+ أخيراً البكاء الثالث، بكاء خميس العهد، كلكم تعلمون ليلة جثسيماني وصعوبتها.
+ أول وثاني مرة السيد المسيح بكى أمام الناس، بينما في المرة الثالثة رفض أن يبكي أمام أحد لأنه كان يبكي من أجل حاجه شخصية.
+ ربنا يسوع أول مرة كان داخلاً في موكب ضخم، داخل على أحد الزعف، ونازل على جبل الزيتون، فالآلاف رأوا دموعه.
+ ويوم مريم ومرثا المئات رأوا دموعه.
+ بينما ليلة صليبه، انفصل عن الكل، بعد عن الكل لكي يأخذ راحته في البكاء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. كان يبكي بصوت وبحرقة، وقدم صراخ ودموع. قلت إيه يا رب؟! إيه اللي تاعبك؟! ما سر دموعك في هذه الليلة؟! ألم تأتي من أجل تلك الساعة؟! إيه الجديد يعني؟! إنت من أول مرة عملت فيها معجزة قلت: "لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ" (يو 2: 4). ودائماً كانت هذه الساعة أمام عينيك!
+ قال: " إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ" (مت 26: 39). "لتكن لا مشيئتي بل مشيئتك". وكرر هذا التعبير مرة ثانية، وثالثة، وكان مُصراً على هذا التعبير.
+ وقال قبلها: " الْكَأْسُ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ أَلاَ أَشْرَبُهَا؟". وعندما جاء الأخوين يعقوب ويوحنا ليساوماه في الملك الأرضي، قال لهما: أنتما لا تفهمان شيئاً، أتريدا أن تشاركاني؟! ستشاركاني في الكأس. أنتما لا تفهمان إلى أين أنا ذاهب! " لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي سَوْفَ أَشْرَبُهَا أَنَا... "، إنها مُرة جدًا! "...قَالاَ لَهُ: «نَسْتَطِيعُ»". كانا لا يفهمان ما هما مقبلان عليه! فقال لهما: " أَمَّا كَأْسِي فَتَشْرَبَانِهَا، وَبِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ..." (مت 20: 22، 23).
+ لكن ما هذه الكأس التي أبكت المسيح؟! ما نوع المرار الذي فيها؟! فيها خطايانا كلنا! وهي أيضاً فكرة "الإرادة".
+ ما يحزن الله هو أن تكون إرادته غير إرادتنا.
+ الله " يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ" ، والجميع لا يريدون الخلاص!
"الله يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ ...، إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ " (1تي 2: 4)، والجميع لا يريدون أن يقبلوا إلى معرفة الحق!
هذا ما يُبكي الله! لذلك كان يقول: " لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ "( لو 22: 42). كأنه يضع أمامنا مثلاً أعلى!
+ "يا أولادي، سلموا إرادتكم ليَّ. تنازلوا عن إرادتكم شوية! استمعوا لكلامي! اخضعوا لوصيتي! إلغوا مزاجكم شوية! لا تفعلوا ما تريدوه، بل ما أريده.
+ افعلوا كما فعلت في جثسيماني. فأنا من الناحية الإنسانية لا أريد أن أتعذب، لكني لن أسير وراء ما أريده أنا. صلوا كما صليت: " لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ ".
+ كلنا نعلم أن إرادة الآب والإبن واحد، لأنهما ألوهة واحدة "أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ" (يو 10: 30). لكنه يُعبر عن ما يحدث فينا كبشر، من صراع نفسي:
أنا لا أريد أن أتألم، بينما ربنا يُريدني أن أتألم!
أنا لا أريد أن أسامح، وربنا يُريدني أن أسامح.
أنا لا أريد أن أصوم، أريد أن آكل، والله يريدني أن أصوم.
أنا لا أريد أن أكون في الآخر، وهو يريدني أن أتخذ المتكأ الأخير.
أنا لا أريد أن أترك التفكير في الفلوس، وهو يريدني ألا أفكر فيها.
صراع مستمر. هذا هو الكأس المملوء مرارة. وهو ما جعل الرب يبكي بصراخ، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. لأن هذا هو أصعب شيء! أكثر حاجه معطلة لحياتنا الروحية هي الإرادة البشرية، هي الأنا! ما أريده!
يا حبيبي هذا الذي تريده سيؤدي إلى ضياعك! ملايين من البشر ضاعوا بسبب خضوعهم لأهوائهم!
الرجل الغني الغبي كان يقول لنفسه: "يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي!" (لو 12: 19)، يا ابني انسى نفسك شوية! مش تسأل ربنا خلقتني ليه؟ عاوزني أعمل إيه؟! أعمل إيه بالمخازن دي كلها؟! أعمل إيه بالبركات دي كلها؟! دي حاجتك مش حاجتي!
+ ربنا يسوع علمنا مبدأ، قال: الذي يريد أن يدخل على الصليب، قبلها ينكر نفسه، "إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي" (مت 16: 24)، (مر 8: 34)، (لو 9: 23)، "وَمَنْ لاَ يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِي فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا" (لو 14: 27).
+ إنكار النفس ظهر في هذه الليلة، يوم الخميس (ليلة الجمعة)، قبل الصليب مباشرة، علمنا المسيح هذا المبدأ. "لتكن لا إرادتي بل إرادتك".
+ قولها وإنت بتبكي بس قولها.
+ نحن نقولها كل يوم في: "أبانا الذي" لكن للأسف نقولها بدون دموع، لأننا لا نعنيها ولا نقصدها، نحن نقول له: "لتكن مشيئتك"، إنما إذا حدث شيء خلال اليوم على غير هوانا، تلاقي الزعل، والنكد، و"ليه يا رب بتعمل كده؟!".
يا ابني ما إنت اللي قلت لي: "لتكن مشيئتك"، مش "لتكن مشيئتك" معناها "لا مشيئتي بل مشيئتك"، سيبني بأه أصنع مشيئتي! سيبني أوضبك! وأظبطك! وأجهزك للسماء! سيبني أصنفرك! سيبني أشيل منك اللخبطة! سيبني أعدل فيك علشان تدخل السماء. سيبني أضيق عليك علشان تعدي من الباب الضيق. سيبني أفكرك بالوصايا اللي إنت تايه عنها! سيبني أحط الصليب اللي على مزاجي علشان أعملك به إكليل! سيبني أعمل فيك حاجه صح، لماذا تقاوم؟! ما إنت اتفقت معي وقلت لي، "لتكن مشيئتك".
يبدو أن "لتكن مشيئتك" ينبغي أن تُقال بدموع. لأن كل مرة الواحد يقولها، يخجل من نفسه. يخجل من نفسه ليه؟!
"أنا يا ربي أقولها من لساني فقط، أنا مش أدها" عندما يحدث شيئاً ضد إرادتي، أجد صعوبة شديدة. عندما تقول لي: "سامح فلان الذي ظلمك" أقول لك: "لا، لا، دي صعبة أوي!".
عندما تقول لي: "تنازل عن كرامتك، وعن راحتك"، أجد في ذلك صعوبة!
نحتاج إلى الدموع يا أحبائي، لكي نستطيع دخول يوم الجمعة العظيمة.
يوم الجمعة الكبيرة، لم يبكي المسيح. لماذا؟ لأنه أظهر كل القوة. لأنه ليس ضعيفاً بالمرة. فعلاً من أجل هذه الساعة قد أتى. أتى ليموت بإرادته: "لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا" (يو 10: 18). يعني إيه؟ يعني دخل على الصليب بإرادته، وصعد من الصليب بالقيامة بإرادته، لكنه يشرح لنا ما الذي يحدث، ويُرينا.
+ أحبائي، إذا استطاع كل منا أن يكسر إرادته تماماً، ويُخضع ذاته تماماً، تحت الصليب، حتى لو صُلب لن يبكي.
+ لو عَدِّت عليه آلام الدنيا كلها، خلاص هتهون بعد كده. لأنه استطاع أن يصلب ذاته أولاً، كرامته، وأناته، وشخصيته، ومزاجه، وكل شيء يجعله منفصل عن الله.
+ إذا عرفنا كيف نُخضع المشيئة الشخصية، كل شيء سيهون بعد ذلك. يحدث ما يحدث!
+ شهداء ليبيا أعطونا كلنا درسًا. الكثير منا بكى عليهم، وتذكرت ساعتها كلمات السيد المسيح عندما قال: "يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، لاَ تَبْكِينَ عَلَيَّ بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ" (لو 23: 28).
+ هل نبكي على هؤلاء؟!يجب أن نقول عنهم: (يا بختهم!). هم شرف للكنيسة وشرف لعائلاتهم، وشرف لهذا الجيل كله. "لاَ تَبْكِينَ عليهم بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ".
+ هل سنقدر مثلهم على هذه الوقفة التي وقفوها، أم لا؟! وأولادنا اللي طالعين، هل سيقدروا على هذه الوقفة أم لا؟! هل لدينا تسليم إلى هذه الدرجة؟! هل ذبحنا إرادتنا وكرامتنا قبل أن يذبحونا؟! إذا لم نذبح كرامتنا لن نحتمل رفع السكين على رقابنا!
قد ننكر المسيح يا أحبائي، إن لم ننكر ذواتنا!
قد ننكر المسيح، إن لم ننكر إرادتنا!
ينبغي أن نُدرِّب أنفسنا على إنكار النفس، حتى لا ننكر المسيح في لحظة!
+ الخوف كل الخوف أن نخاف على عمرنا! ونضعف! ونهتز!
+ متى تكون ضعيفاً وتهتز أمام الأحداث؟! تضعف وتهتز إذا لم لم تكن قد بكيت على نفسك، وطلبت من الرب قائلاً: "حررني من ذاتي يا رب، انزع مني الكرامة، انزع الأنا، انزع الرغبات والأهواء...، ساعدني أن أعيش معنى الآية: " نَامُوسِ الرَّبِّ مَسَرَّتُهُ (إرادته)، وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَارًا وَلَيْلاً" (مز 1: 2). أريد أن أفعل ما تريده، وليس ما أريده أنا، أريد أن أعيش بشعار: "ماذا تريد يا رب أن أفعل؟" وليس بشعار: "ماذا تريد يا فلان أن أفعل؟". أريد أن أنقاد بروحك، وليس بجسدي، أريد أن أسير على كلامك، "أقدم لك يا سيدي مشورات حريتي، وأكتب أعمالي تبعاً لأقوالك"، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. إذا كنت أنت قد صُلبت من أجلي، فأين أذهب أنا؟! دمي رخيص جداً، جنب دمك! عمري صغير جداً جنب عمرك! وإرادتي تافهة جداً جنب إرادتك! وكل رغباتي يا رب، أقل ذبيحة أقدمها لك! هذه الرغبات الأرضية! "
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-dawoud-lamey/tears-of-god/sins.html
تقصير الرابط:
tak.la/a4gza3f