ما مصدر الاستبسال أي ما هو مصدر إظهار الشجاعة والبطولة في الآباء وخلفاء المسيح خصوصًا بعد قيامته؟
مصدر البسالة هو استعلان المسيح نفسه لخواصه... مصدر الشجاعة هو الفرح والسلام الذي أخذوه منه... مصدر البطولة هو أنهم يعملون به بروحه.
وهذا نلاحظه في قراءات الأسبوع السادس من الخمسين المقدسة وخصوصًا في قراءات الإبركسيس:
في بولس الرسول بعد أن ظهر له المسيح في الطريق بضياءٍ أقوى من ضياء شمس الظهيرة:
* إنتقل بسرعة عجيبة من مضطهد إلى مؤمن... وتحول بسرعة مذهلة من مؤمن إلى كارز... واشتعل بسرعة فائقة من كارز إلى مختبر حامل الآلام متمتع بآلام المسيح. وكل هذا بسبب وعده: "سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو 16: 22) فكل من تمتع برؤية المسيح يصير في فرحٍ دائمٍ ثابتٍ. فيه كل الكفاية والسعادة. يسد كل احتياجاته ولا شيء يعوزه.
* عندما استعلن له شخصه وهبه يقينًا أن يسوع الناصري هو المسيح المسيا... وخطة ربنا لجذبه إليه هي أعطته قوةً جديدةً وشجاعةً نادرةً... والسلام الذي مُنح له جعله ببسالة متزايدة يبث هذه الروح بين أهله ومعارفه وأصدقائه وسكان مدينته، فخلق بينهم جوًا مثيرًا جعلهم ينقسمون إلى ثلاثة فرق منهم:
من يبحث عن خلاصه: هذا الفريق الجاد الذي وجد في شاول الشجاع الحاد غيرة جادة للخلاص فبحثوا عن الحق بجدة... إشتهوا أن يروا ما رآه، ويختبروا ما ذاقه، ويذوقوا ما أطيب قلب ربه، ويسلكوا في فرح ملكوته.
فسلكوا بنفس شجاعته وأخذوا شاول وأخفوه نهارًا وأنزلوه ليلًا من السور ليهرب من يد الأشرار؛ لأنهم آمنوا بكلام المزمور: " يا لعظم فيض عذوبتك يا رب التي أخفيتها للذين يخافونك، التي تصنعها للذين يترجونك" (مز 30: 20) لقد نظروا فيضًا منسكبًا منه، فاشتهوا التمثل به... لقد " ذاقوا ونظروا ما أطيب الرب" (مز 24: 8) وكأنهم وقفوا خلفه يسبحون خالقهم ببسالة ويقولون: بعذوبتك نتلذذ، بنعمتك وبرقتك نذوق محبتك، وبحلاوتك نمجد عظمتك. يا إلهنا ما لعظمتك حد وعذوبتك متعددة فائقة بفيضٍ منسكبةٍ للذين يخافونك ويرهبون إسمك ويهابون مجدك... فها نحن نهارًا وليلًا نترجاك ونطلب وجهك فلا تُخزنا يا الله... راجع (أع 9: 23 - 31)
من ينظر إليه بحرفية: يعرج بين الفريقين، الغيرة والبسالة في بولس وتلاميذه، واحترام السنهدرين وطاعة الناموس.
من يفكر في قتله: لكي يصمت الصوت الصارخ الملتهب بالروح. فوضعوا خطة لمراقبة الأبواب لكي لا يهرب ويقتلوه.
ولا ننسَ بسالة بطرس الرسول: الذي أنكر أمام جارية. وقد تحدثنا آنفًا كيف بشجاعة قال أمام القادة والرؤساء: "يجب أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع 5: 27 - 39).
لقد تأكدنا من غلبته بعد قيامته حينما إنسحب جسديًا وإنطلق صاعدًا.
لقد سمعناه وهو بيننا ينشد نشيد غلبته حينما قال: " خرجت من عند الآب وقد آتيت إلى العالم، وأيضًا أترك العالم وأذهب إلى الآب" (يو 16: 28) خرج باستعلان ودخل العالم ووهبنا سلامة وسر فرحته... وبدون التجسد لا خروج ولا دخول، مع أنه هو محور كل الوجود بل هو الوجود الكلي المطلق هذا صار محدودًا لننظره بعيوننا (1 يو 1: 1) ومع أنه قائم دائم في أبيه، فبتجسده أظهر أبوته وبنوته لنا، وغلب الجسد ليعطي الإنسان غلبته هذه على الخطية والموت. لا بقوةٍ مثل قوته بل بنعمة قوته وسفك دمه. والذهن العاقل يعرف أنه حاضر فعال مدبر لكل الأعمال، وإن ترك العالم فهو حاضر عالم بما فينا وعلينا ؛ لأنه وعدنا وعاهدنا قائلًا: "العالم لا يراني... وأما أنتم فترونني" (يو 14: 19)
* هذا هو سر غلبة وبسالة بولس، حينما دخل المجمع في أفسس كان الله يسنده ويشجعه ويعمل به، فألقى السحرة كتبهم في النار وحل الروح القدوس على اثنى عشر رجلًا، فطفقوا يتكلمون بلغاتٍ ويتنبأون. وظل يجاهر ببسالة ثلاثة أشهر بدون يأس ولا ملل عن ملكوت الله.
فقاوم إبليس أعماله، وظهر قومٌ شاتمون غير مقتنعين، فعزل عنهم تلاميذه، وظل سنتين يكلمهم في مدرسة خاصة. راجع (أع 19: 6 - 10).
ملاحظة: دقة آباء كنيستنا في وضع قراءات هذا الأسبوع، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى: بعد أن تكلمنا عن شجاعة بولس وبطرس ويوحنا، ترجع بنا إلى بداية سفر الأعمال لنتذكر كيف أعد الله ميلاد كنيسته خلال الإجتماع بنفس واحدة للصلاة وانتظار حلول الروح القدوس، وكيف أخذ بيد تلاميذه وصعد بهم الجبل لينظروه صاعدًا للسماء، ولكي تظل عيونهم مرفوعة للسماء لنوال الغلبة (أع 1: 1 - 14) هذا تقريبًا ما فعله بولس ليؤسس كنيسة الله في أفسس، أفرز تلاميذه وعزلهم في مدرسة تيرانس ليحوط عليهم ويثبتهم في الإيمان لتظل عيونهم مرفوعةً للسماء وينالوا الغلبة بانتشار اسمه.
وتعود بنا القراءات إلى (أع 22: 6 - 10)
لتكشف لنا شاول الثائر الجامح في طريقه من أورشليم إلى دمشق، وكأنه أباد إسم يسوع من على وجه الأرض، ولكنه قبل أن يدخل غلبه الرب الغالب وناداه بإسمه من السماء، وأشرق عليه بضياء، فصار في حيرة وإرتباك، من هو هذا الذي من السماء يناديه شخصيًا ويعرف إسمه؟ - ومعروف عند اليهود أن الله هو النور - وسمعه يقول لماذا تضطهدنى؟ ففهم وتعرف على شخصه أنه يسوع الناصري وهو مازال حيًا في السماء. أما شاول فاسترسل في حديثه وقال: إن الذين كانوا في رفقته لم يسمعوا الصوت ولكنهم رأوا النور، ولم يروا شخص المسيح ولكنهم سمعوا حواره الشخصي؛ لأن الرسالة هي له وحده لأنه كان مُشتاقًا لرؤية وخدمة ربه.
وكأنه تحذير لسامعيه: اسمعوا صوتي لكي تقدروا أن تؤمنوا وتسمعوا صوته وتميزوا حضوره وسطكم.
من يؤمن يسمع، ومن يسمع يؤمن.
أما من لا يؤمن بالغالب الخارج من سبط يهوذا فلا يسمع ولن يسمع ولن يقدر أن يسمع لئلا يؤمن!
هذه هي صيحة النصرة: " أنا لست وحدي؛ لأن الآب معي" (يو 16: 32)
* كل نفس اتحدت مع مسيحها المتألم الذي إنتصر على الموت فإنها لن تعاني من العزلة والوحدة، ولن تشعر بأى حرمان! لأن الله الساكن فيها لا يفارقها، بل سندها ويعمل معها وبها.
* أما من حطمته الخطية فيقول دائمًا: " أبي وأمي قد تركاني" (مز 37: 10) رغم وجودهم معه وكل الأحباء والأصدقاء حوله، ولكنه يئن ويصرخ: ليس من يفهمني، ليس أحد معي، ودائما يعاني العزلة الداخلية ؛ لأنه فقد الذي يملأ كل كيانه وهو الرب.
*في قراءات (أع 24: 10 - 21) نلاحظ كيف كان دفاع بولس بروح الحكمة والقداسة أمام الملوك والولاة؛ لأن رب الجنود معه: ففى بسالته وشجاعته وقوته لم تهزه كلمات الخطيب الأجير ترتلس الذي قال عنه أنه مثير فتنة وشغب في الشعب، فوجه حديثه بكل توقير للوالي أنه قاضى عادل. وبدون أي تملق أو مبالغة أو مداهنة قال: "أحتج عما في أمري بأكثر سرور" (أع 24: 10) وكأنه نال النصرة على أعدائه، وقد ظهرت عليه علامات السرور والبهجة والنصرة والغلبة وقال: " أنا أيضًا (مثل آبائي) أدرب نفسي ليكون لي دائمًا ضمير بلا عثرة من نحو الله والناس" (أع 24: 16) ففى تواضع أظهر أنهم لم ولن يقدروا أن يثبتوا عليه أي شيء من هذه الاتهامات؛ لأنهم لم يحضروا أحد معهم يُثبت كلامهم، بل قال: أنا جئت لأعبد ربي وأقدم صدقة لشعبي. ووجه أنظارهم "إني من أجل قيامة الأموات أُحاكم منكم اليوم" (أع 24: 21) فكيف من يهتم بالقيامة والحياة الأبدية أن ينشغل بهذه الأمور ويصدر منه هذه الأشياء.
*وفي قراءات (أع 20: 1 - 16) كشفت لنا روح البسالة والبطولة في بولس، إذ أنه كان بهدوءٍ ووداعة يقبلهم، وبالحب يتركهم ليذهب إلى مكانٍ آخر يُكرز لهم حتى يُهدِّأ ثورتهم، ومن ألح عليه بالجلوس أو الحديث كان يشبعه، وغالبًا كان منفردًا يترك لتلاميذه الطريق السهل ويختار لنفسه الطريق الشاق في المسير للتبشير بعد أن يدربهم ويعلمهم كيف ينفصلوا عنه، ليختبر قوة إحتمالهم ويبث فيهم روح البسالة ويختبروا بأنفسهم قوة الرب معهم التي دائمًا ما تسندهم.
هذه هي النفس التي إمتلأت بنور قيامته، وأضاء عليها بنور معرفته الحقيقية، فتتمتع بالطريق الحي الحقيقي وتختبر الغلبة والنصرة وتسلك ببسالة بل تجري بشجاعة بل تحتمل ببطولة كل ما يأتي عليها وتقبله بفرح من الرب.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-ibrahim-anba-bola/fifty-days-saints/courage.html
تقصير الرابط:
tak.la/hj3njp3