من صفات الله أنه طويل الروح = طويل الأناة... طويل البال... مترفق... متمهل... بطئ الغضب...
رغم أنه غضب على شعبه، وقال لموسى النبي: " لا أسير معكم" وبإلحاحٍ وصلاة موسى قال له: "أسير معكم" فما أجمل طول أناة ربنا علينا رغم خطايانا وإنكارنا لمحبته... فأعلن الله عن ذاته وصفاته لأولاده وبالأكثر لخاصته بنزوله قدامهم واقترابه منهم وسُكناه وسطهم ومسيرته معهم... كما قيل في سفر الخروج (خر 34: 5 - 10): "فنزل الرب في السحاب (الغمام) (ليحقق وعده لموسى) فوقف عنده (معه) هناك (على الجبل إشارة لتجسده) وأعلن له إسمه (وموسى مختبئ في حفرة والرب ساتر عليه بيده) واجتاز (مر) قدامه ونادى (بزلزلة صوته - أعلن ذاته): "الرب إله رحيم ورؤوف، بطئ الغضب (طويل البال) وكثير الإحسان والوفاء، حافظ الإحسان (الرحمة) إلى ألوف الأجيال. غافر الإثم والمعصية والخطية. ولكنه (لا يترك دون عقاب) لن يُبرئ (الإثم) إبراء. مفتقد إثم الآباء في الأبناء، وفي أبناء الأبناء، في الجيل الثالث والرابع". فأسرع موسى وخر إلى الأرض وسجد... (وقال سر معنا وأسكن بيننا فأنت عارف ضعفنا وكثرة إثمنا) فقال له: ها أنا أفعل عجائب لم تُخلق في كل الأرض (لم يشاهد أحد مثلها)... أن الذي أنا فاعله معك رهيب. (أتجسد وأعبر بك إلى السماء) "
أنت عجيب في طول بالك!! منذ سنوات قليلة فعلت عجبًا في أرض مصر وأخرجتهم من العبودية، وفعلت أعجب عندما عبرت بهم البحر الأحمر. فأنكرك هذا الشعب وصنع عجلًا من ذهب وقال عنه: هذا هو إلهك يا إسرائيل. والآن توعدتهم رغم كل هذا بأنك تفعل معهم أمرًا رهيبًا! لماذا تتحمل وتتمهل وتترفق علينا؟
* صوتك زلزل قلوبهم، وبمسيرتك معهم سيطرت وملكت عليهم، وباقترابك منهم إقتحمت مشاعرهم بطول أناتك... فظل هذا النداء يزلزل قلب الآباء ويحطم فيهم كل كبرياء ويرفع قلوب البسطاء.
الرب طويل الروح كثير الإحسان، يغفر الذنب والسيئة، لكنه لا يُبرئ بل يجعل ذنب الآباء على الأبناء إلى الجيل الثالث والرابع (عد 14: 18) يتحمل الأبناء أخطاء الآباء، فإن أخطئ الأب وضاع ماله فلا يجد أولاده طعام ومعيشة.
* يتحمل الأبناء ضعف الآباء إجتماعيًا وصحيًا وماديًا ومعنويًا ونفسيًا وأدبيًا، فيظهر جيل غير سوى يعيش في آلام، ولكن بطول أناة الرب وكثرة إحساناته وغفرانه إذا إنتفض أحد من هذه الضعفات يقويه الرب ويرفعه ولا يحمل ذنب أبوه. ويظل الرب بصبره يعالج أخطاء البشرية ليجدد لنفسه جيلًا يتكل عليه وينعم بإحساناته. مثال: ظل الرب مع شعبه أربعين سنةً في البرية حتى هلك الجيل المتمرد وعبر بجيل آخر لم يرث أخطاء آبائه...
* يقول القديس جيروم: الرب لا يعاقب أولاده في الجيل الأول (= بمجرد الفكر الخاطئ) ولا في الجيل الثانى (= شهوة الخطية والإنغماس في ملذاتها) وإنما يعاقب في الجيل الثالث (عند السقوط) والجيل الرابع (عندما تصبح عادة) فهو طويل الروح متمهل متأنى صابر علينا لإصلاحنا...
* ولا ننسى دائمًا الرب يحتمل ضعف إيماننا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فقال لتلاميذه: " أيها الجيل غير المؤمن والملتوى، إلى متى أكون معكم وأحتملكم؟" (مت 17: 17)، (لو 9: 41).
تمتع نحميا النبي بطول أناة ربنا فقال: "أنت إله غفور وحنان ورحيم، طويل الروح وكثير الرحمة، فلم تتركهم مع أنهم عملوا عجلًا ليرجعوا لعبوديتهم" (نح 9: 17) لقد تلامس مع رحمة الله المتكررة الكثيرة القوية، وعرف أنه رحيم أى يلد من جديد ولا يمل، بل بحنان يعطينا فرصًا كثيرة. فكم من مرةٍ نخطئ وهو يسامح وكأننا لم نفعل شيء. فبالمعمودية أنعم علينا بالميلاد الثانى، وفي كل إعتراف يجعل حتى الزانى بتول.
وهذه الرحمة واضحة مع شعبه في برية سيناء كما ذكر نحميا النبي أيضًا، فقال: رغم أنهم عملوا عجلًا وقرروا الرجوع لعبوديتهم وأحنوا رؤوسهم للإنسان الطاغية العنيف (= مصر) وأبوا التمتع بالحرية ومجد أولاد الله، إحتمل الرب تصرفاتهم ولم يحرمهم من طعامهم ولم يمنع عنهم ماء الصخرة المتفجر ولم ينزع عنهم عمود النار ولا ظل السحاب لرعايتهم وإنارة طريقهم، وأعطاهم روحه الصالح لتعليمهم (نح 9: 20) فظل الروح القدس على السبعين شيخًا ينطق بتعاليم وإرشاد وتصحيح للمسار؛ لأنه طويل الروح حنَّان رؤوف غفور.
سؤال: ما الذي جعل نحميا يقول هذا؟
أولًا: لأنه تلامس مع حنانه، إذ بالصلاة والصوم والتوبة رجع شعبه من السبى بدون سلاحٍ بل رجعوا بخيرات أرضية ليبنوا هيكلًا... بل رجعوا بإلحاح من الملك الأرضى لحضن الملك السمائى...
ثانيًا: لقد رأى الشعب متكاسلًا في بناء الهيكل ومحبطًا؛ لأنهم مهما فعلوا فلن يعود الهيكل إلى مجده الأول في عهد سليمان الملك، فكان نحميا يقويهم ويدفعهم للعمل ويُذكرهم أن الرب قادر أن يعوضهم عن ذهب الهيكل وفضته بكلامه الغنى، و بدلًا من تابوت العهد ومجد الرب الذي كان يظهر عليه أنهم سوف يحملون مجده عليهم ونوره فيهم، فإن مراحمه كثيرة وسوف يلد كنيسته بمجد جديد أعظم...
لقد تمم خطته وصليبه بطول الأناة. إحتمل الرومان المستهزئين به كيهودى، واحتمل اليهود وإستخفافهم بقوله: "أنا هو. أنا المسيا. أنا هو الله". واحتمل اللص على الصليب وقوله: إن كنت أنت إبن الله فانزل من على الصليب... بطول أناته وصبره ومحبته قال: "أغفر لهم" فلهذا رآه داود منذ زمان، فقال على لسانه: "اللهم المتكبرون قد قاموا علىَّ، وجماعة العتاة طلبوا نفسى (اليهود والرومان) ولم يجعلوك أمامهم (نسوا النبؤات). أما أنت يا رب فإله رحيم رؤوف طويل الروح وكثير الرحمة والحق (تريد أن تنعم عليهم بالميلاد الثاني الذي من فوق) إلتفت إلىَّ وارحمنى. أعط عبدك قوتك (لأنى صرت عبدًا وأنا البار، لكي أبررهم فأعطنى قوتك) وخلص إبن أمتك (مز 86: 15، 16) (لكي نأخذ نحن أيضًا قوةً ونقول: قوتى وتسبحتى هو الرب الذي صار لي خلاصًا) (مز 118: 14) لأن الابن الطبيعى له سند، أما ابن الأمة ضعيفٌ. فصار المسيح إبن العذراء التي قالت للرب: "هوذا أنا أمة الرب"
* هذه هي عمق مشاعر الرب وطول أناته. إحتمل موت العار. إحتمل خطايانا. إحتمل جهلنا ليتمم خطة خلاصنا.
"الرب حنَّان رحيم رؤوف، طويل الروح (الأناة) وعظيم الرحمة. صالح للكل (يترأف بالجميع) ومراحمه على كل أعماله" (مز 145: 8) الرب يساند جميع الساقطين، ويُنهض المنحنيين (الرازحين).
* الرب حنَّان على كل الخليقة، على كل أعماله، على الخليقة العاقلة وغير العاقلة. طويل الأناة يصبر بلا حدود. الكل يترجى ويرفع عينه وهو يعطى حنان ورحمة ورأفة وحب، وعندما يبسط يده أى يمدها لأى أحد يشبع فيرتمى في حضنه شاكرًا لأنه ذاق طول أناته وهذا المزمور هو: للروح التقيه التي تحررت من الخطية وفتحت عينيها على أعماله الإلهية، وتمتعت بوجود المسيا والمعمودية والإفخارستيا، وكرست نفسها لتسبيح رب البارية، فتصير غرقى في محيط محبته السمائية؛ لأنها لمست خيراته وصلاحه للكل وعلى كل البشرية... (كان اليهود في عبادتهم يترنمون بهذا المزمور صباحًا وظهرًا ومساءًا) هو مزمور لكل من ذاق طول أناته ولا يكف عن تسبحته. في كل أوان تسبحته موجوده في فمى (الهوس الكيهكى الكبير) ومن يحبه لا ينشغل إلا بشكره، وبالرب يفتخر ويدعو كل الخليقة معه للتسبيح؛ لأن الرب صالح حلوًا... طيب... خير... و..
1 - طول أناته المفروض أن تدفعنا للتوبة والخير والرحمة والحنان.
لقد لخص الآباء الحكماء الموضوع في كلمه بسيطه " طولة البال تهد الجبال " فمهما كانت قلوبنا قاسية فطولة بال ربنا تهد تشامخنا وكبريائنا..
2 - تعلَّم أن تكون مثله طويل الروح، تتأنى على أولادك وأصحابك وأقربائك. تعود أن تكون طويل النفس كما قيل: "طول الروح خير من تكبر الروح" (جا 7: 8) لأن المتأنى في قرارته غالبًا ما يكون متضعًا، والإنسان المندفع سواء داخليًا أو خارجيًا يفقد سلامه وميراثه...
3 - أطل بالك على نفسك. لا تتعجل خلاصك... إصبر حتى تقتنى الحكمة والنعمة... أطل روحك حتى يأتى بروحه ويسكن داخلك، ويقودك...
كن حليمًا مثل موسى فلم يكن رجلًا حليمًا مثله (عدد 12: 3) الذي قال: " إن نبى مثلى سيقيم لكم الرب إلهكم من إخواتكم له تسمعون" (أع 3: 22) مثل ما قُدت الشعب هو القائد الأعظم. مثل ما إحتملت ضعفاته فهو طويل الروح وكثير الرحمة.
"وأما ثمر الروح فهو: محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف." (غلا 5: 22، 23)
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-ibrahim-anba-bola/spirit-acts/long.html
تقصير الرابط:
tak.la/27syd8s