St-Takla.org  >   articles  >   george-kyrillos  >   coptic-hymns
 

مكتبة المقالات المسيحية | مقالات قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

مقال غواص في لحن قبطي (تأملات في الألحان القبطية) - م. جورج كيرلس

4- تأملات في لحن جي بينيوت

 

غواص في لحن قبطي

تأملات في لحن جي بينيوت

مرد الإنجيل في الصوم الكبير

في السبوت والآحاد

 

اليوم سيكون حديث مقالنا عن لحن من أجمل ألحان الصوم الكبير، لحن يتميز بالنغمات المليئة بالشجن والدفء، هو لحن "جي بينيوت" وهو مرد الإنجيل في سبوت وأحاد الصوم الكبير. بمعنى أنه لو قمت عزيزي القارئ بحضور القداس في الصوم الكبير في يوم السبت أو الأحد سوف تستمع بعد قراءة الإنجيل إلى لحن "جي بينيوت إتخين ني فيئوي" والذي يعني "أبانا الذي في السموات"

والجدير بالذكر أن كلمة "جي بينيوت" كلمة كثير من الناس على دراية بها. فحينما يأتي عريس لخطبة عروس يقولون هلم نقرأ "جي بينيوت" ويتلونها هكذا باللغة الدارجة "جَبَنيوت".

هنا نتذكر عندما كَانَ يسوع يُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ، ولَمَّا فَرَغَ، قَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ: «يَا رَبُّ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ كَمَا عَلَّمَ يُوحَنَّا أَيْضًا تَلاَمِيذَهُ». فَقَالَ لَهُمْ يسوع: «مَتَى صَلَّيْتُمْ فَقُولُوا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ، لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ، لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْض" (لوقا 1: 2). ولكن يأتي السؤال: لماذا كلمات "جي بينيوت" بالذات هي التي اختارتها الكنيسة لكي تكون لحنًا يقال طوال فترة الصوم الكبير في أيام السبوت والآحاد فقط؟ هذا ما سوف نعرفه معًا.

دعونا نأخذ في الاعتبار أن "رحلة الصوم" تبدأ في الإنجيل الذي يُقرأ في يوم أحد الاستعداد في دعوة صريحة وواضحة من الكنيسة لنا لتنفيذ الآية التي كتبها معلمنا متى البشير وتقول:

"وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ.

فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً."

وهذه الرحلة تستكمل مشوارها معنا في كل سبوت وآحاد الصوم الكبير حتى يوم جمعة ختام الصوم. والذي يعامل فيه الطقس معاملة وطريقة السبوت والآحاد، وهذا الكلام مكتوب في مخطوطات ترتيب البيعة. مما يعني أن الكنيسة تذكرك بأنه يجب أثناء الصوم، ألا تنسى أن تدخل مخدعك وتقول "جي بينيوت"، فالمخدع هو مركز إنطلاق الصوم.

فأولا لابد أن يكون للقلب رغبة للتحرك نحو الله وأن يعطيه وقتًا شخصيا. وثانيًا:"إغلق بابك" أي إغلق باب العالم وإفتح باب السماء، حتى تقول مع يوحنا الرائي (رؤ 3: 8):

"هَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ،

 لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً، وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي".

فمحور كلمات لحن "جي بينيوت" هو " صلي إلى ابيك" وهذه بذاتها هى الوصفة الروحية التي أعطتها لنا الكنيسة حتى نبدأ بها رحلة الصوم. هلم معًا نفهم كلمات اللحن باللغة القبطية:

بنيوت: أبانا // نيفيئوي: السماوات// تيك ميت أورو: ملكوتك // بي كران: إسمك// شا أي نيه: إلى الأبد.

والغريب هنا إن لحن "جي بينيوت" لا نرتل فيه كل أبانا الذي، ولكننا نرتل فقط أربعة ستيخون هي:

"جيبنيوت أتخين نيفيئوي،

ماريفتوفو إنجى بيكران،

ماريس ايه إنجى تيكميت أورو،

جي فوك بى بي أو شاني إينه"

ومعناها: "أبانا الذي في السموات، يتقدس أسمك، ليأتي ملكوت، لأن لك المجد إلى الأبد"

ولكن أين لتكن مشيئتك؟! وأين أغفر لنا ذنوبنا"؟! وخبزنا الذي للغد أعطنا اليوم؟! وأين لا تدخلنا في تجربة"؟! وأين نجنا من الشرير"؟؟ أين جميع هذه الكلمات؟! لماذا اختزلت الكنيسة في الصوم الكبير في السبوت والأحاد باقي كلمات "أبانا الذي" التي علمها لنا السيد المسيح بذاته؟

 في واقع الأمر إن الكنيسة تريد أن تعلمنا في سبوت وآحاد الصوم الكبير بالذات، أن ننسى طلباتنا: "إعطنا، إغفر لنا، لا تدخلنا، نجنا" بل تريدنا أن نركز على اسم المسيح، فنقدس إسمه، ونطلب ملكوته، ونعطيه المجد إلى الأبد.

ولكن ما هذا الكم الهائل من الشحن الموضوع في هذا اللحن؟ فلا يمكن لأحد أن يتصور إن هذا اللحن قد تم تأليفه من سلم كبير "ري ماجير". حقًا بالحقيقة أن الكنيسة تستطيع أن تصبغ ألحانها بأي صبغة تريدها، هذه الكنيسة الحكيمة هنا قامت بتطويع المقام الكبير القوي الذي يُنشد منه السلام الجمهوري "بلادي بلادي لك حبي وفؤادي" الذي ينشر الحماس والقوة في الشعب ليعتز ببلاده، نفس هذا المقام القوي، تحوله الكنيسة العجيبة إلى مقام مليء بالشجن ليثير في النفس خشوعًا وخضوعًا، حتى إن هذا اللحن جي بنيوت يقال في الجنازات.

ثم يأتي سؤالا آخر: لماذا الكنيسة في أيام الأسبوع (دون السبوت والآحاد) لا ترنم جي بنيوت في مرد الإنجيل، لكنها ترنم "تي هيرني" بالطبع تتذكرونه إذ تحدثنا عنه بالتفصيل في مقالٍ سابق. إنه لحن مختلف تمامًا، لحن التقشف النغمي والنسك الإيقاعى، والذي نقول فيه ونكرر "آي إير نوفي أي أير نوفي" "أخطأت أخطأت "، حتى نظل طوال الصوم نتذكر الخطية ونتوب عنها. عدا يومي السبت والأحد، فيهما لابد أن نقول "جي بينيوت"، لأن فيهما ذكرى قيامة المسيح، فنركز فيهما على السموات والملكوت الأبدي. فلا يجب أن يكون تركيزنا عن الخطايا والأرضيات، كما لا يجب أن نقوم بعمل مطانيات ونسجد ونتذلل، ولا أن نصوم إنقطاعي. كل ما يمكننا فعله فقط هو أن نقول لأبانا الذي في السموات "جي بينيوت" ليتقدس إسمك وليأتي علينا ملكوتك الأبدي.

ومن اللطيف أنك تلاحظ عزيزي القارئ أن في بداية اللحن تريدنا الكنيسة نرفع أعيننا نحو السماء، لأبانا الذي في السموات بقفزة موسيقية مقدارها رابعة تامة، ثم تتكرر نفس هذه القفزة الرابعة التامة مرة أخرى في كلمة "نيفيئوي" والتي تعني "السموات". وتظل تنتشر هذه القفزة في كل الجزء الأول من اللحن، وكأن اللحن كل حين يٌذكرنا بالسماء، فيأخذنا من هموم الأرض وخطايانا ويرفعنا نحو السماء بقفزة موسيقية إلى فوق. فنجدها في "إفتو..فو" وفي "إنجي.. بيكران".

وكما عرفنا أن لكل لحن ذروة، قمة لحنية، لذا فذروة لحن جي بينيوت، أعلى منطقة فيها النغمات تبلغ حدتها تكون عند كلمة "ماريس". ماريس تعني ليأتي. "ماريس أي إنجي تيك ميت أورو" ليأتي ملكوتك. فهذه هي بالفعل غاية الكنيسة، إن تجعلنا نصرخ في أعلى منطقة من اللحن طالبين إن المسيح يأتي ويملك على قلوبنا.

إن ملكوت الله الذي نريد أن نعيش فيه في الأبدية، يبدأ من هنا، من على الأرض. يقول الكتاب "ها ملكوت الله داخلكم"، فهلم نصرخ ونرتل "ماريس أيه إنجي تيكميت أورو " ليأتي ملكوتك".

عزيزي القارئ، من فضلك إستمع إلى اللحن وإستمتع بالقوة وبالعلو، وبالذروة عندما يصرخ اللحن "ماريس أي إنجي تيك ميت أورو" ليأتي ملكوتك.، حتى ونحن في أثناء الصوم الكبير وغير قادرين أن نفتح أفواهنا، تأتي الكنيسة، فتشحذنا بالنغمات فنرفع أصواتنا بقوة بأعلى النغمات: "ماريس أيه إنجي تيك ميت أورو"، "ليأتي ملكوتك".

← انظر مقالات وكتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: A marble plate with the Lord's prayer in Coptic, along with date of the inauguration of the Church at the times of Pope Cyril V, 1893 - from St. Michael Church, Deir El Malak, Cairo, Egypt - October 2011 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org. صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة رخامية عليها الصلاة الربانية باللغة القبطية، مع شاهد إنشاء الكنيسة في عهد البابا كيرلس الخامس سنة 1893 - من صور كنيسة الملاك ميخائيل، دير الملاك، القاهرة، مصر - أكتوبر 2011 - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org Image: A marble plate with the Lord's prayer in Coptic, along with date of the inauguration of the Church at the times of Pope Cyril V, 1893 - from St. Michael Church, Deir El Malak, Cairo, Egypt - October 2011 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org.

صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة رخامية عليها الصلاة الربانية باللغة القبطية، مع شاهد إنشاء الكنيسة في عهد البابا كيرلس الخامس سنة 1893 - من صور كنيسة الملاك ميخائيل، دير الملاك، القاهرة، مصر - أكتوبر 2011 - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

بعدما انتهينا من الصلاة لـ"أبانا الذي في السموات " وأنهيناها بـ"لك المجد إلى الأبد آمين" نختتم اللحن بأن نعطي المجد ونبارك أبونا السماوي قائلين باللحن في أربعة إستيخون أيضًا:

جي افسمارؤوت انجى افيوت نيم ابشيري

نيم بي بنفما اثوواب

تترياس ايتجيك ايفول

تين اؤوشت امموس تين تي اوؤناس.

ومعناها: "مبارك الآب والإبن، والروح القدس، الثالوث الكامل، نسجد له ونمجده".

وهنا أريد عزيزي القارئ أن أؤكد أن الكنيسة تغرس العقائد الإيمانية العسرة الفهم، في نغمات جميلة سهلة الحفظ، لذا هنا وفي هذا المرد البسيط الصغير، حرصت الكنيسة المجيدة أن تغرس عقيدة "التثليث والتوحيد" بين نغمات هذا اللحن. وهذا هو ما أعلنه الروح القدس على لسان القديس باسيليوس الكبير عندما كتب هذا القديس قائلًا:

"عندما رأى الروح القدس أن البشر لا يميلون إلى الفضيلة، وأننا لا نتجه إلى حياة التقوى،

بل نميل إلى المتعة، فماذا فعل؟ مزج بين تعاليمه وبين طرب الألحان،

حتى نتلقى من خلال جمال الصوت وعذوبته، المفيد في الكلام دون أن نشعر.

وذلك كما يفعل الأطباء، عندما يعطون الدواء للمريض في كوب، يغطون حافته بالعسل.

فألحان المزامير المتآلفة قد صُنعت لنا لغرض معين، هو أنه عندما يغنيها الشُبان،

يغذون في واقع الأمر نفوسهم بالتعاليم المفيدة، وإن كانوا في الظاهر يُنشدون.

ذلك لأننا لا نجد أحدًا منهم يحتفظ في ذاكرته بأيٍ من تعاليم الرسل،

أما المزامير، فهم يغنوها في بيوتهم ويذيعونها على الملأ،

فإذا ما وقع تحت تأثير سحر المزامير شخص، يمتلكه الغضب كأنه وحش مفترس،

تراه بعد سماعها ينصرف، وقد هَدَّأَ اللحن سورة نفسه".(أي شدتها واندفاعها).

إنه كلام مهم جدًا، ومن شخص مهم جدًا، وعلى لسان الروح القدس. وهو السبب في أن الكنيسة الرسولية الأولى وضعت كل الإيمان والعقيدة الأرثوذكسية المستقيمة في الألحان، فصار عندنا الآن أكثر من 1048 لحن يحملوا العقيدة والإيمان المسيحي بين نغماتهم.

وعودة إلى الجزء الثاني من لحن "جي بينيوت"، والذي إلتصق نغميًا التصاقا وثيقًا بالجزء الأول، فلا تستطيع إن تفصل الربع الأول من اللحن عن الربع الثاني. لذا بعد "جي فوك بيبي او شاني إينيه"، وقبل أن تنتهي كلمة إينيه، والتي بطبيعة الحال، لان معناها "الي الابد"، كان من المعتاد إن تمتد بالنغمات وتطول وتصبح ميليسمية. لكن هنا في هذا اللحن العجيب قام الأب القديس الذي صاغ هذا اللحن، بربطها موسيقيًّا مع الكلمة التي جاءت في أول الجزء الثاني من اللحن وهي "جي افسمارؤوت"، كما قام بدهورة سرعة اللحن من 95 نبضة في الدقيقة، إلى 75 نبضة في الدقيقة. كل هذه الحبكة الفنية والمتعة النغمية لمجرد أن ينبهنا ويلفت أنظارنا إلى أهمية مباركة الآب والإبن، والروح القدس الثالوث الكامل، فنسجد له ونمجده بالنغم، هذا بعد أن طلبنا أن الله يأتي ويملك على قلوبنا وأفكارنا وعلى كل حياتنا في الربع الأول.

ليت فمنا ولساننا ينفتحا بعد الربع الأول من "جي بينيوت"، فنبارك الله كما إنفتح فم ولسان زكريا الكاهن فبارك الله قائلاُ:

"مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ افْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ" (لوقا 1: 68).

أما عن قفلة اللحن فأريد أن ألفت نظرك عزيزي القارئ إلى هذه القفلة العجيبة. أتحدي أن تأتي في مخيلة أي موسيقي يلحن من مقام ري الكبير، أن يقفل قفلته الموسيقية على نغمة الـ"رى دييز"، بمعنى أن يقفل على نغمة غير موجودة أساسًا في المقام، وأعلى نصف تون من أساس المقام، ثم تكون بهذا الجمال الفائق.

صدقوني أنه لو حدث أن وجدنا لحنا عالميًا به هذه القفلة، سيكون هذا الملحن قد تعلمها من قفلة لحن "جي بينيوت". فهي بالحقيقة قفلة غريبة لكن جميلة، صعبة ولكنها السهل الممتنع. لقد حملتنا إلى مكان آخر، بعد ما وضع قبلها بضعة زخارف. وكأن اللحن يريد أن يقول لنا: أنت هنا على الارض، لكن حينما تصلى وتصوم، سوف تتنقل من عالم الأرضيات إلى عالم السمائيات، من مقامات الأرض إلى سلم السماء، بعد أن تعيش لحظات من البهجة التي تظهرها الزخارف الاخيرة.

عزيزي القارئ، كم أتمنى أن تستمع الي لحن "جي بينيوت" مرد الإنجيل في سبوت وأحاد الصوم الكبير، ثم تستمع بعده إلى لحن "تي هيريني" مرد إنجيل أيام الصوم الكبير، لتشعر بما تم شرحه في هذا المقال، إلى أن نلتقي مع مقال جديد وغواص في لحن قديم من ألحان الكنيسة القبطية العريقة.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/articles/george-kyrillos/coptic-hymns/je-peniot.html

تقصير الرابط:
tak.la/8sv5qnf