St-Takla.org  >   books  >   adel-zekri  >   augustine-faith
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الإيمان وقانون الإيمان - القديس أغسطينوس - ترجمة: د. عادل زكري

17- الروح القدس عطية الله

 

(19) لكن حتى الآن موضوع الروح القدس لم يُغطَ بشكل موسع ومفصل بواسطة المفسرين المتعلمين والمرموقين للأسفار المقدسة لكيما نرى بسهولة ما هو خاص به وبناء عليه لا ندعوه الآب ولا الابن، بل ندعوه الروح القدس.[39] إنهم ببساطة يعلنون أنه عطية الله، لكيما نؤمن أن الله لا يعطي عطية أقل كمالاً من ذاته.[40] ومع ذلك فهم يمتنعون من القول بإن الروح القدس مولود من الآب، لأن المسيح هو المولود الوحيد. وأيضًا يمتنعون من القول بأنه مولود من الابن، كما لو كان حفيد الآب العلي. وأيضًا لا ينادون بأن الروح القدس غير مدين لأحد بوجوده، بل بالأحرى يدين الروح القدس بوجوده إلى الآب الذي منه تنال كل الأشياء كينونتها. وإلا فإننا نرسخ لمبدئين لا أصل لهما- وهو رأي مغلوط تمامًا وعبثي، ورأي لا ينتمي لإيمان الكنيسة الجامعة، بل ينتمي لضلالة فئة معينة من الهراطقة.[41]

في المقابل هناك البعض الذين تجاسروا لينادوا بأن الروح القدس هو الرابطة المشتركة بين الآب والابن، أو الألوهة إن جاز التعبير التي يسميها اليونانيون θειότης. وبناء على ذلك كما أن الآب هو الله، والابن هو الله، فإن الألوهة نفسها التي يتحدان بها تبادليًا -الواحد (الآب) بولادة الابن والآخر (الابن) بالالتصاق بالآب- جُعلت مساوية لله الذي ولِد منه الابن. كما كنت أقول هؤلاء المفسرون يؤكدون أن هذه الألوهة هي الروح القدس، الذي يريدون أن نفهمه على أنه الحب والإحسان المتبادل[42] بين الآب والابن.

St-Takla.org Image: The Holy Spirit, colored art - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 29 August 2023. صورة في موقع الأنبا تكلا: الروح القدس، فن ملون - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 29 أغسطس 2023 م.

St-Takla.org Image: The Holy Spirit, colored art - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 29 August 2023.

صورة في موقع الأنبا تكلا: الروح القدس، فن ملون - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 29 أغسطس 2023 م.

ويدعمون رأيهم هذا بحجج من الشهادات من الكتاب المقدس، مثل الآية التالية: ”لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا“ (رو 5: 5) أو بشهادات أخرى متنوعة. كما أنهم يبنون رأيهم على نفس حقيقة أننا نُصالح مع الله بالروح القدس. لذلك في وصفه بأنه ”عطية الله“، فهم يرون في المعتاد إشارة واضحة بأن الروح القدس هو محبة الله. لأننا نُصالح له بالحب فقط. وبسببه دعينا ”أبناء الله“.[43] لأننا لا نعيش بعد كعبيد تحت الخوف،[44] لأن الحب الكامل يطرد الخوف. كما أننا حصلنا أيضًا على روح الحرية ”الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: «يَا أَبَا الآبُ»“ (رو 8: 15). وبالإضافة إلى ذلك لأننا صولحنا ورجعنا إلى صداقته بالمحبة، فإننا سنوهب القدرة على فهم أسرار الله. لذلك يقال عن الروح القدس ”فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ“ (يو 16: 13). ولهذا السبب فإن الشجاعة التي ملأت رسله عند مجيء الروح القدس ليكرزوا بالحق هي تنسب بالحق إلى المحبة،[45] لأن نقص الشجاعة يُنسب إلى الخوف، الذي يُستبعد بالامتلاك الكامل للمحبة.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

الروح القدس يُدعى بالمثل ”عطية الله“ بسبب أنه لا أحد يجد تمتعًا في الموضوع الذي يدركه إلا إذا أحبه أيضًا. وبالتالي فإن فعل التمتع بحكمة الله ليس شيئًا آخر سوى الالتصاق به برابطة الحب. ولا أحد يستطيع أن يمسك بموضوع إدراكه بشكل دائم إلا من خلال الحب. كما يُدعى الروح القدس (spiritus sanctus) بسبب أن أي شيء يُقدَّس (sanciuntur) فإنه يُقدّس من أجل الديمومة، فلا شك أن مصطلح ”قداسة“ (sanctitatem) مشتق من التقديس (a sanciendo).

أنصار هذا الرأي (أن الروح القدس هو الرابطة المشتركة للألوهة) يستدعون أول كل شيء شهادة النص الذي يقول: ”اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ“ (يو 3: 6)، وأيضًا ”اَللهُ رُوحٌ“ (يو 4: 24). الإشارة هنا إلى ولادتنا الثانية، وليس ولادة الجسد بحسب آدم، بل ولادة الروح القدس بحسب المسيح. وبالتالي عندما يُذكر الروح القدس في النص الذي يقول: ”اَللهُ رُوحٌ“ يقولون إننا لا بُد أن نلاحظ أنه لم يقل ”الروح هو الله“، بل يقول ”اَللهُ رُوحٌ“. وبالتالي يقولون في هذا النص، الألوهة نفسها، المشتركة بين الآب والابن، قد دعيت الله، والمقصود الروح القدس. يضيفون شهادة أخرى من كلام يوحنا الرسول: ”لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ“ (1يو 4: 16). وهنا مرة أخرى لا يقول ”المحبة هي الله“ بل ”اللهَ مَحَبَّةٌ“، مشيرًا إلى أن الألوهة ذاتها هي الحب.

أمّا بالنسبة لعدم ذكر الروح القدس في تتابع التعبيرات المتصلة حيث نقرأ: ”كُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلِلْمَسِيحِ، وَالْمَسِيحُ للهِ“ (1كو 3: 22، 23)، و”رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ“ (1كو 11: 3)، فيقولون إن هذا عملاً بمبدأ أن الرابطة الموصلة نفسها لا تعد في المعتاد بين الأجزاء المتصلة ببعضها البعض. وبالتالي فالقراء من ذوي التمييز الرفيع يبدو أنهم يلاحظون إشارة أخرى للثالوث نفسه في النص الذي يقول: ”لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ (فيه) كُلَّ الأَشْيَاءِ“ (رو 11: 36). ”مِنْهُ“ تشير إلى مَن لا يدين بوجوده لأحد، و”بِهِ“ تشير إلى الوسيط، و”فيه“ تشير إلى الذي يحتوي كل شيء ويربطها معًا.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[39] يعترف القديس أغسطينوس هنا أن الكتاب الغربية عن الروح القدس كانت قليلة للغاية. ربما باستثناء عظات أستاذه القديس أمبروسيوس عن الروح القدس، وقد طلب البابا داماسوس ترجمة كتاب القديس ديديموس الضرير عن الروح القدس من اليونانية لندرة الكتابات التي تتحدث عن الروح القدس في الغرب (راجع كتاب ”الروح القدس للقديس أمبروسيوس“ ترجمة د جورج حبيب بباوي، جذور للنشر، ص 15). (المترجم)

[40] قارن القديس أغسطينوس ”عن الثالوث“ (15: 29)، (6: 10).

[41] نفس الشيء يقول به القديس أثناسيوس في المقالة الرابعة من ”ضد الأريوسيين“، حيث يقول: ”الآب والابن اثنان، غير أن موناد الألوهة غير قابل للتقسيم وغير قابل للانفصال. لذلك نحن ننادي ببدء واحد للألوهة وليس بدئين، وبالتالي توجد مونارخية واحدة (رأس واحد) فقط. ومن هذا البدء فالكلمة ابن بالطبيعة قائم بذاته، ليس كما لو كان بدءًا آخر، ولا كما لو جاء من خارج هذا البدء أيضًا. لئلا من هذا التمايز تنتج ثنائية الرأس Dyarchy أو تعددية الرأس Polyarchy“. (ضد الأريوسيين 4: 1). (المترجم)

[42] عادة ما يصف القديس أغسطينوس الروح القدس بأنه رابطة الحب nexus amoris بين الآب والابن وقد صارت فيما بعد جزءًا من التقليد الغربي عن عقيدة الروح القدس. (المترجم)

[43] قارن (1يو 3: 1).

[44] قارن (1يو 4: 18).

[45] قارن (أع 2: 4).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/adel-zekri/augustine-faith/the-holy-spirit.html

تقصير الرابط:
tak.la/svcc52g