"لأن الروح لم يكن قد أُعطيَّ بعد؛ لأن يسوع لم يكن قد مُجدَّ بعد" (يو 7: 39) لقد أعطى الله روحه لبعض من آبائنا قديمًا ولكنه كان يشتاق أن يسكبه سكيب الماء على كل المؤمنين، ولم يعطِ وتعطل هذا السكيب إلى أن تمجد ربنا يسوع وهذا واضح في الآيات التالية:
تكميل العمل الخلاصي: " العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته، والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك" (يو 17: 4)
لكي يتمجد كان يجب أن ينتصر ويغلب: فعند الاقتراب من الصليب سمع كل الجمع صوت الآب: " مجدت وأمجد أيضًا" (يو 12: 18) فقال المسيح: " الآن دينونة هذا العالم. الآن يُطرح رئيس هذا العالم خارجًا" (يو 12: 31)
* عند بدء خيانة يهوذا قال ربنا يسوع: " الآن تمجد ابن الإنسان" (يو 13: 31)
* وعن صعوده قال: " أريد أن هؤلاء... يكونون معي... لينظروا مجدي الذي أعطيتني" (يو 17: 24)
* وبعد أن تعرفنا كيف كان مجد الابن متحدًا بمجد الآب، وظهر هذا في تكميل الإرسالية وأعمال رب المجد، فصلب ومات وقام وصعد ثم سكب روحه علينا... ولقد أخذ على عاتقه أن يعولنا في برية حياتنا حتى نصل لوطننا فصار لنا:
مصدرًا للارتواء وهذا سرٌ يفوق عقل العقلاء؛ لأن الإيمان بالمسيح هو مصدر إشباع للأتقياء وبالإتحاد به يشرب كل الأمناء، ومن ملئه نصير ينبوع إرتواء... نفتح فمنا والروح يتكلم، ونتكلم والروح يُعلم، ونُعلم والروح يُعمد، ونُعمد والروح يسكن. وبعد أن يسكن المسيح يخلق إنسانًا جديدًا روحانيًا يفهم ويتعرف على الحق الإلهي ويعمل معه به... ويكمل الإرسالية:
" وكما أرسلتني إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم" (يو 17: 18) وقال المسيح عن نفسه: "فالذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له: إنك تجدف؛ لأني قلت إني ابن الله" (يو 10: 36)
* فالمسيح كرس نفسه والآب قدسه لبعثه للخلاص فهو: المُرسل (غل3: 1) والشفيع (يو 2: 1) والرسول (عب 3: 1) والخادم (رو 15: 8)
* فقضى فترة تجسده مثبتًا نظره نحو إرساليته (الصلب والموت والقيامة) بل لقد قال: "خير لكم أن أنطلق لأرسل لكم مُعزيًا آخر يمكث معكم" (يو 16: 7) ليُرسلكم ويعمل بكم. سؤال: لماذا ربط إرساليته بشبه إرساليتنا؟ لأن المهمة صعبة وقاسية وشاقة. فحينما أرسل تلاميذه قال: "ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب" (مت 10: 16) ولكن " في وسطكم قائم" (يو 1: 26) "وروحي قائم في وسطكم. لا تخافوا" (حجى 2: 5)
* أرسل الآب ابنه في جسد شبه الخطية، ولكن الابن أرسل أولاده بالجسد الخاطئ بعد أن قدسهم من دنس الخطية.
* فإرساليتنا هي امتداد لإرساليته، وعملنا هو امتداد لعمله.
فكما قدس الآب الابن، والابن كرس نفسه للإرسالية، فقال: " أنا لست من العالم" (يو 17: 16). لهذا طلب ربنا يسوع من الآب من أجلنا لكي يُرسلنا: " قدسهم في حقك" (يو 17: 17) لكي يكونوا مقدسين مُكرسين أنفسهم. وكما أنه ليس من العالم قال لنا: " أنتم لستم من العالم" (يو 17: 14)
ملاحظة: قبل أن يُرسلنا لنكون سفراء عنه، قدسنا وكرسنا واختارنا وتلمذنا وأعدَّنا وعلمنا وسكب روحه فينا لنبدأ العمل معه. لقد أهَّلنا للتقديس (بدمه) وقدسنا للإرسال وتتميم الأعمال (بروحه).
فرق كبير: الآب لا سابق له، هو أصل الوجود،هو الجذر الواحد والينبوع الواحد للإبن والروح... هو منذ الأزل يلد الابن ويبعث الروح. بينما الابن والروح أساس في الآب. فلهذا ظهر الله في الجسد للخلاص والفداء ورفع الأُمناء للجلوس معه في السماء.
أما في إرساليتنا: لا تتم إلا بسكب روحه فينا، والروح لا يسكن فينا بدون الآب والابن. الآب يرسل روحه ليذكرنا بكلام الابن. والابن يرسل روح الحق المنبثق من الآب لنشهد للحق (المسيح) والروح ما يسمعه (من الآب والابن) يُخبرنا به كما قيل: " أن لي أمورًا كثيرة أيضًا لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك، روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. كل ما للآب هو لي. لهذا قلت أنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو 16: 12- 15)
فالروح مرسل من الآب (يو 15: 26) لأنه مدبر الخلاص والتقديس، ومن الابن (يو 16: 7) لأنه دفع الثمن على الصليب. فمن يستقر الروح عليه يقول كلام لم يُسمع من غير المسيح، ويعمل أعمال لم يعملها غيره فيكون مثله مطرودًا ومنبوذًا لا يسمع له. ومن يسمع منه كأنه يسمع من المسيح. فالآب يخطط ويعطى أوامر، والابن يحقق ويخلق، والروح ينعش وينمي ويصعد نحو الكامل.
* وهذا سوف نراه في سفر الأعمال:
كما كنا نتحدث طوال رحلة الخمسين يوم المقدسة، الآن نتأمل في قراءات الكنيسة للأسبوع السابع من الإبركسيس:
" بينما هم يخدمون الرب ويصومون، قال الروح القدس: إفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه. فصاموا حينئذ وصلُّوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما. فهذان إذ أُرسلا من الروح القدس." (أع 13: 2- 4) طارا في أول رحلاتهما شبه ملائكة الله، وبروح قدسه أشعلا نفوس وجماعات وبلاد بالروح القدس... ونلاحظ في (أع 14: 19- 23) عمل الله العجيب والسريع معهما، ومع هذا لم يحتملا مجد الرب أن يُنسب إليهما. فهاج الشيطان بفكر بعض الأشرار فالذين ارتفعوا سريعًا في محبة الله بدون عمل الروح إنقلبوا سريعًا أيضًا ورجموا بولس (ربما أثناء الرجم أخذت روحه للسماء الثالثة وتمتع بأمجاد لا يسوغ لإنسان أن ينطق بها) (2 كو 12: 4) وقال عن نفسه: "حامل في جسدي سمات الرب يسوع" (غل 6: 17)
(حمل بولس في جسده جروح وإصابات بسبب الرجم).
وجروه خارج المدينة ظانين أنه مات ولكن أحاط التلاميذ به (بالصلاة والتضرع حتى قام صحيحًا معافى) فقام على رجليه وسافر في اليوم الثاني.
(وهذا أمر عجيب غير طبيعي كيف بعد الرجم والجر يمشي ويسافر) (كان يحتاج إلى عدة شهور للراحة والنقاهة) ولكن بنعمتة وسند إرساليتة أخذ الشفاء وصار يتغنى ويقول: " الذي نجانا من موت مثل هذا وهو ينجي" (2 كو 1: 10)
فبثمار الروح الذي فيه وبالحب الإلهي الذي تمتع به رجع إلى من رجموه بعد فترة قليلة وبشرهم وعمدهم وردهم لمعرفة الله. وبنفس روح الصلاة والصوم (التقليد الذي إستلمه من الرسل قبل إرساليته) راجع (أعمال 12) تم إختيار قسوس منهم ليرعوا رعية الله ليعملوا معه وهو يعمل بهم واستراحت نفوس الرسولان بعد تدبير الأمور وكان شعارهم "بضيقات كثيره ينبغي أن ندخل ملكوت الله" (أع 14: 22) وكما تجلب الرياح المطر تجلب التجارب النعم. وهذا هو سر حبهم وكرازتهم وثمار الروح فيهم.
وبحروب الشيطان يكون الألم أساس الكمال. ومادمنا نحن في الطريق مسافرين يجب أن نكون قلقين حذرين كارزين ولأحضان الآب ناظرين، وللآباء السابقين مشتاقين، لنمتلئ بالأعمال الصالحة مثل القديسين، وننتبه جيدًا إلى أى إغراء من الشياطين، ولا ننجذب لأى فكر من المخادعين، ولا ندع عقلنا يقبل أي فعل من الساقطين، ونحافظ على أجسادنا عفيفين من هذه الأعمال التي للماكرين: إغراء. إنجذاب. قبول، حتى نكون كاملين في إرسالية الروح لنا، صادقين حسب ما يضعه في قلوبنا وما يحركنا إليه وما ينطق به فينا حتى نصل ونكون مع السمائيين.
أرسلت كنيسة الأمم بولس وبرنابا وأناس آخرون إلى كنيسة أورشليم، فقبلهم الرسل والمشايخ بسرورٍ عظيم لنجاح إرساليتهم؛ لأنهم أخبروهم بكل ما صنع الله معهم ونعمة الروح التي انسكبت على الأمم.
* وكما يحدث في كل نجاح قام بعض من المتعصبين وقالوا: كيف نقبل هؤلاء بدون الختان.
* فغار بطرس الرسول وتحدث بما دعاه الروح منذ عشر سنوات لقبول أول أممي في الإيمان، ورفض مناقشة أمرًا استقر فعلًا مبكرًا بشهادة الروح القدس نفسه، أن الله لم يميز بين يهودي وأممي في تقديم عطيته، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فأعطاهم الله روحه مثل ما أعطانا أي بدون إجراء طقسي خاص بالناموس ولم يميز بيننا وبينهم بل: طهر قلوبهم بالإيمان. " بالإيمان العامل بالمحبة" (غل 5: 6) أي بالإيمان والمحبة نشتاق ونجاهد ويلتهب قلبنا شوقًا فنجوع ونعطش وهو يسكب، وبالرجاء نؤمن بما ليس منظور كأنه منظور فنعيش بعزاء، وبالرجاء نترجى مواعيد الله والله يجذب ويكشف ويهب.
* جوع الشعب للمعرفة: كانوا ينصتون ويسمعون ويتعجبون بما فعله الروح وسط الأمم، وفرحوا بالعجائب والمعجزات الفائقة التي تَحدثَ بها برنابا وبولس، وعن ثمار الروح الذي أثمر بأكثر كثيرًا بينهم.
* حديث يعقوب البار: ختم هذه الأحاديث بحكمته المملؤة بالروح، فوضح عمل الروح مع المرسلين من الله بنبؤة قديمة قالها عاموس في القرن الثامن ق. م (عا 9: 11- 12) فقال: "سأرجع (حلول المسيح وسط شعبه) بعد هذا (الفداء والخلاص) وأبني أيضًا خيمة داود الساقطة (مع أنه في أيامه كان هيكل سليمان... إذًا هو يتكلم على كنيسة العهد الجديد) وأبني أيضًا ردمها (أقيم أنقاضها وأنصبها) وأقيمها ثانية" (أع 15: 16) (بنظام جديد) " لكي يطلب الباقون من الناس الرب (الناس في أصلها = نسل آدم أي البشرية كلها) وجميع الأمم الذين دُعى إسمى عليهم (إذا هم ذهبوا ليجمعوا ما لم يزرعوا، يجمعوا الذين دعاهم، الذين فيهم الإيمان والرجاء والحب) يقول الرب الصانع هذا كله" (أع 15: 17) أي هذا ليس كلامي بل كلام الله الكلمة الذي أرسلكم ويعمل بكم لتتم خططه. (راجع أع 15: 4- 18) هذه هي أعمال الله العجيبة.
قام بطرس (اهتم وانشغل واندفع بالروح وسط مائة وعشرين شخصًا حاضرًا لكي يختار تلميذًا عوضًا عن يهوذا ليظل العدد اثني عشر كاختيار الرب وكأسباط إسرائيل.
* الاختيار بالروح وسط الجماعة بشرط أن يكون مؤهلًا للخدمة... أن يكون مستنيرًا بالتعليم، عاصر المسيح وشاهده وتمتع بقيامته وولد ثانية من فوق... فقد ركز أن يكون شاهدًا معنا بقيامته؛ لأن القيامة كانت سرًا وأُعلنت لمن يستحق ليكون شاهدًا أمينًا ليصدقه الشعب.
* فاختاروا يوسف الذي يدعى برسابا الملقب يوستس ومتياس (راجع أع 1: 15 - 26) يوسف = يزيد، وبرسابا = إبن السبت أي راحة وهدوء، ويوستس = بار، ودعي هكذا بسبب استقامته وكان مكرمًا، ومتياس = عطية الله. قد علق القديس يوحنا ذهبي الفم على ترتيب إسم يوسف ثم متياس... لقد أراد الله أن يظهر غالبًا المكرم من الناس يكون أقل عند الله.
* فصلوا وعملوا قرعه واختار الله متياس الذي بشر في أثيوبيا... المعروف بعمل العذراء معه وحلت الحديد من يده في سجنه ليتمم رسالته وخدمته وعمل الرب معه.
ما أجمل ترتيب القراءات المأخوذة من سفر الأعمال حسب ترتيب أيام هذا الأسبوع.
نلاحظ الآتي: تحدثنا عن عمل الله مع بولس = الصغير، وكيف كانت نجاح رسالته التي أخذها من الرب، ثم تحدثنا عن قبول الأمم البعيدة للإيمان وعجب الرب معهم، ثم إختيار متياس الذي كان قريبًا من الرب في رحلاته وعظاته والشهاده لقيامته، ثم انسكاب الروح وحلوله في يوم الأحد أول الأسبوع، وصار هذا إعلانًا لحضوره الدائم في وسط كنيسته يهبها طاقاته الإلهية وتجديدًا روحيًا، وليكون قائدًا سمائيًا لها، لتصير أيقونة للعريس السمائي، وتتمتع بعلاقة فريدة جديدة فائقة مع الثالوث القدوس. (ترتيب يبدأ من المضطهد بولس الذي يعنى الصغير ثم يدعو البعيد (الأمم) ويقترب أكثر من التلميذ المجهول ثم على الكنيسة) فالدعوة هي للكل، للصغير قبل الكبير، للبعيد قبل القريب، ولكن من يؤمن بالمرسل؟
ونلاحظ في يوحنا الأصحاح 17 "أنك أرسلتني" تكررت ثلاثة مرات في آيات 21، 23، 25.
1- عندما يؤمن العالم بكلام المرسلين من الله وبأعماله التي تجري علي أيديهم، " يؤمن العالم أنك أرسلتني" (يو 17: 21).
2- عندما يتعرف العالم أن المسيح مع رسله يعمل فيهم وبهم وهو ساكن فيهم ومجده عليهم "يعلم العالم أنك أرسلتني" (يو 17: 23).
3- عندما تتأكد خاصته بالنمو في المعرفة والحب، ويحيوا في خوف الله والتمتع بحضرته، كما نقول دائمًا: عمانوئيل إلهنا في وسطنا الآن، بمجد أبيه والروح القدس، يباركنا كلنا ويطهر قلوبنا ويشفى أمراضنا. الله معنا بمجد أبيه وروح قدسه... الإله الذي هو نور من نور، ونار من نار في وسطنا، يبارك ويطهر ويشفي، صار قريبًا جدًا منَّا حينئذٍ ينطبق علينا "وهؤلاء عرفوا أنك أرسلتني" (يو 17: 25).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-ibrahim-anba-bola/fifty-days-saints/sending.html
تقصير الرابط:
tak.la/mfnv65h