(5) وبناءً على ذلك، فالمولود الوحيد لله لم يُخلق بواسطة الآب، لأنه بحسب كلام الإنجيلي: ”كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ“ (يو 1: 3)، وكذلك لم يولد في الزمن، نظرًا لأن الله الحكيم أزليًا يتمتع بامتلاكه الأزلي لحكمته. وليس هو غير مساوٍ للآب، أي أدنى من جهة ما؛ لأن الرسول يقول: ”الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ“ (في 2: 6).
لذلك لا بُد أن نستبعد من إيمان الكنيسة الجامعة مَن ينادي بأن الابن هو ذاته أقنوم الآب،[13] لأن هذا الكلمة لا يمكن أن يكون مع الله[14] إلا إذا كان يوجد مع الله الآب، وكل مَن يوجد وحده ليس مساويًا لأحد. كذلك يُستبعد كل مَن يقول إن الابن مخلوق حتى وإن كان مختلفًا عن بقية المخلوقات.[15] لأنه مهما قالوا إنه مخلوق ذو مكانة رفيعة، فإذا كان مخلوقًا فإنه مجبول ومصنوع. كلمة ”يجبل“ هي نفسها ”يخلق“، بالرغم أن المصطلح ”يخلق“ بالتماشي مع الاستخدام اللاتيني يوظف أحيانًا بدلاً من كلمة ”يلد“. لكن اللغة اليونانية تميز بينهما. فما يدعونهκτίσμα أو κτίσις نحن نصفه كمخلوق، وعندما نرغب في تجنب الغموض في الكلام فإننا لا نقول ”يخلق“ creare بل ”ينتج“ condere.
ومن ثم لو كان الابن ”مخلوقًا“ فإنه مصنوع (حادث) مهما كانت مكانته رفيعة. لكننا نؤمن بأنه هو الذي كان به كل شيء، وليس الذي به كانت أشياء أخرى. بصيغة أخرى لا يمكننا أن نفهم بأي طريقة أخرى تعبير ”كل شيء“ إلا بأن يتضمن كل شيء مخلوق.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
(6) بقدر ما أن ”الْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا“ (يو 1: 14) فإن هذا الحكمة ذاته المولود من الله قد تفضَّل أيضًا وصار مخلوقًا بين البشر. وهذا فحوى النص الذي يقول: ”اَلرَّبُّ قَنَانِي (خلقني) أَوَّلَ طَرِيقِهِ“ (أم 8: 22). ويقصد بعبارة ”أَوَّلَ طَرِيقِهِ“ رأس الكنيسة أي المسيح في طبيعته الناسوتية التي اتخذها. ومن خلاله أعطي لنا نمط حياته طريقًا أكيدًا به نأتي إلى الله. لأننا نحن الذين سقطنا بسبب الكبرياء لا يمكننا الرجوع إلى الله إلا بالتواضع. لهذا قيل لأول مخلوق من جنسنا: ”كُلْ، وستصبح كالله“.[16]
كما كنت أقول، إن مخلصنا قد تفضَّل بنفسه ليقدم نموذجًا بشخصه عن التواضع الذي هو الطريق الذي علينا أن نسير عليه في رجوعنا إلى الله. لأنه ”لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ“ (في 2: 6، 7). وبالتالي فالكلمة الذي كان به كل شيء كان ”أَوَّلَ طَرِيقِهِ“ إنسانًا مخلوقًا.
ولذلك بقدر ما أنه المولود الوحيد، فهو بلا إخوة، لكن بقدر ما هو ”البكر“ فقد تفضَّل أن يدعو كل إخوته الذين، بفضل وبعد كونه أولاً ولدوا ثانية في نعمة الله بالتبني[17] بحسب تعليم الرسول.[18]
وبالتالي هناك ابن واحد فقط بالطبيعة قد ولِد من نفس جوهر الله وله نفس طبيعة الآب: إله من إله، ونور من نور. على النقيض نحن لسنا نورًا بحسب طبيعتنا، لكننا نستنير بذاك النور الذي يمكننا من أن نتألق بالحكمة كما هو مكتوب: ”كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ“ (يو 1: 9).
وبالإضافة إلى اعتقادنا بالحقائق الأزلية، نحن نضم أيضًا الإرسالية الزمنية لربنا التي تفضَّل بها من أجلنا ليحملها على عاتقه وينجزها من أجل خلاصنا. فمن جهة أنه ابن الله المولود الوحيد فإن تعبيرات ”كان“ و”سيكون“ لا يمكن توظيفها، لكن يمكن توظيف فقط تعبير ”يكون“ (أو الكائن). لأن ما ”كان“ لم يعد موجودًا، وما ”سيكون“ لم يوجد بعد. لذلك فهو غير متغير، وليس له طابع الزمن وتفاوت الزمن. وفي رأيي أن الاسم الخاص الذي ألمح به لعبده موسى كاسمه الخاص ليس له أساس آخر سوى هذا. لأنه حين سأله موسى كيف يجيب على مَن سيسأل عن الذي أرسله، في الحدث الذي استهزأ به الشعب الذي أُرسل إليهم، فقد حصل على هذه الإجابة من المتكلم معه: ”أَهْيَهِ (أكون) الَّذِي أَهْيَهْ (أكون)“ وقد أضاف على هذا ”هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ (الكائن) أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ“ (خر 3: 14).
_____
[13] الإشارة هنا بشكل عام إلى الهرطقات التي تنكر التمايز بين الأقانيم، وتعتبر الأقانيم مجرد أسماء أو مظاهر لنفس الأقنوم الإلهي الواحد أو ما يُعرف بالسابيلية.
[14] ربما الإشارة هنا إلى قول يوحنا الإنجيلي: ”الْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ الله“ (يو 1: 1). (المترجم)
[15] يقصد القديس أغسطينوس هنا بدعة التراتبية أو التدنوية التي تنكر المساواة المطلقة بين الآب والابن. لم يواجه القديس أغسطينوس الهرطقة الأريوسية إلا بعد غزو القوطيين لشمال أفريقيا. وفي عام 428م اشترك في جدال أمام العامة مع الأسقف الأريوسي مكسيمينوس.
[16] إعادة صياغة لما ورد في (تك 3: 5).
[17] قارن (لو 8: 21).
[18] قارن (عب 2: 11).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/adel-zekri/augustine-faith/son-is-not-created.html
تقصير الرابط:
tak.la/b49cnx9