لقد بدأ المسيح في حوارٍ مع السامرية حتى جعلها تطلب منه ما هو يريده. ففي حديثه معها قال: " لو كنتِ تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لكِ أعطني لأشرب لطلبت أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيًا" (يو 4: 10)
لقد ذهب إليها لأجل ضعف إيمانها واستعدادها... وما يشغلنا في هذا الحديث هو:
1- كيف أعرف عطيته؟ 2- أفهم عظمة قدرته. 3- أطلب منه.
فالرب يتمنى أن تنكشف بصيرتنا ويعلن شخصه لنا ويفتح آفاق ذهننا، لنفهم أننا في حاجة أن نتعرف على حضرته (وجوده) أمامنا وينبه عقولنا، ويوحي إلينا بكلماتٍ بسيطة لينشئ صلةً وعلاقة قوية بيننا مثل السامرية، لكي بسرعة غير عادية وبرتابة وتدرج مبهر يقوي إيماننا، لنبتهل أي نضرع إليه ونطلب منه عطيته، ولو طلبنا أشياءً غير صحيحة فهو ينمو بنا حتى يبلغ إبتهالنا المستوى الذي يرجوه هو منا، ونطلب ما قد أعطيَّ لنا، كما قال لنا إشعياء: أعطنا إبنًا (إش 9: 6) فيه حياة، ندخل بروحه للسماء ويُرينا مجده ببهاء. " وأراني نهرًا صافيًا (روحه) من ماء الحياة (المسيح) لامعًا كبلور، خارجًا من عرش الله والخروف (عرش واحد الله الواحد) (رؤ 22: 1) وكأننا تعرفنا على عطية ابنه بروح قدسه:
1- الماء الحي: أى ماء جاري فيه جديد يتغير ويتجدد.
2- ماء الحياة: أي نحيا ويروي عطشنا. 3- الماء المحيي: أي يعطى حياة من الموت... أعطانا ذاته بئر ماء حي.
هو الماء الحقيقي غير الماء الزائل الذي يشرب منه يعطش أيضًا (يو 4: 13) هذا عرفه داود النبي وصرخ بابتهال كالعطشان وقال: منذ زمان "عطشت إليك نفسي" (مز 63: 1) متى أعود وأترأى أمام الله (مز 63: 2).
لنبدأ الآن في الإبحار في سفر الأعمال، في قراءات الأسبوع الثالث من الخمسين المقدسة، ونتعرف كيف صلى الآباء ووقفوا بخشوعٍ وابتهال يتوسلون ويتضرعون ويطلبون يد الله معهم حتى تزعزع المكان وامتلئوا نعمة جديدة، بعطية فريدة، بقوة شديدة، برباط المحبة الوثيقة، يشهدون بقيامته المجيدة.
أولًا: في سفر الأعمال نجد: (أع 4: 23 - 25)
1- تمتعوا بعطيته: "ولما أُطلقا آتيا إلى رفقائهما وأخبراهم بكل ما قاله لها رؤساء الكهنة والشيوخ" (أع 4: 23) بعدما أُطلقا من وسط الدائرة المغلقة... بعدما أُطلقا كأسودٍ؛ لأنهم غلبوا وانتصروا وظفروا بالغالب وبعطيته وبنعمته. بعدما لاحظا ضعف الرؤساء الذين كانوا أسودًا في محاكمة السيد المسيح منذ أيام قليلة وحكموا عليه بالصلب. الآن هم مثل قططٍ لا حول لهم ولا قوة.
لقد تمتع آبائنا بالمسيح وبروحه الذي كان يتكلم فيهم ويدافع عنهم... لقد تمتع وفهم آبائنا كيف يستخدم الله ويعمل بالمزدرى والمرذول والضعيف والحقير... كيف الذين لا صوت لهم خرج صوتهم إلى أقطار المسكونة وبلغ إلى أقاصى الأرض (مز 19: 4).
2- فهموا عظمة قدرته: فهموا أن يده هي التي سطرت كل النبوءات منذ زمان، وهى التي حققت الآن كل الأشياء بكل دقة. فهموا وتيقنوا تمامًا أنه هو " السيد الإله الصانع السماء والأرض والبحر وكل ما فيها" (أع 4: 24)... تحققوا أنه هو بروحه الذي جمع الكل بقلبٍ واحد ونفس واحدةٍ... وجعل كل شيء مشتركًا بينهم، وجعلهم سادة وأئمة، فكان كل المؤمنين يضعون أموالهم تحت أرجلهم لكي يوزعوها هم على كل محتاج.
3- طلبوا منه: بابتهالٍ وبنفس واحدة ورفعوا صوتًا لله أن ينظر هو لتهديد المقاومين ويفعل كما يشاء... تضرعوا إليه أن يمنحهم أن يتكلموا بكلامه بكل مجاهرة... وتوسلوا إليه أن يمد يده للشفاء، ولتجري آيات وعجائب باسم يسوع المسيح... فكان ردٌ سريعٌ جدًا، إذ تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه، وليس كل المدينة أو الأرض، كأنه يقول لهم: أنا حاملكم على يديَّ، لا تخافوا... أنا في وسطكم لا أترككم... أنا هو كما كنت معكم.
ثانيًا: في سفر الأعمال نجد: (أع 5: 1 - 20)
1- تمتعوا بعطيته: " فقال بطرس: يا حنانيا، لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس (أع 5: 3) " أنت لم تكذب على الناس بل على الله" (أع 5: 4) لقد تمتع بكشف الروح لأسرار حنانيا وسفيرة... واعتبر نفسه واحد من أولاد الله. لم يقل تكذب عليَّ بل على الله... لقد تمتع بروح الرب الذي فيه إذ قال: " ما بالكما اتفقتما على تجربة روح الرب" (أع 5: 9)
لقد كشف الروح له أن قلبهما امتلأ بالشر ولم يعد للروح القدس موضع فيه... كأن الشيطان يعمل خفية فيهما، وهما أظهرا أعماله.
لقد فهم الآباء أن الشيطان دائمًا ما يسحب أولاد الله من الحياة الفردوسية، ولكن بصليب الرب يسوع وقيامته قادهم إلى الحياة السمائية.
2- فهموا عظمة قدرته: لقد ظن حنانيا وسفيرة أن الروح القدس لا قدرة له على كشف جريمتهما، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى... ولكن بقدرة وعظمة الروح فهم بطرس الكذب الذي فيهما... فكرًا وخطةً وتنفيذًا... فهم الرياء والغش والخداع... فهم أنهما يتظاهران بالقداسة وأنهم يدفعان للصندوق مبلغًا بسيطًا ويأخذان منه معيشتهما كاملة... فهم أنهما كانا يفكران أنهما قادران أن يخدعا الرسل. فهم أنهما غير واثقين في رعاية الله وتدبيره ؛ لأنهما اختلسا = خانا الرب وحجزا مبلغ للزمان ربما يفتقرا.
* تمتع الرسل بقدرته في رواق سليمان أي في وسط معقل الأسود، فكانوا يحملون المرضى إليهم لينالوا الشفاء... وبموت حنانيا وسفيرة صار هناك حبٌ ممزوجٌ بمخافة الله.
حرصت الكنيسة على الحياة المقدسة مغتسلة من كل فساد ظاهر وخفي... التصق الكل بروح العبادة الصادقة... صار هناك رعبٌ عند غير المخلصين وهربوا منهم... فهم الشعب واكتشف مجد وبهاء الله على الرسل.
3- طلبوا منه: " بعد أن وضعوا ايديهم على الرسل ووضعوهم في حبس العامة" (أع 5: 18) طلبوا بصمتٍ رهيبٍ وابتهالٍ خفي وتوسل عميق أن يهتم بكنيسته ويفعل كما يشاء، ولم ينتهِ الليل حتى جاء ملاك الرب وفتح أبواب السجن وأخرجهم وقال: "اذهبوا، قفوا وكلِّموا الشعب في الهيكل بجميع كلام هذه الحياة" (أع 5: 20) لقد وضعوهم في السجن فخرجوا منه وتركوه فارغًا والأبواب مُغلَّقة، بسبب هذا تأكدوا أنه كما لم يستطع القبر أن يحبس جسد الرب يسوع، لا يستطع سجن العالم أن يحبس كنيسته، ولا ظلمة العالم أن تقيد نوره. وتضرعوا قائلين:" لتفتح عيون العمي. لتخرج من الحبس المأسورين، من بيت السجن الجالسين في الظلمة" (إش 42: 7).
ابتهلوا قائلين: "لتحيا نفسي وتسبحك، وأحكامك لتعينني" (مز 119: 175) وتوسلوا قائلين: "اخرج من الحبس نفسي لتمجد اسمك" (مز142: 7) هكذا خرجوا منطلقين للهيكل، مُسبحين متوسلين مُتضرعين بخشوعٍ مبتهلين مترنمين يشهدون للحق، كارزين بقيامته يقدمون خبر قيامتهم مع المسيح، متمتعين بوجوده معهم وفيهم وبعمله بهم، ينادون: تعالوا، أُنظروا ليس إنسان قال لي كل ما فعلت كما قالت السامرية، بل تعالوا، أُنظروا المسيح القائم من الأموات بيننا، وكما فعلوا به فعلوا بنا، وكما انتصر أعطانا النصرة.
ثالثًا: في سفر الأعمال (أع 10: 37 - 43)
1 - تعرفوا على عطيته: "أنتم تعلمون الأمر الذي صار في كل اليهودية" (أع 10: 37) تحدث هنا باختصار شديد عن المسيح وأعماله وأهدافه. وهذا الجزء يُقرأ يوم الأحد الثالث من الخمسين مع إنجيل السامرية، وكأن المسيح كشف عن ذاته أنه بئر ماء حي عميق يروي الكل، ويفيض على الكل، ويملأ الجميع بمعرفته كما تعرفت عليه المرأة السامرية في وقت قصير جدًا.
2 - تعرفوا على قدرته: حينما قال: " الروح يأخذ ما لي ويخبركم" (يو 16: 14) وعندما قال: " أنا أرسل لكم مُعزيًا يمكث معكم" (يو 14: 15) ونفخ في وجههم وقال: " اقبلوا الروح القدس" (يو 20: 22) وشهدوا أن الروح الذي حل عليه وقت العماد هو كان لحسابنا كما قال البابا أثناسيوس: " فحينما اغتسل الرب في الأردن كإنسان كنا نحن نغتسل فيه وبواسطته، وحينما إقتبل الروح كنا نحن الذين صرنا مُقتبلين للروح بواسطته ".
فتعرف الجميع على قدرته التي أنعم بها علينا، ونعمته الحالة فينا، وفرحته بنا لأنه مُسح بزيت البهجة (مز 45: 7) فجال في كل مكان ليحرر الناس من الأمراض وقوة الشيطان فرحًا بنا وبخلاصنا، ولم يكن هذا ظاهرًا للكل بل لأهل الثقة والمُشتاقين للقائه ولطالبي الحق.
وكما قال أهل السامرة للسامرية: " ليس بكلامِك نؤمن لأننا نحن قد سمعنا ونظرنا" (يو 4: 42) هكذا تكلم الرسل وقالوا بثقة بيقين بقدرته مُبشرين بعد أن نظروا أجمعين أنه هو المعين (المختار) من الله ديانًا للأحياء والأموات وكل من يؤمن به ينال بإسمه غفران الخطايا.
إننا نؤمن لكي نعرف أن نصدق ما لم ترهُ عين، ولسنا نعرف لكي نؤمن، فإن آمنا به تبدأ فينا المعرفة، وإن تعرفنا على الحق فالحق (المسيح) هو يحررنا؛ لأن الحرية تنبع منه هو، وينتج عن هذا ثبات فيه أي طاعته، والطاعة تجعلنا نسلم حياتنا بالكامل له، والتسليم ينمو بنا للانطلاق (للحرية) إن انطلاق أحد للحرية يدخل الحق قلبه بالكلية، فيملك على جسده ويسكن (بيته) ويتسلم الروح عجلة قيادة حياته، ليدبر كل حركة قلبه وفكره وحواسه ومشاعره، فيتحول الإنسان بالنعمة الإلهية إلى كائن روحاني يقوده الروح الإلهية. وهذا كله واضح في إنجيل يوحنا (يو 8: 30 - 32) " وبينما هو يتكلم بهذا آمن به كثيرون (إيمان بيقين حقيقى). فقال يسوع لليهود الذين آمنوا به (صدقوا واقتنعوا منتظرين تحقيق أهدافهم) أنكم ان ثبتم في كلامى (الإستمرار في التبعية) فبالحقيقة تكونون تلاميذي (أي تتكلون عليَّ فتنالون ما تريدون) وتعرفون الحق والحق يحرركم (يشفيكم من الخطية ويحرركم)".
3- وأخيرًا: نطلب منه:
بابتهال بخشوع، اكشف لنا عن ذاتك ونبعك الخفي " أعطني هذا الماء لكي لا أعطش ولا آتِ إلى هنا لأستقي" (يو 4: 15).
نتضرع إليه بتوسل، عَرِّفنا ذاتك ومتعنا بقدرتك ورعايتك وحمايتك.
نطلب بابتهال أعطني أن أسجد لك بالروح والحق كما ينبغي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-ibrahim-anba-bola/fifty-days-saints/supplication.html
تقصير الرابط:
tak.la/3scqr77