St-Takla.org  >   articles  >   fr-seraphim-al-baramosy  >   a
 

مكتبة المقالات المسيحية | مقالات قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي - تاريخ المقال: أكتوبر 2010

43- ممارسة الترتيل بالمزامير

 

في الجزء الثاني من كتاب المعاهد، يُبرّر كاسيان التسبيح باثني عشر مزمورًا في الخدمتيْن الرئيسيتيْن (الغروب والسهر)، مستشهدًا، ليس فقط بالتقليد المُقدّس، ولكن بتوضيحٍ إلهيٍّ لتلك الممارسة، وتلك القصة قد تكون مرتبطة بقصّة القديس باخوميوس التي يظهر فيها تسليم الملاك لتلك الممارسة الرهبانيّة.(1) وفي النسخة الخاصّة بكاسيان، نجد أنّه قد اجتمع جمعٌ من رؤساء الرهبنة لمناقشة العدد الأمثل من المزامير التي يمكن ترتيلها في الخدمات العامّة، ولكنّهم لم يتوصّلوا لاتفاقٍ، فقرّروا أن يُصلّوا الغروب معًا.

“وبينما الجميع جالسون (كما هو معتادٌ وشائعٌ في أرض مصر)، مُثبّتين كلّ تركيز قلوبهم على كلمات المزامير التي تُرتل. رتل [الملاك] إحدى عشر مزمورًا يتخلّلها صلواتٌ: مُرتلاً كلّ آية لاحقة مع تعديلٍ(2) مساوٍ لها، وأكمل الاثني عشر بالاستجابة بـ‘هلّلويا’، وبانصرافه المُفاجئ عن أعين الجميع، وضع نهاية لاختلافهم وخدمتهم [الليتورجيّة]”(3)

كانت لكاسيان عدّة أهدافٌ من الفقرة السابقة؛ أولاً: أراد أن يشير إلى أنّ الاستماع إلى الترتيل بالمزامير كان أثناء جلوس الجميع كما كان شائعًا، كعادةٍ، في مصر آنذاك (حسب قوله). ثانيًا: المزامير الفرديّة كانت تُرتل مع الصلوات وليس بالمردِّ “هلّلويا” بعد كلّ منها. ثالثًا: أنّ المزامير كانت تُرتل بوضوحٍ وتمييزٍ، مع إمكانيّة “التعديل”، الأمر الذي يُشجِّع الجميع على التركيز الكامل بكلّ قلوبهم على الآيات التي تُرتل. وفي النهاية تخلُص تلك القصّة إلى أنّ اثني عشر مزمورًا كانت كافية.

كما يظهر أيضًا من خلال النصّ أنّه في الاجتماع اللّيتورجي، كان ترتيل المزامير قاصرًا على مُرتل أو اثنين بينما الباقي جالسون. تلك النقطة يسترسل فيها كاسيان في موضعٍ آخر من كتاب المعاهد، كما يلي:

“إنّ الاثني عشر مزمورًا المذكورة أعلاه مُقسّمة كالتالي: لو كان هناك أخوان، يُرتل كلّ منهما ستّة مزامير، وإن كان هناك ثلاثة، يرتل كلّ منهما أربعة مزامير، وإن كانوا أربعة يرتل كلّ منهما ثلاثة مزامير، ولا يُرتل بأقل من هذا العدد في المجمع، لذا فمهما كان حجم الجمع، لا يُرتل أكثر من أربعة في الاجتماع”(4)

وتشير تلك النصوص إلى أنّه على عكس نظام التناوب في الترتيل antiphonal(5) حيث تتبادل جوقتان من المرتلين، التسبيح، نجد الممارسة الرهبانيّة المبكّرة للسهر اللّيلي وكذلك خدمة الغروب كانتا تعتمدان على الإنصات أكثر من الترتيل.(6)

كان مَنْ يُرتل هو المُنشِد وليس الجماعة(7)، ولكي يتسنَّى للرهبان أن ينصتوا بانتباهٍ أكبرٍ كان مسموحًا لهم بالجلوس أثناء ترتيل الإبصلموديّة:

“إنّ عدد المزامير القانوني السابق ذكره، يسهُل على الجماعة، عن طريق الراحة الجسديّة. إذ كان يجلس كلّ المجتمعين على أرائكٍ مُنخفضةٍ (باستثناء ذاك الذي يقف في المنتصف ليرتل المزمور)، ويتابعون صوت المُرتل بتركيز قلوبهم الكامل، وذلك لأن الصوم والعمل ليل نهار مُجهِد للغاية، لذا فلو لم يكن مجالاً كهذا [للراحة]، لن يكون في مقدورهم أن يكملوا هذا العدد من المزامير وهم وقوف”(8).

وبحسب كاسيان، فإنّ هذا الوضع الظاهري للجسد كان يُساعد الرهبان في الإبقاء على تركيز القلب أثناء الترتيل وكانت هناك فترات لإنعاش refreshment انتباههم أثناء الإنصات للترتيل عن طريق فترة من الصلاة الصامتة والتي كانت تُختتم بالختام الذي كان يُنشِده المُرتل. هذا كان هامًا لتغيير وجهة تركيزهم من الإنصات، إلى حالة أكثر نشاطًا من الصلاة الذاتيّة. وبعد فترة الصلاة، وقد انتعش تركيز القلب يمكن للمرتل (المرتلين) أن يكملوا وينتقلوا إلى المزمور الثاني:

“لذا لم يحاولوا عن طريق الترديد المتواصل للمزامير أن ينهوا تلك الخدمة الجماعيّة؛ بل كانوا يقسّمون الآيات إلى قسميْن أو ثلاث، ويكملونها منفصلة، قسمٌ وراء الآخر، ويرصّعونها بصلواتٍ فيما بينها. لأنّه ليس بكثرة الآيات ولكن بانتباه ومعرفة الذهن كانوا يبتهجون مُشدّدين على ذلك بكلّ قلوبهم؛ أُصلّي بالروح وأُصلّي بالذهن أيضًا (اكو14: 15)”(9).

ويرى جيمس ماكينون James McKinnon أنّ عبارة “يكملونها منفصلة، قسمٌ وراء الآخر”separately, section by section، تشير إلى الإيقاع الهادئ في الترتيل من قِبَل المُرتلين، لتسهيل فهم الجزء الذي يُرتل.(10)

على الجانب الآخر، نجد أنّه كانت هناك فرصةٌ أخرى لتدعيم المفهوم الروحي للمزمور من خلال الوقفات الخاصّة بالصلاة والتي كانت تتخلّل ترتيل المزامير بشكلٍ منتظم. كانت تلك الوقفات ترتبط بثلاثة أفعال مُتتاليّة؛ لكلٍّ منهم وضعٌ خاص. أولاً: يقف الرهبان للصلاة، يعقبها سجود قصير -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى- وأخيرًا ينتصبون مُجدّدًا للصلاة بأيادٍ منبسطة ومرتفعة إلى العلاء، بينما “يختتم” المُنشِد تلك الصلاة الجماعيّة. ويُحذّر كاسيان من أن وقفات الصلاة يجب أن تكون متأنيّة وليست مُسرعة، إلاّ أنّه يؤكّد أنّ السجود لا ينبغي أن يطول. ويضيف كاسيان تلك الممارسة المصريّة مفسرًا إياها كما يتذكّرها قائلاً:

“.. قبل أن يحنوا ركبهم، يُصلّون لفترةٍ قصيرةٍ، واقفين لكيما يقضوا الجزء الأكبر من الوقت في التضرُّع. بعد ذلك، ولبرهة قصيرة، ينحنون إلى الأرضِ مُتعبّدين لرحمة الله، ثم يقفون بسرعة، وينتصبون رافعين أياديهم، كما كانوا واقفين للصلاة من قبل، متريّثين في التضرُّع، لأن إطالة السجود على الأرض يجعلك عُرضة -كما يقولون- ليس فقط لهجوم الأفكار الشريرة، ولكن أيضًا للنوم.. ولكن حينما يقوم مُترئِّسُ الصلاة، يقف الجميع، لا يحني أحدٌ ركبتيه قبل سجوده أو يُطيل سجوده بعد قيامه من على الأرض..”(11).

تلك الفقرة تُميِّز لنا بين الصلاة المُقدّمة أثناء الوقفات ما بين المزامير؛ فالأولى تسبق السجود ويشير إليها كاسيان بكلمة (12)oratio، والثانية تعقب السجود، حيث ينتصب الرهبان في وضع الصلاة رافعين أياديهم (كعلامة تضرُّع) ويُقدّمون ابتهالاتهم والتي تنتهي بالترتيل الذي يُرتله المُنشِد نيابة عن الجمع كلّه.(13)

 

لوقا ديسينجر Luke Dysinger

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) يؤكّد Owen Chadwick أن رواية كاسيان مشابهة لما ورد في التقليد الباخومي عن “قانون الملاك”، ولكنه يصف بتفصيل أيضًا الاختلافات الأساسيّة، ويشك أن هذا الأمر يثبت وجود علاقة مباشرة بين كاسيان والقديس باخوميوس.

Chadwick, John Cassian, pp. 60-2.

(2) [يقصد بالتعديل] نغمة أو نظام لكلّ آيتين معًا.

(3) Cassian, Institutes 2.5.5, SC 109, p. 68

(4) Cassian, Institutes 2.11.3, SC 109, p. 78.

(5) مصطلح أنديفونا antiphonal يستخدم هنا في نطاق ضيق للتعبير عن الترتيل التبادلي للخوارس. بينما يستخدم كاسيان هذه الكلمة antiphona للتعبير عن ممارسات مختلفة تمامًا؛ فأحيانًا يشير بها إلى ترتيل ضمني responsorial (كمرد لقراءة) لآية أو لمزمور بأكمله (Institutes 2.2.1, SC 109, p. 58). بينما في مواضع أخرى يستخدمه للتعبير عن ترتيل كلّ المزامير المتعلّقة بالخدمة (Institutes 2.8, SC 109, p. 72). وفي استخدام ثالث للمصطلح يبدو أنه يعني الترتيل المتناغم للمزمور أو مرد (لازمة) يرتله المجمع كله. (Institutes 3.8.4, SC 109, p. 112).

(6) يؤكّد Bunge على تلك النقطة وذلك في Geistgebet, pp. 13-14، إذ أنه يرى، بشكل غير مفهوم، أن الترتيل للمزامير كان يؤدّى على أقصى تقدير من قبل ثلاثة منشدين “höchstens drei Sängern”، وذلك بالرغم من الوصف الذي أورده كاسيان عن أربعة منشدين.

(7) تلك كانت الممارسة المبكرة للخدمة في مصر والتي يصفها كاسيان في الكثير من فقرات كتابه الثاني من المعاهد Institutes. بينما نجد في مجمع كاسيان في بلاد الغال وضعًا مختلفًا. ويشير في كتاب المعاهد3، 3، 1 إلى الممارسة في فلسطين وبلاد ما بين النهرين التي سبقت الممارسة في مجمعه، فبالإضافة إلى السواعي الجديدة؛ الثالثة والسادسة والتاسعة (التي استبدلت الممارسة المصرية الأكثر قدمًا “للصلاة الدائمة” أثناء العمل)، كان هناك أيضًا تنوع كبير في طرق ترتيل المزامير. ويستخدم مصطلح antiphona tria ليشير إلى ذلك التنوع، وقد يكون شكل من أشكال الإنشاد الضمني (كمرد لقراءة) (Institutes 3.8.4, SC 109, p. 112)، ولكن من المؤكّد أنه كان ترتيلاً للمزامير بواسطة المجمع كله وليس المنشد فقط.

(8) Cassian, Institutes 2.12.1, SC 109, pp. 78-80.

(9) Ibid., 2.11.1, p. 76.

(10) McKinnon, Music in Early Christian Literature, p. 148.

(11) Cassian, Institutes 2.7.2-3, SC 109, p. 70.

(12) تعني “عظة”. (المعرّب)

(13) إن من يقوم بـ“ختام صلاة المجمع” هو المرتّل وهو ما يظهر بوضوح في تلك القطعة التي يعارض فيها كاسيان بوضوح تلك الممارسة (والتي صارت فيما بعد العادة السائدة في الغرب) لإنشاد المجدلة بعد كلّ مزمور. ويحافظ كاسيان على موضع الذوكصا بعد الانتهاء من ترتيل كلّ المزامير: “إن ما شاهدناه في هذه المدينة، حيث يقف المجمع كلّه بعد نهاية كلّ مزمور ويرتلون بصوت عالٍ ‘المجد للآب والابن والروح القدس’، لم نسمع به قبلاً في أي مكان في الشرق كلّه. فهناك، بينما يسود الصمت والسكون الجميع، يختم المرتل الصلاة. إنّ هذا اللحن لمجد الثالوث يُختتم به، عادة، خدمة ترتيل المزامير”. Institutes 2.8, SC 109, p. 72.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/articles/fr-seraphim-al-baramosy/a/psalmody.html

تقصير الرابط:
tak.la/js4m5d5