(18) الرجال المتعلمون والأتقياء قد تناولوا بالفعل موضوع الآب والابن في أعمال عديدة. وبقدر ما هو في الإمكان البشري سعوا إلى أن يبيِّنوا في كتاباتهم كيف أن الآب والابن ليسا أقنومًا واحدًا، بل هما طبيعة واحدة. وأشاروا إلى ما هو خاص بالآب وما هو خاص بالابن وكيف أن الأول هو الوالد، والثاني هو المولود. الأول لا يحصل على أصله من الابن، والثاني أصله في الآب. الأول هو مبدأ الابن،[33] ولهذا السبب يُدعى ”رأس المسيح“،[34] لكن المسيح يُدعى المبدأ (البدء)[35] ولكن ليس للآب. الثاني (الابن) يُدعى صورة الأول (الآب)،[36] برغم أنه لا يختلف في أي شيء ويتمتع بمساواة مطلقة. هذه الأمور عولجت بإسهاب طويل بواسطة مَن لا يهدفون إلى تقديم شرح موجز للإيمان المسيحي بجملته كما نفعل نحن.
لذلك بقدر ما هو الابن فهو يحصل على وجوده من الآب، بينما الآب لا يحصل على وجوده منه. تصريحات كثيرة موجودة في الأسفار المقدسة بشأن الابن من جهة أنه، في رحمته غير الموصوفة وما يتفق مع تدبيره الزمني، أخذ طبيعة بشرية، طبيعة مخلوقة، ومُعيَّنة لتحول أكثر مجدًا. هذه التصريحات صيغت بطريقة ما بحيث يمكن أن تضلل الأذهان غير التقية التي للهراطقة الذين يريدون أن يعلِّموا قبل أن يفهموا.
مثل هذه التعبيرات تقودهم إلى الإيمان بأن الابن ليس مساويًا للآب ولا واحدًا معه في الجوهر، مثل: ”لأَنَّ أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي“ (يو 14: 28)، و”رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ“ (1كو 11: 3)، و”حِينَئِذٍ الابْنُ نَفْسُهُ أَيْضًا سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ“ (1كو 15: 28)، و”إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلهِي وَإِلهِكُمْ“ (يو 20: 17). وهناك عبارات أخرى مشابهة، لكن ليس فيهم ما صيغ ليشير إلى عدم مساواة في الطبيعة والجوهر. وإلا فهذه العبارات التالية لن تكون صحيحة: ”أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ“ (يو 10: 30)، و”اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ“ (يو 14: 9)، و”كَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ“ (يو1: 1)، لأنه لم يُخلق لأن كل الأشياء وجدت بواسطته،[37] وأيضًا ”لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ“ (في 2: 6)، وكذلك مواضع أخرى مشابهة.
إن التصريحات الأولى قيلت جزئيًا بالنظر إلى أحد أنماط عمل الطبيعة الناسوتية التي اتخذها، وبالنظر إلى ما قيل بأنه ”أَخْلَى نَفْسَهُ“ (في 2: 7). هذا لا يعني أن الحكمة الإلهية، غير المتغير مطلقًا، قد تعرض للتغيُّر، لكنه اختار أن يعلن ذاته للبشر بهذه الطريقة المتواضعة. ولذلك فهذه التصريحات التي يفسرها الهراطقة على نحو خاطئ، قد صيغت جزئيًا بالنظر إلى هذا النمط من عمل (طبيعته البشرية)، وجزئيًا لإظهار أن الابن يدين بوجوده إلى الآب. في الواقع أنه يدين إلى الآب بكونه مساويًا ومماثلاً للآب نفسه. في المقابل لا يدين الآب بشيء من وجوده لآخر.[38]
_____
[33] يتضح هنا كيف أن القديس أغسطينوس يتفق مع فكرة مونارخية الآب، أي الآب باعتباره المبدأ الوحيد في الثالوث، وهذه الفكرة قال بها الآباء الكبادوك والقديس ديديموس الضرير، والبعض يقول إن القديس أثناسيوس قال بمونارخية الجوهر، وليس بمونارخية الآب (انظر كتاب ”الوحدة والتمايز في الثالوث القدوس“ للدكتور سعيد حكيم، ص 13، وهو نفس ما ورد في كتاب توماس تورانس ”الإيمان بالثالوث“، ترجمة د عماد موريس، إصدار بناريون، ص 328، 329). كما يشير أغسطينوس إلى مونارخية الآب أحيانًا كما في كتابه ”عن الثالوث“ (4: 29). (المترجم)
[34] قارن (1كو 11: 3).
[35] قارن (يو 8: 25).
[36] قارن (كو 1: 5).
[37] قارن (يو 1: 1، 3).
[38] تأكيدات أخرى من القديس أغسطينوس باعتقاده بمونارخية الآب على الأقل حتى زمن كتابته لهذه المقالة. (المترجم)
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/adel-zekri/augustine-faith/the-son.html
تقصير الرابط:
tak.la/qj89dmb