من المؤكد أنه قال بالتأكيد ويواصل القول أيضًا: ”اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ قَانِيَهُ وَالْحِمَارُ مِعْلَفَ صَاحِبِهِ، أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَعْرِفُ. شَعْبِي لاَ يَفْهَمُ“ (إش 1: 3)، وتوجد أقوال كثيرة أخرى من هذا النوع. تأمل أكثر هذه الكلمات الرسولية: ”إِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ“ (1كو12: 26). وبالمثل هذا القول: ”لِكَيْ لاَ يَكُونَ انْشِقَاقٌ فِي الْجَسَدِ، بَلْ تَهْتَمُّ الأَعْضَاءُ اهْتِمَامًا وَاحِدًا بَعْضُهَا لِبَعْضٍ“ (1كو 12: 25)، بمعنى أن تتحرك هذه الأعضاء بالنفس الواحدة الساكنة فيها. فلأي سبب أوجب هذا؟ في رأيي، حتى يوجد ذلك التآلف وذلك التناغم بدرجة بارزة في كنيسة الله التي وجِّهت لها هذه الكلمات: ”وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَادًا“ (1كو 12: 27)- أي أن الرأس الواحد الوحيد الحقيقي، الذي هو المسيح، يمارس سيادته على الأعضاء ويوحدها، كل منها مع الآخر، في اتفاق متناغم.
غير أن الذين لا يثبت التناغم فيما بينهم، فإن رابطة السلام لا تدوم لهم، ولا تبقى لطافة الروح، بل يوجد الشقاق والصراع والمناكفة. وسيكون من الوقاحة الشديدة أن نسمي هؤلاء الأشخاص ”أعضاء المسيح“، أو حتى نقول إنه يسودهم، لكن سيكون تعبيرًا عن ذهن أمين أن نقول علانية أن حكمة الجسد هي السيد هنا، وهي التي تمارس سيادة ملوكية، بحسب كلمات الرسول الذي يقول بشكل حاسم: ”الَّذِي تُقَدِّمُونَ ذَوَاتِكُمْ لَهُ عَبِيدًا لِلطَّاعَةِ، أَنْتُمْ عَبِيدٌ لِلَّذِي تُطِيعُونَهُ“ (رو 6: 16)، ويعدِّد بوضوح السمات المميزة لهذه الحكمة حين يقول: ”فَإِنَّهُ إِذْ فِيكُمْ حَسَدٌ وَخِصَامٌ وَانْشِقَاقٌ، أَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ؟“ (1كو 3: 3). وفي نفس الوقت يعلِّم ويشدد على النتيجة الفادحة التي تؤدي إليها هذه الرذائل، وعدم توافقها مع القداسة، بهذه الكلمات: ”لأَنَّ حكمة الْجَسَدِ هي عَدَاوَةٌ للهِ، إِذْ لَيْسَ هُوَ خَاضِعًا لِنَامُوسِ اللهِ، لأَنَّهُ أَيْضًا لاَ يَسْتَطِيعُ“،[6] لذلك يقول الرب: ”لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ“ (مت 6: 24).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
إن ابن الله الوحيد، ربنا وإلهنا، يسوع المسيح، الذي خُلقت به كل الأشياء، هو أيضًا قد صرخ قائلاً: ”لأَنِّي قَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ، لَيْسَ لأَعْمَلَ مَشِيئَتِي، بَلْ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي“ (يو 6: 38)، وأيضًا ”لَسْتُ أَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ نَفْسِي“ (يو 8: 28)، وأيضًا ”الآب الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ أَعْطَانِي وَصِيَّةً: مَاذَا أَقُولُ وَبِمَاذَا أَتَكَلَّمُ“ (يو 12: 49). وبالمثل حين يوزِّع الروح القدس عطاياه العظيمة والرائعة، ويتمم الكل في الكل، لا يقول شيئًا من ذاته، بل كل ما يسمعه مِن الرب يتحدث به.[7] ألا يوجد إلزام أعظم على كنيسة الله كلها أن تكون غيورة في الحفاظ على وحدة الروح القدس في رباط السلام،[8] وتتمم هذه الكلمات الواردة في سفر الأعمال: ”وَكَانَ لِجُمْهُورِ الَّذِينَ آمَنُوا قَلْبٌ وَاحِدٌ وَنَفْسٌ وَاحِدَةٌ“ (أع 4: 32)؟ وهذا يعني أنه لا أحد كان يعطي أولوية لمشيئته، بل الجميع في الروح القدس الواحد كانوا يطلبون مشيئة ربهم الواحد يسوع المسيح الذي قال: ”لأَنِّي قَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ، لَيْسَ لأَعْمَلَ مَشِيئَتِي، بَلْ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي“ (يو 6: 38)، الذي قال له: ”لَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ هؤُلاَءِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي بِكَلاَمِهِمْ، لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا“ (يو 17: 20، 21).
_____
[6] قارن (رو 8: 7).
[7] قارن (يو 16: 13).
[8] قارن (أف 4: 3).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/adel-zekri/basil-judgment-of-god/harmony.html
تقصير الرابط:
tak.la/43wbryq