مازلنا كما بدأنا الصوم الكبير بنعمة ربنا نتمشي مع صديقٍ ورفيقٍ حبيبٍ يكشف لنا عن الله القدوس الذي لا يطيق شرنا، وفى نفس الوقت يده ممدودة لنا، وإن سمح للأعداء بإذلالنا فهو القدوس واهب النصرة على الموت(إش 38) والأنا (الذات المتكبرة) (إش 39). هو المعزي الحاضر معنا الضابط الكل مدبر حياتنا. نتمشى مع إشعياء إنسان مثلنا، رمزاً ليسوع مخلصنا الذي دائماً يبث روح الرجاء في نفوسنا.
"أحامي عن هذه المدينة لأخلصها من أجل نفسي ومن أجل داود عبدي" (إش 37: 35) وقال الرب عن ملك آشور: "لا يدخل هذه المدينة ولا يرمي هناك سهماً... في الطريق الذي جاء فيه يرجع" (إش: 33 ، 34). كلام كله رجاء، يبث روح الثقة في إلهنا أنه يُحامى عنَّا ويخلصنا من أجل اسمه الذي دُعي علينا، ومن أجل طلبات آبائنا الذين يسندونا بتوسلاتٍ نهاراً وليلاً... هكذا هي ثقتنا في من أحبنا ويُحوط علينا بملائكته القديسين.
* ورغم هذا الوعد الصريح والكلام المعزى المريح وهذا الرجاء وسط هبوب الريح، ظل ملك آشور في أول سنتين في حصاره للمدينة. يبعث برسائل تهديدٍ وبصوت عالٍ مخيف، وكان جيشه يستأصل الزرع من جذوره ويخرب المحصول ليضعف قلوب السالمين. هكذا استمر.
* فأرسل الرب رسالةً أخرى لشعبه: "هذه لك العلامة: تأكلون هذه السنة زريعاً (أجعل بذوراً تسقط منهم لتنبت وحدها في هذه السنة) وفى السنة الثانية خِلفة (أي أُعيد لكم البركة الأولى، حينما كنتم لا تزرعون الأرض في السنة السابعة كنت أبارك في الغلات) وأما السنة الثالثة ففيها تزرعون وتحصدون وتغرسون كروماً وتأكلون أثمارها" (إش 37: 30) إذ كان سنحاريب ملك آشور يزداد كبرياءً على الله ويهدد شعبه، لكن ظل الله يرسل لإشعياء برسائل رجاء، وفى نفس الوقت يرسل لآشور برسائل يفكرهم بعجائب الرب في السنين السالفة فقال: "أنا عالم بجلوسك وخروجك ودخولك وهيجانك عليَّ" (إش 37: 27) هل تتذكر حينما كان شعبي في الصحراء فأخرجت لهم ماءً من صخرة صماء، ولما حاصرهم البحر وفرعون نشفت لهم البحر وكان الماء عن يمينهم وشمالهم مثل سور ليعبروا (راجع إش 37: 25) يا ملك آشور على من ترفع صوتك؟ ولماذا ترتفع عينيك على قدوس إسرائيل؟ (إش 27: 23) انتبه نهايتك قربت!!
* في هذه الفترة من الزمان مرض حزقيا الملك التقى الصديق (إش 38)، وذهب إليه إشعياء ليقول له: أوصي بيتك لأنك ستموت. وفيما إشعياء في القصر يُعطى رجاء لأهله ويعد ويرتب الأمور، وجه حزقيا وجهه إلى الحائط وبكى وصلى إلى الرب، فجاءت بسرعة رسالة لإشعياء قبل أن يخرج من القصر، قل لحزقيا: صلواتك قُبلت والرب زاد على عمرك خمس عشرة عاماً (راجع إش 38).
ملاحظة: ازداد سنحاريب تكبراً وتصلب قلبٍ وعناداً وافتخارًا بجيشه، ومن هذه العظمة قال: "لقد أغلقت على حزقيا كعصفورٍ في قفصٍ" وفرض ضرائب مضاعفة... بينما حزقيا وإشعياء وقلة من شعبهم ازدادوا صلاة وثقة ورجاء بربهم، فخرج ملاكٌ وقتل 185 ألفاً لأنهم تمسكوا بمذبح الله هذا هو إلهنا في العجز، بالصلاة يعمل في وسطنا عجائب، وفي الرجاء والصمت يعمل بنا أعجب.
حزقيا اتضع وصلى وطلب مساندة إشعياء فرفعه الله. وسنحاريب تكبر على الله فقتله أبنائه وهلك جيشه.
لقد وجدنا هذا الرجاء في فقيرٍ وسط شعبه، حقيرٍ ظل ثماني وثلاثين سنة على رجاء متى يأتي ملاك الرب ليحرك الماء لربما يستطيع النزول إلى الماء أولاً أو أن يتحنن عليه أحدٌ وينزله.
تُصلى الكنيسة وتقول: "الجياع أشبعهم، صغيري القلوب عزيهم". كأننا نصلى ونقول لربنا: نحن جوعَى للبر تعال أشبعنا، أعطنا برك. يا رب من كثرة خطايانا صغرت نفوسنا ولا نستطيع المقاومة، تعال ساعدنا على الانتصار وعزينا. الرجاء الثابت يولد فينا عزاءً من السماء: "عزوا عزوا شعبي يقول إلهكم" (إش 40: 1).
أكبر وأقوى عزاء في وسط الألم أن نسمع صوت أبونا السماوي يقول: عزوا شعبي (أولادي. خاصتي. جزء منى. أحبائي. الذين أفتخر بهم) يقول إلهكم (أي المسئول عنكم... ضابط حياتكم... خالقكم... الكائن معكم) إذا كان العزاء من شخص مثل الرب فهو يداوي القلب المجروح ويطيب الجروح ويدخل إلي مفارق الجسد والروح فقال: " طيبوا (تحدثوا إلى) قلب أورشليم ونادوها بأن جهادها قد كمل، إن إثمها قد غُفر لها، إنها قبلت من الرب ضعفين عن كل خطاياها" (إش 40: 2) لقد صلى داود وطلب (مز 25: 18) "أُنظر إلى ذلي وتعبي واغفر لى خطيتي" فجاءت رسالة عزاء على فم إشعياء: بدل الذل والتعب يُعطى الرب غفران وتحرير من الخطية. لقد قبلت من الرب ضعفين؛ لأنه كان المفروض كما أمرت الوصية "كف عن الشر وافعل الخير" (مز 37: 27) فلم نهتم بالوصية، فجاء علينا الذل والتعب وجاءت النعمة بالغفران والتحرير.
* ظل المفلوج يتعزى بالملاك الذي ينزل أمامه ويحرك الماء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى... ظل متعلقاً بالسماء فرحاناً بوجوده بجوار البِركة البَركة، بإقامته بقرب هيكل ربه. رؤيا فيها عزاء: "إذا كان مجد الله يفارق الهيكل عندما يغضب الرب" (راجع حز 11: 22 – 25) فإشعياء غالباً سمع صوتاً سمائياً يدعو السمائيين لتهيئة الموكب للعودة من السبي، بل أكثر من هذا رأى وفرح وتكلم عن مجيء يوحنا أمام المسيح، وعزانا بمجيء الصوت الصارخ (اش 40) قبل مجيء الكلمة، مجيء مصباح مُضيء قبل ظهور النور، مجيء كوكب الصبح الذي يُعلن عن بزوغ الشمس من وراء الأفق. كأن إشعياء يُعطينا عزاءً بمجيء ملاك يُهيئ الطريق أمام المسيا المنتظر الذي يُشعنا ويروينا، ويهيئ طريقاً مستقيماً للرب، يُهيئ قلوبنا لتسلك بوصاياه وتستقبل كلمة الحياة وتتعزى بوجود الله.
وقف إشعياء بين شعبه البائس المُحطم يبث فيهم الرجاء والعزاء، وأكثر من هذا لقد أعطاهم بشارة مفرحة بقدوم المخلص (يسوع) وإن بقدومه يسند الكل ويضمد كل جرحٍ ملتهب وكل نفسٍ متعبة ويقود إلى الأمان والحق، فقال: " قصبة مرضوضة لا يقصف... إلى الأمان يخرج الحق" (إش 42: 3) وقال على لسان الآب: "ها هو عبدي (المسيح) الذي أعضدَّه مختاري (الابن) "الوحيد الجنس" الذي سُرت به نفسي (شهادة الآب للابن في نهر الأردن) وضعت روحي عليه (لكي يحل على كل أبنائه) فيخرج الحق للأمم" (إش 42: 1) تعالوا إليه بصراخ القلب الهادئ وهدوء وسكون الروح الملتهب قائلين:
"أيها المخفي فيَّ والمستتر، اظهر فيَّ سرك المخفي (الحق الذي في داخلي). اكشف لي حُسنك الذي هو داخلي (ذاتك) يا من بناني هيكلاً لسكناه ظللني بغمامة مجدك داخل هيكلك (جسدي) (الشيخ الروحاني).
* لقد أعلن إشعياء قديماً وأوضح فعل قيامة ربنا يسوع (إش 54) وعمل فدائه لكل الأرض، فقال عن الابن: "لا يكِل ولا (ينثني) حتى يضع الحق في الأرض (يظهر أو يحل الحق في الكل) وتنتظر الجزائر شريعته (الجزائر تمثل الغرب الأقصى = الأجيال التي لم تظهر بعد أو الأمم)" (إش 45: 4) لقد فرح إشعياء بمجيء الرب من بعيد وفرح معنا أيضاً من قديم وقال: "غنوا للرب أغنية جديدة تسبحة من أقصى الأرض (إش 42: 10) هذا هو أقصى فرح ممكن أن نصل إليه، وهو دعوة للتمتع بالله الكلى القدرة، والكلى العلم، والكلى الحكمة، والكلى الحب.
* لقد نزع مِنَّا روح اليأس وبث روح الرجاء، وأعلن خطته ومتعنا بحضوره، وإن كان قد سمح بتأديبنا فهذا بسماح منه وليس صدفة أو كارثة ولا سياسة ولا ضعف عسكري، وإنما ذلك يؤول إلى تجديد طبيعتنا وانتشار ملكوته لنأتي بثمر وفير، والتمتع بطبيعته السمائية.
* لقد تمتع المفلوج بيسوع (مترجم من اللغة اليونانية: الشافي) عندما تخلى عنه الكل وقال للرب: "ليس لي أحد يلقيني في البركة متى تحرك الماء" (يو 5: 7)
نلاحظ أول ما انغرس في قلب المفلوج: ليس لي أحد فجاءه الواحد الأحد الذي جاء لكل وحيد:
أباً وأماً وأخاً وأختاً فماذا تريد أكثر من هذا؟ جاء خادماً وصديقاً وعريساً لكي يهتم بك!!
جاء بيتٍ وطعامٍ ولباسٍ وسلاحٍ فماذا يعوزك بعد؟ جاء كرمةً ورأساً وعضواً وشريكاً وميراثاً فمن يستطيع أن يعادله في الجود؟
تعالوا نتدرب حينما نقف لنصلي ولا نطلب منه شيء بعد هذا الحب العملي ونقول:
لا أطلب منك شيء سوى: شخصك وروحك وحبك
لأني بالرجاء، لي: فيض حبك وعزاء روحك وضياء وجهك.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-ibrahim-anba-bola/great-lent/hope.html
تقصير الرابط:
tak.la/6krn7q4