الآخر فإن عصيان الله من خلال الشقاق لهو خطر شديد ومهلك (لأن الإنجيلي يقول: ”الَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ“ يو 3: 36)، لدرجة أنني اعتقدت أن الاستنتاج التالي يمكن استنباطه: أيًا كانت الخطايا التي يستطيع إنسانٌ أن ينال عليها غفرانًا من الله، أو أيًا كان عددها أو فداحتها، فهذا الإنسان في كل الأحوال عرضة للدينونة بسبب التمرد.

وبناء على ذلك أجد أنه بالرجوع إلى الكتاب المقدس فإن التمرد ضد الله في العهدين القديم والجديد يُدان بوضوح، ليس من جهة عدد أو شناعة التعديات، وإنما أيضًا من جهة الانتهاك لمرة واحدة لأي وصية من الوصايا، وكذلك فإن دينونة الله تشمل كل أشكال العصيان.

في العهد القديم أقرأ عن النهاية المخيفة لعخان،[9] وقصة الرجل الذي جمع الحطب في يوم السبت.[10] لم يكن أحد هذين الرجلين مذنبًا بأية معصية أخرى ضد الله، ولم يسيئا لأي إنسان بأي وجه، صغيرًا أو كبيرًا، لكن أحدهما لمجرد أنه جمع الحطب لأول مرة فقد تكبد عقوبة لا إفلات منها، ولم يحظَ بفرصة ليصحح ما قام به لأنه بحسب وصية الله رُجم على الفور على يد شعبه كله.

أما الرجل الآخر فلأنه فقط سرق جزءًا من التقدمات الذبائحية برغم أنها لم تُحضر بعد إلى المجمع، ولم تُقبل لدى مَن يؤدون هذه الوظيفة، فقد صار هذا سببًا ليس لهلاكه فقط، وإنما لهلاك زوجته وأولاده وبيته، فضلاً عن المقتنيات الشخصية. كذلك التبعات الشريرة لخطيته كانت ستنتشر في الحال مثل النار في شعبه -وهذا أيضًا برغم أن الشعب لم يكن يعرف ماذا حدث، ولم يبرئوا الخاطئ- لو لم يضرب الخوف شعبه بعدما استشعروا غضب الله بسبب هلاك الناس المقتولين، وأيضًا لو لم ينطرح يشوع بن نون على وجهه مع الشيوخ إذ كان يضع التراب على رأسه،[11] ولو لم يسدد المجرم العقوبة المذكورة سابقًا، بعد اكتشافه بالقرعة.

St-Takla.org Image: Achan's sin - from "The Story of the Bible". book by Charles Foster, Drawings by F.B. Schell and others, 1873. صورة في موقع الأنبا تكلا: خطية عخان - من كتاب "قصة الإنجيل"، إصدار تشارلز فوستر، رسم ف. ب. شيل وآخرون، 1873 م.

St-Takla.org Image: Achan's sin - from "The Story of the Bible". book by Charles Foster, Drawings by F.B. Schell and others, 1873.

صورة في موقع الأنبا تكلا: خطية عخان - من كتاب "قصة الإنجيل"، إصدار تشارلز فوستر، رسم ف. ب. شيل وآخرون، 1873 م.

ربما سيعترض أحدهم بأن هؤلاء الأشخاص قد يُظن فيهم خطايا أخرى، وهذا منطقي، وقد لحقتهم هذه العقوبات بسببها، لكن الكتاب المقدس ذكر هذه الخطايا فقط، باعتبارها خطايا خطيرة تستحق الموت. ولو كان أحد لديه الجسارة المفرطة ليضيف أو يحذف في القصة الكتابية، ما كان ليتهم مريم أخت موسى بارتكاب خطايا عديدة والتي في رأيي فضيلتها معروفة جيدًا لكل المؤمنين. وبرغم أنها قالت فقط شيئًا عن موسى بطريق اللوم وكان حقيقة (فقد قالت ”لأَنَّهُ كَانَ قَدِ اتَّخَذَ امْرَأَةً كُوشِيَّةً“ -عد 12: 1) فقد طالها غضب الله لدرجة أن العقوبة لم تُرفع حتى مع شفاعة موسى نفسه.

كذلك موسى أيضًا عبد الله، وأحد الآباء العظام الذي اعتبره الله مستحقًا لكرامة كبيرة ورفيعة، وقد امتُدح مرات كثيرة بشهادة الله نفسه، حتى قيل عنه: ”عَرَفْتُكَ بِاسْمِكَ، وَوَجَدْتَ أَيْضًا نِعْمَةً فِي عَيْنَيَّ“ (خر 33: 12). حتى موسى أراه في مياه مريبة ليس لأي سبب آخر سوى أنه قال فقط لشعبه الذين كانوا يتذمرون لعدم توفر المياه: ”أَمِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ نُخْرِجُ لَكُمْ مَاءً؟“ (عد 20: 10). من أجل هذا فقط نال مباشرة التهديد بأنه لن يدخل أرض الموعد، وهو ما كان وقتها ذروة كل المواعيد المعطاة لليهود.

عندما أنظر هذا الرجل وهو يطلب العفو ولا يحصل عليه، عندما أراه وقد اعتُبر غير مستحق للغفران بسبب هذه الكلمات القليلة، حتى في ظل الكثير جدًا من أعماله البارة، فإنني أميز بوضوح كلام الرسول عن صرامة الله،[12] وأقتنع جدًا بأن الكلمات التالية صحيحة: ”إِنْ كَانَ الْبَارُّ بِالْجَهْدِ يَخْلُصُ، فَالْفَاجِرُ وَالْخَاطِئُ أَيْنَ يَظْهَرَانِ؟“ (1بط 4: 18). ولماذا أختار هذه التحذيرات باعتبارها مؤثرة؟ لأنه حين أسمع أن الحكم الإلهي المخيف الذي نُطق ضد مَن يتعدى سهوًا على وصية واحدة فقط، لا أعرف كيف أخشى بقدر كافٍ من شدة غضبه. مكتوب: ”إِذَا أَخْطَأَ أَحَدٌ وَعَمِلَ وَاحِدَةً مِنْ جَمِيعِ مَنَاهِي الرَّبِّ الَّتِي لاَ يَنْبَغِي عَمَلُهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ، كَانَ مُذْنِبًا وَحَمَلَ ذَنْبَهُ. فَيَأْتِي بِكَبْشٍ صَحِيحٍ مِنَ الْغَنَمِ بِتَقْوِيمِكَ، ذَبِيحَةَ إِثْمٍ، إِلَى الْكَاهِنِ، فَيُكَفِّرُ عَنْهُ الْكَاهِنُ مِنْ سَهْوِهِ الَّذِي سَهَا وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، فَيُصْفَحُ عَنْهُ. إِنَّهُ ذَبِيحَةُ إِثْمٍ. قَدْ أَثِمَ إِثْمًا إِلَى الرَّبِّ“ (لا 5: 17- 19).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

غير أنه إذا كانت دينونة الخطايا التي تُرتكب سهوًا قاسية جدًا هكذا، والذبيحة ضرورية للتكفير عنها، وهي الحقيقة التي يشهد عنها أيوب أيضًا بتقديم ذبائح نيابة عن أبنائه،[13] فماذا يُقال عن الذين يرتكبون الخطية عمدًا، أو الذين بصمتهم يرضخون إلى أفعال الآخرين الشريرة ؟

وحتى لا أبدو أنني أستنبط نتائج عن عدم رضا الله بشأنهم من التخمينات فقط، لا بُد أن نستدعي إلى الذهن ثانية الكتاب المقدس نفسه، الذي بمقدوره أن يفي بالغرض الحالي عندما يظهر في حالة تاريخية واحدة المصير الذي أعلنه على هؤلاء الناس. يقول الكتاب المقدس: ”وَكَانَ بَنُو عَالِي بَنِي بَلِيَّعَالَ“ (1صم 2: 12)، ولأن أباهم لم يؤدبهم بصرامة كافية لتصرفهم هكذا، فإنه حوَّل أناة الله إلى غضب عظيم جدًا حتى أن الشعوب الغريبة قامت ضدهم، وذبحوا أبناءه في الحرب في يوم واحد. كذلك أمته كلها هُزمت وسقط عدد كبير من الشعب.

هذا حدث أيضًا لتابوت عهد الرب المقدس -شيء لم يُسمع به- بحيث إن التابوت الذي لم يكن مشرعًا في أي وقت لبني إسرائيل أو حتى لكل كهنتهم أنفسهم أن يلمسوه، وكان يُحفظ في مكان خاص، لكنه كان يُحمل هنا وهناك بأيدٍ غير طاهرة، ووضع في أضرحة أوثان بدلاً من الهياكل المقدسة. وفي ظل هذه الظروف لا يمكن للمرء بسهولة أن يخمن مقدار الضحك والسخرية الذي حلَّ على اسم الرب بواسطة هؤلاء الغرباء. أضف إلى ذلك أيضًا عالي نفسه قيل إنه مُني بنهاية مثيرة للشفقة بعد سماع التهديد بأن ذريته ستُنزع من الكرامة الكهنوتية، ثم حدث هذا بالفعل.

وبالتالي هذه هي المصائب التي حلت بهذه الأمة. هذه هي الأحزان التي تكبدها هذا الأب بسبب إثم ابنيه، برغم أنه لم يوجَّه أي اتهام يخص حياته الشخصية. كذلك لم يتحمل هذين الابنين في صمت، لكنه نصحهما بحرارة بألا يستمرا في تلك الأفعال الآثمة قائلاً لهما: ”لاَ يَا بَنِيَّ، لأَنَّهُ لَيْسَ حَسَنًا الْخَبَرُ الَّذِي أَسْمَعُ“ (1صم 2: 24). ولكي يؤكد فداحة خطيتهما، واجههما برأي مرعب عن حالتهما الخطيرة قائلاً: ”إِذَا أَخْطَأَ إِنْسَانٌ إِلَى إِنْسَانٍ يَدِينُهُ اللهُ. فَإِنْ أَخْطَأَ إِنْسَانٌ إِلَى الرَّبِّ فَمَنْ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِهِ؟“ (1صم 2: 25). غير أني كما قلت، بسبب أنه لم يمارس قدرًا مناسبًا من الحمية تجاههم، فقد حدثت الكارثة المذكورة سابقًا.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[9] قارن (يش 7: 19، 26).

[10] قارن (عد 15: 32- 36).

[11] قارن (يش 7: 6).

[12] قارن (رو 11: 22).

[13] قارن (أي 1: 5).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/adel-zekri/basil-judgment-of-god/disobeying-old-testament.html

تقصير الرابط:
tak.la/kzrr9fg