أولًا: أسلوب الميليسما Melismatic:
ففي اسلوب الميليسما "الإطناب النغمى" يتناغم كل حرف لفظى بنغمات ممتدة تعلو وتنخفض تطول وتقصر، تتقطع وتتصل قبل أن يتم النطق بالحرف اللفظي الذي يليه. وترجع أصول هذا الأسلوب الميليسماتي إلى الموسيقى الفرعونية حيث كتب ديمتريوس الفاليرونى في عام 297 ق.م وهو أحد أمناء مكتبة الاسكندرية: "إن كهنة مصر كانوا يسبحون آلهتهم من خلال السبعة حروف المتحركة التي كانوا يأخذون في الغناء بها الواحد تلو الآخر، وكان ترديدهم بهذه الحروف يُنتج نغماتًا عذبة"[5].
ويتضح مما كتبه ديمتريوس الفاليرونى أن الإطناب النغمى هو أسلوب في الغناء كان موجودًا أيام الفراعنة وقد إمتد إلى الكنيسة القبطية كأسلوب وليس كألحان بذاتها[6]. وقد لجأ آباء الكنيسة عند وضعهم ألحانها المختلفة إلى أسلوب الميليسما للعديد من الأسباب منها:-
1. الميليسما للتسبيح على
الدوام
2- الميليسما للتعبير
3- للميليسما قيمة موسيقية فعالة
4. الميليسما لوضع الانسان في حالة
صفاء
5. الميلسما تعطي فرصة للتأمل
ولانسياب الفكر
6. الميليسما لاستعواض الآلات
الموسيقية
فالتسبيح في الكنيسة القبطية مبنى على فكرة رئيسية هي التشبّه بالملائكة الذين يسبحون الله على الدوام بغير إنقطاع ولا فتور مستندين على الآية التي تقول:
"لأنهم في القيامة لا يزوِّجون ولا يتزوجون، بل يكونون كملائكة الله في السماء" [7].
لذلك فاستخدام الميليسما هو الأسلوب الأمثل لتحقيق فكرة التسبيح على الدوام أو بغير انقطاع، لأنه بالميليسما تزداد النغمات لحرف لفظى واحد قبل النطق بالحرف الذي يليه.
لذلك فإن لحنًا مثل "اللى القربان"هو لحنٌ مدته أربعة دقائق كاملة بالرغم من أنه مبنى على حرف لفظى واحد وهو الحرف الأول من الأبجدية القبطية المسمى "ألفا" "Ⲁ" وهو الحرف الأول للكلمة "هلليلويا Ⲁⲗⲗⲏⲗⲟⲩⲓⲁ"، حيث بدأ اللحن بالحرف "Ⲁ" ولم يُنطق بالحرف الذي يليه حتى نهاية اللحن. أما باقي حروف الكلمة "هلليلويا" فيتم إنشادها في اللحن "هلليلويا فاي بى بي" وهو اللحن الذي يقال في دورة الحمل بالقداس الإلهى. وأحيانًا لا يتم إكتمال تلاوة لحن اللي القربان بالكامل حسبما ينتهي الكاهن من الطقوس والصلوات السرية التي تؤدي أثناء ترنيم اللحن. وعند الإستماع إلى لحن "اللي القربان" الذي مدته 4 دقائق وقد تم صياغته لنص مكون من حرف لفظى واحد، يتضح أن الميليسما هي أسلوب ابتدعته وأبدعته الكنيسة القبطية من أجل جعل التسبيح حياة مستمرة معاشة تشبُّهًا بالملائكة الذين يسبحون على الدوام بغير فتور قائلين "قدوس قدوس رب الجنود السماء والأرض مملوءتان من مجدك الأقدس"، وهذه الكلمات أيضا تم صياغتها بألحان عديدة، بعضها بأسلوب الميليسما والآخر باسلوب السيلاباتي.
لم تكن الميليسما في تراث الموسيقى القبطية يومًا ما "حشوًا نغميًا" بغرض امتداد أزمنة التسبيح للإله الحى، بل عند التدقيق والتحليل للألحان التي تم صياغتها بهذا الأسلوب، وُجد أن الميليسما تجئ لكي ما تعبر عن ثلاثة:
a. فهي تعبر عن معانى الكلمات التي تم تلحينها بهذا الأسلوب الميليسماتى بشكل صريح، فتشرح بالنغمات معانى الكلمات. فعند الإستماع إلى لحن مثل "أريهؤو تشاسف" "زيدوه علوًا إلى الأبد"، بنغماته الكثيرة التي تمتد إلى نحو ست دقائق هي مدة هذا اللحن وبكلماته القليلة التي تعد على أصابع اليد الواحدة، نجد أن الإطناب النغمي والجمل الموسيقية المحشوة بالنغمات الميليسمية الزائدة تعبر عن كلمة "زيدوه"، وأن التصاعد النغمي السلمي الذي يبدأ من المنطقة الوسطى ويعلو ليصل إلى منطقة الجوابات الحادة يعبر عن المعنى "علوًا"، كما أن التسلسل النغمي الممتد عبر اللحن مع الإنتقالات المقامية مابين مقام "العجم" و"الراست" ثم إلى "العجم" مرة أخرى في منطقة القرارات ثم إلى مقام "العراق" في منطقة الجوابات وكذلك إعادة القسم بأكمله، والذي يشبه في قالب السوناتا قسم إعادة العرض من حيث الفكرة وليس من حيث القالب كل ذلك يعبر عن كلمة "إلى الأبد".
b. وهي تعبر أيضًا عن الحالة الروحية التي تعيشها الكنيسة سواءً كانت حالة نسك كحال الكنيسة أيام الصوم الكبير، فألحان الصوم الكبير تتميز بالتقشف والزهد، لذا فالميليسما في بعض ألحان الصوم الكبير تكون محدودة للغاية، وقد تنعدم في بعض الألحان مثل لحن "تى هيرينى" الذي يعتبر نموذجا للتقشف النغمى والزهد الإيقاعى[8].وإن وُجدت في بعض الألحان الصيامي، فيكون لهدف روحي، كلحن "إنثو تى تي شوري" و"شاري إفنوتي" واللحن العريق "ميغالو" الذي يقال في أحاد الصوم وجمعة ختام الصوم. أو حالة حزن كحال الكنيسة في أسبوع الآلام الذي تتميز ألحانه بالشجن وتصل الميليسما فيها إلى ذروتها، وتبلغ الميليسما قمة هذه الذروة في يوم الجمعة العظيمة إبتداءًا من ألحان الساعة السادسة حتى الساعة الثانية عشر. أو حالة فرح وابتهاج كحال الكنيسة في أعياد الميلاد والغطاس والقيامة والعنصرة (كلمة عبرية معناها اجتماع) والأعياد السيدية الكبرى او الصغرى التي تتميز ألحانها بالبهجة والزخارف اللحنية للتعبير عن هذه البهجة، وتتغلغل الميليسما وتتحد مع هذه الزخارف بشكل فعّال خفيف الظل، مثل "المزمور السنجارى" (نسبة الي بلدة سنجار) الذي ينتهى بمجموعتين من الهلليلويا تكاد النغمات الميليسمية والزخارف اللحنية من فرط بهجتهما أن تخرجاه عن وقاره. أو حالة ترقب كحال الكنيسة طوال شهر كيهك وهي تنتظر ميلاد السيد المسيح، فتكون ألحان غزيرة كثيفة يُتلى الواحد تلو الآخر في سهرات، تروح فيها الميليسما وتغدو، ولا تنتهى إلا عندما يلوح الفجر، فتبدأ ألحان أخرى هي ألحان القداس الإلهى التي لاتنتهى إلا صباحًا. أو حالة ترجي وأستعطاف عند طلب مراحم الرب الواسعة مثل ألحان "كيرياليسون" التي تعنى " يا رب ارحم"، هذا وغيرها من الحالات المختلفة التي تعيشها الكنيسة على مدار السنة الطقسية والتي تتكون من نحو 35 طقس كلٍ له طابعه الخاص، وجميع ألحان كل طقس تسعى دائمًا لأن تعبّر بالنغمات عن حال هذا الطقس.
c. كما تعبر أيضًا عن الفكر والمفهوم الروحى الذي تعيشه الكنيسة أثناء أداء اللحن. فالألحان في الكنيسة القبطية ليست مجرد نغمات موسيقية مرصوصة، بل هي نغمات هادفة، حتى أنه أحيانا تصمت الكلمات تماما لتبدأ النغمات وحدها في تحمل مسئولية أن تشرح الفكر الروحى الذي تعيشه الكنيسة، مستعينة بالطقس ذاته في عملية الشرح هذه. لأن الطقس أيضا في الكنيسة القبطية ليس أصمًا، لكنه نابضٌ بالحياة حاملٌ فكر الكنيسة بين ثناياه.
فمثلا لحن "أللى القربان " وهو لحن قديم عريق - يؤكد قدمه الإشارة التي وردت عنه في القانون رقم 40 للبابا أثناسيوس الرسولى- يقال بعد صلاة المزامير وقبل دورة الحمل، هذا اللحن يشارك الطقس فيه بالشرح مع النغمات. فعندما يقف الكاهن في باب الهيكل متجهًا إلى الشعب غربًا وبيده لفافة والشماس يقف عن يمينه وبيديه اليمنى لفافة بها قارورة تحمل عصير الكرمة، وبيده اليسرى شمعة لتضئ على الحمل (القربان) وقت إنتخابه، ثم يقدم له القربان ليختار منه الحمل وكذلك عصير الكرمة. فيختار الكاهن الحمل الذي بلا عيب وهو مواجهًا شعبه غربًا، ثم يتقدم إلى المذبح شرقًا في خلوة مع الله يصلى فيها من أجل المؤمنين ويخص بالذكر منهم أسماء الذين قدموا القرابين والذين قُدمت عنهم من الأحياء والأموات. وفي أثناء ذلك يضع الحمل على يده اليسرى، ويبل أطراف أصابعه اليمنى بالماء ويمسح بها على الحمل إشارة إلى العماد الطاهر للسيد المسيح في نهر الاردن، وهنا تبدأ أصوات الشمامسة تنطلق بنغمات لحن "اللي القربان" في أداء جماعى بدون مصاحبة الناقوس أو المثلث كل ذلك لرسم رحلة السيد المسيح من لحظة عماده في نهر الأردن حتى قيامته المقدسة التي عندها يرنم الشعب كله "هلليلويا فاي بي بي"، هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنفرح ولنتهلل فيه.
فانسياب النغمات من أفواه الشمامسة في مطلع لحن "أللى القربان" متئدة رزينة بإيقاعها الثلاثى المتمهل الذي يشير إلى خطوات السيد المسيح المباركة وهي تتحرك من الجليل إلى الأردن، والماء الذي بلل به الكاهن أصابعه اليمنى ليمسح الحمل الذي استقر على يده اليسرى ليجسد العماد المقدس، كل ذلك من نغمات وطقوس وضعته الكنيسة ليعبّر عن هذا الفكر وتلك المعاني رغم عدم وجود كلمات بالمرة. فصارت مسئولية شرح المعنى وتجسيد الفكر هي مسئولية نغمية طقسية بحتة، وبدون الميليسمالم يكن ممكنا تحقيقها على الإطلاق.
← انظر مقالات وكتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
للميليسما قيمة موسيقية كبيرة، ألهمت بعض مؤلفى الموسيقى خارج الكنيسة لكي يصيغون ألحانًا بها إطناب نغمى. ولعل قالب "الدور" يؤكد ذلك، إذ يتم حشو القسم الثانى من هذا "الدور" بالآهات، ويطلق عليه "الهنك" وهو مصطلح يطلق على أسلوب الغناء في "الغصن الرئيسى للدور" عندما يتبادل المغنى والمنشدين الآهات. ولو لم تكن للميليسما هذه القيمة الموسيقية لما استخدمها المؤلفون الموسيقيون في مؤلفاتهم الغنائية. فما أكثر الأغانى التي تم حشوها بنغمات ميليسمية. ويعتبر "محمد عبد الوهاب" واحدًا من بين كثيرين أدركوا قيمة هذه الميليسما وفهموا كيف تستخدمها الكنيسة ببراعة، فراحوا يستخدمونها مثلها. فعندما صاغ رائعته "مريت على بيت الحبايب" ووصل إلى الجملة الإنشائية "وقفت لحظة" فإنه أراد أن يعبر بالميليسما عن أن هذه اللحظة التي مضت من عمره عندما مر على بيت الحبايب عندما كان الشوق والحنين يملأ قلبه وعقله وفكره الموسيقى، هذه اللحظة الـ"هنية"، مرت كلحظة بينما هي لم تكن كذلك، فقدماه قد تسمرتا أمام بيت الحبايب، فلم يبرحه حتى أنعش فؤاده وعينيه بهذا الجو المعبق برائحة الحبيب. لذلك رغم أن كلمة "وقفت" (هي كلمة عربية نطقها عبد الوهاب بالعامية) جميع حروفها ساكنة، ولا تسمح بالميليسما، وبالرغم من أن قواعد التلحين الأساسية الأولية هي عدم المد على حرف ساكن، إلا أن "عبد الوهاب" وجد نفسه مضطرا وآسفا أن يكسر هذه القواعد المتعارف عليها، ويضع ميليسما كثيفة على هذا الحرف الساكن الأول من كلمة "وقفت" في تحدٍ هدفه التعبير عن أن هذه اللحظة الخاطفة كانت من الطول الشديد، إذ فيها استرجع كل ذكرياته مع الحبيب، بينما لا يوجد من الحبيب سوى الجو الذي كان او مازال يعيش فيه.
هذا هو الذي حدث في "اللى القربان" الذي امتد على الحرف اللفظى الأول من الليلويا، إلا أن الكنيسة القبطية التي ألهمت عبد الوهاب بالفكر الميليسمى، لم تكسر القاعدة الموسيقية الشهيرة، إذ أن الحرف الأول من الليلويا هو حرف "ألفا"Ⲁ فهو حرفًا متحركًا وليس ساكنًا. وهناك أمثلة عديدة تبين كيف استخدم مشاهير الموسيقيين الميليسما في أعمالهم الغنائية لقيمتها الموسيقية الرائعة.
فالانسان يعيش خارج الكنيسة في عالم من الضجيج والصخب والاضطراب والتشويش والصراعات، وعندما يدخل الي الكنيسة، تبدأ اولا في تنقيته من هذا الضجيج والصخب والاضطراب والتشويش، وتحاول جاهدة ان تخفف من وطأة هذه الصراعات المختلفة التي بداخلة، من خلال النغمات الميليسمية المتصلة المنسابة في هدوء. وتتعمد الكنيسة في ذلك ان تكثر من النغمات وتقلل من الكلمات حتى لاترهقه في فهمها وتركيزه في معانيها، حتى يصفى وينقي ذهنه تماما من طوفان بحر العالم الصاخب، عندئذ يمكن ان تبدأ في زيادة الكلمات اكثر حيث تحتاج الي فهم وتركيز. فالانسان في لحظة دخوله من الخارج الي الكنيسه يكون أشبه بكوب الماء الممتلئ غبارا وعكارا وشوائب، فتصبر عليه الكنيسة حتى تتركز هذه جميعها في القاع وتصفى وتتنقى افكاره، وتكون الميليسما عاملًا مساعداُ في سرعة عملية التنقية لما لها من مقدرة فائقة في تهدئة النفس.
لذا تلجأ الكنيسة القبطية إليها لتعطى المؤمنين فرصة للتأمل، لينساب فكرهم الذي قد يكون تحجر بسبب الهموم والضغوط العصبية، فيبدأ الفكر في أن يرتفع ويسمو إلى فوق، محمولًا على ذبيحة النغم. فالكلمات المنطوقة دائما ما تكون بمثابة معلومات روحية تحتاج إلى تركيز الذهن، بينما الميليسما تكون بمثابة نغمات بلا معلومات لترفع القلب في سياحة تأملية. فالفكر والتأمل قد يقودان الإنسان إلى فهم اللاهوتيات والسمائيات والآخرويات وتعطيه القدرة عن رسم التصورات الروحية في خياله بشكل أفضل وأسمى بكثير من الوعظ والتعليم المباشر. وربما القصة الشهيرة التي لذلك الطفل، الذي ظل خادمه (الذي يقوم علي خدمته في مدارس الأحد) يشرح له ما هو "الملاك" ذلك المخلوق السمائى النقى الأبيض المنير ذو الأجنحة، وإذ بدأ الطفل يرسم صورة للملاك من نسج خياله الشخصى بفكره وبدأ يتأملها وينميها حتى تشبع تماما بصورة ذلك الملاك النوراني. وعندما أراد الخادم أن يجسد صورة الملاك لهذا الطفل، أحضر صورة مرسومة للملاك، فبكى الطفل، فسأله الخادم لماذا تبكى، فقال له، إن الصورة التي رسمتها في خيالى لهذا الملاك لم تكن كهذه، بل أجمل بكثير. والمقصود هو قدرة الفكر والخيال والتأمل على تجسيد المفاهيم الروحية واللاهوتية والتي يكون للميليسما فيها نصيبًا كبيرًا في فك الروابط التي تقيد الفكر وتحول دون التأمل.
فعندما بشر الآباء الرسل الأطهار بالمسيحية في أنحاء المسكونة اختاروا طقس المجمع اليهودى وهو الذي كان يعتمد بشكل واضح على الموسيقى الغنائية البحتة "Acapella"، أما طقس الهيكل والذي كان معروفًا عند العبرانيين باستخدم جميع الآلات الموسيقية، فلم يلجأ اليه الآباء الرسل عند وضع طقوسهم. وأكد ذلك قانون (رقم 80) لإكليمندس السكندرى الذي منع دخول واستعمال الآلات الموسيقية في الكنيسة. ولأن حنجرة الإنسان هي أعظم آلة موسيقية تستطيع تأدية الميكروتون بدقة ومهارة فلم تلجأ الكنيسة لاستخدام الآلة الموسيقية التي هي أقل عظمة من الحنجرة الطبيعية التي خلقها الله. هذا ساعد الكنيسة العامة شرقًا وغربًا لأن تقطع كل صلة بالعبادات الأخرى، فالآلات الموسيقية كانت تشكل عنصرًا أساسيًا في الاحتفالات الوثنية، ومنعها كان يمثل صونًا للمؤمنين من تذكارات الشر الوثنية وتركيزًا لإنتباههم في قوة الكلمات الإلهية.
لهذه الاسباب ولغيرها منعت الكنيسة القبطية إستخدام الآلات الموسيقية في الليتورجيا، وحيث أن الآلات الموسيقية لا تنطق ألفاظا بل تعزف نغمات فقط، لذلك لجأت الكنيسة إلى أسلوب الميليسما كأسلوب تعويضي لغياب الآلات الموسيقية في الليتورجيا. فصارت الميليسما تقوم بدور اللزمات (الفواصل) الموسيقية، وإذ كان ذلك جميلًا ويصدر أصواتًا عذبة، إمتد إلى ما هو أبعد من اللزمات الموسيقية، فصارت الميليسما متغلغلة في عدد كبير من الألحان بشكل غزير، حتى أن بعض الألحان التي يصل زمن أدائها إلى نحو نصف ساعة، لا يتعدى عدد كلماتها أصابع اليد الواحدة.
ومما سبق يمكن استخلاص أن الميليسما هي اختراع فرعونى لا غش فيه، انتقل إلى الموسيقى القبطية -كأسلوب وليس كألحان- من أجل الوصول إلى تسبيح ملائكى ممتد لا يفتر على الدوام، وقد طورته الكنيسة ووظفته ووضعته في الأشكال والقوالب والصيغ التي تخدم المفاهيم الروحية واستخدمته للتعبير عن الحالة التي تعيشها ولتفسير الكلمات، ولتصفية وتنقية الذهن من تشويشات العالم الخارجى، ولإتاحة فرصة للتأمل، كما استعوضت به الآلة الموسيقية التي منعت استخدامها في الليتورجيا المقدسة.وهذا الأسلوب الميليسماتى انتقل بعد ذلك إلى الموسيقى العربية في القالب الموسيقى الغنائى الشهير المسمى بـ"الدور"، ثم انتقلت منه إلى الأغانى القديمة، حتى وصلت الميليسما إلى الأغانى الخفيفة المعاصرة. (مرفق شكل توضيحي لإنتقال الميليسما من الفراعنة حتى الآن).
الصورة في شكل جدول:
(شكل يبين انتقال أسلوب الميليسما من الفراعنة حتى الآن)
الميليسما في الموسيقى الفرعونية (بالتنغيم على السبعة حروف المتحركة) وتعتبر هي اساس الميليسما في العالم كله |
↓ |
الميليسما في الموسيقى القبطية انتقلت إليها من الموسيقي الفرعونية، فطورتها الكنيسة القبطية ووظفتها لتخدم المفاهيم الروحية وللتعبير عن الحالة التي تعيشها الكنيسة ولتفسير الكلمات، ولتنقية الذهن من تشويشات العالم الخارجى، ولإتاحة فرصة للتأمل، ولاستعواض الآلة الموسيقية التي منعت استخدامها في الليتورجيا المقدسة. |
↓ |
الميليسما في الموسيقى العربية انتقلت اليها من الموسيقي القبطية فظهرت بوضوح في قالب الدور) الهنك) ومنه انتقلت إلى الأغانى المصرية القديمة |
↓ |
الميليسما في الأغانى الخفيفة انتقلت اليها من الموسيقى المصرية القديمة، ولكن بشكل مبسط |
↓ |
_____
[5] علماء الحملة الفرنسية – وصف مصر- الكتاب السابع- الموسيقى والغناء عند قدماء المصريين – ترجمة زهير الشايب - ص83
[6] مصطفى عطالله وجورج كيرلس – الموسيقى القبطية- جامعة حلوان دبلوم الدراسات العليا في الموسيقى الفرعونية 2006 –HEEPF - ص 56.
[7] الكتاب المقدس: إنجيل متى الاصحاح 22 آية 30 (مت 22: 30)
[8] جورج كيرلس – محاضرة في جامعة سان تيخون بموسكو - إبريل 2013
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/george-kyrillos/musicality-coptic-hymns/melismatic.html
تقصير الرابط:
tak.la/hs5z4v8