محتويات:
(إظهار/إخفاء)
ظهور إيمان النفس
النقية في الله خالقها
بركات ظهور الإيمان في الله
تحدثت في مقال سابق عن الإيمان واختباره والتجارب التي يتعرض لها الإنسان، وأن الإنسان مولود للمشقة كما أن الجوارح لإرتفاع الجناح ومنه تركنا الحديث عن درجات اختبار الإيمان، وهنا نتحدث عن اختبار الإيمان وتجاربه بالنسبة لأقوياء الإيمان. وكمثال لذلك نتعرض إلي شخصية أبونا إبراهيم الكبير:
فضائقة أبونا إبراهيم التي أصابته عندما طلب الله منه أن يأخذ إسحق ابنه وحيده الذي يحبه، ويقدمه له محرقة ولنلاحظ الطلب بتركيز " ...وَحِيدَكَ،... أَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً" (تك 22: 2). هذا الطلب كان المقصود به أمتحان إيمان إبراهيم، ولذلك تجد القصة تبدأ بـ"وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ اللهَ امْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ" (تك 22: 1). وماذا كانت نتيجة هذا الامتحان.
حتى ولو كان هو الوحيد وابن الشيخوخة، المولود بوعد أنه يكون مكثرًا ولا يعد نسله كرمل البحر ونجوم السماء، وقد ظهر هذا الإيمان واضحًا وجليًا في إبراهيم في مقابلته لطلب الله بروح الخضوع والتسليم وبلا محاججة أو معارضة لطلب الله المدبر لكل شيء، قابل إبراهيم طلبه الله بروح الخضوع والتسليم معًا في قمة الثقة في الله بل وفي سلام داخلي وهدوء خارجي أظهره خلال مسيرة الثلاثة أيام التي قضاها سيرًا مع أبنه وغلاميه والدابة والحطب حتى وصل إلى الجبل المحدد ليقدم أبنه عليه.
فلم نسمع عنه أنه أظهر جزعًا أو اضطرابًا، ولا بدي عليه حزن ولا ذرفت عيناه الدموع، ولولا هذا التماسك لكان إسحاق والغلامان لاحظوا عليه ذلك، وانتبهوا لما سوف يحدث عن قريب، وعندما ناداه صوت أبنه "أَيْنَ الْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟" تك 22: 7 كان يُنتظر أن تتأثر إحساسات إبراهيم من هذا السؤال، ويظهر عليه الألم والاضطراب ولكن إبراهيم الممتلئ من الإيمان حفظ ثباته واظهر روح التسليم الكلي لدرجة نسيان العواطف الابوية. فلم يكن إبراهيم قاسي القلب ولا عديم الشعور من نحو أبنه، ولكن تسليمه لإرادة إلهه المدبر كل شيء حسنًا هو الذي جعله ينسى آلامه وضيقة الظرف الذي كان فيه.
والقديس بولس الرسول يخبرنا أن إبراهيم "بِالإِيمَانِ قَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُجَرَّبٌ.... إِذْ حَسِبَ أَنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى الإِقَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ أَيْضًا" (عب 11: 17-19) وكما أظهرت الضيقة إيمان إبراهيم هكذا هي تظهر إيمان كل مؤمن حقيقي في الله، بما يظهره من روح التسليم وحُسن الثقة في الله والرجاء في خلاصه ومعونته، وكل أولاد الله القديسين أظهروا إيمانهم في إلههم أوقات آلامهم وشدائدهم.
فحينما يظهر الإيمان تنال النفس التي ثقتها كاملة في الله خالقها عدة بركات:
(أ) تتلذذ بظهور إيمانها في الله: فما أعظم اللذة التي شعر بها إبراهيم عندما وجد نفسه قد جاز الامتحان الذي وُضع فيه ونجح وأظهر تسليمه لإرادة أبيه السماوي وسمع الصوت يناديه "الآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ" (تك 22: 12) وكم كانت لذة المرأة الفينيقية عظيمة عندما سمعت السيد المسيح يقول لها "عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ" (متى 15: 28).
بالحقيقة أنها لذة عظمي للنفس المؤمنة عندما تجوز التجربة بسلام وفي نهايتها تشعر أنها قد حفظت أمانتها لإلهها وأظهرت إيمانها به ورجاءها فيه بروح الخضوع والتسليم والهدوء والطمأنينة.
(ب) يتشدد إيمانها: فالنفس إذ تمر عليها التجارب وترى إيمانها في إلهها لم يكن عبثًا يزداد إيمانها متانة إذ تعرف أن الذي وعد هو أمين، وأن من يتعلق به لا يخزى، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ولا ريب أن كثرة الضوائق التي مرت علي حياة بولس الرسول هي التي جعلت إيمانه في الله يتشدد حتي استطاع أن يقول في أخر رحلة آلامه وشكره وصبره عليها "أَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ" (2 تي 1: 12). فالضيقات تعطينا فرصة لاختبار صدق إيماننا، وأمانة من نؤمن فيه فنزداد ثقة في الله مخلصنا والمعتني بنا والمدبر كل شيء حسنًا للخليقة كلها.
(ج) تنال جزاء إيمانها: فلم يكن ينتهي امتحان إبراهيم حتي أعلن الله من السماء له مجازاته علي إيمانه قائلًا له "بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ، أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هذَا الأَمْرَ، وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي" (تك 22: 16-18).
ولنلاحظ ايها الاحباء أن كل أمتحان ينتهي بالنجاح تعقبه المكافأة كما حدث مع أبونا إبراهيم العظيم، وكل ضيقة تجوز بحياة المؤمنين ويظهر فيها المُجرب روح الإيمان حقيقي، فالضيقة تكون سبب بركات جديدة يمنحها الله بركات للحياة الحاضرة، وبركات للحياة العتيدة. ولذا أوضح لنا الآباء الرسل أهمية هذه الضيقات واختبارات الإيمان فيما سجلوه من كِتابات من واقع خبراتهم الخاصة:
نجد القديس بولس الرسول يقول "لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا" (2 كو 4: 17).
ويعقوب الرسول يقول "طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ»" (يع 1: 12).
والقديس بطرس الرسول يقول "لِكَيْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ إِيمَانِكُمْ، وَهِيَ أَثْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ الْفَانِي، مَعَ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِالنَّارِ، تُوجَدُ لِلْمَدْحِ وَالْكَرَامَةِ وَالْمَجْدِ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (1 بط 1: 7).
لذلك لا نتذمر إذا وقعنا في تجارب متنوعة، فهي تذكي إيمان الانسان وتثقل شخصيته وتظهر معدن إيمانه النقي وتنقله من مجد إلي مجد، وذلك عندما يحيا الإختبار بإيمان وتسليم وثقة كاملة في الله خالقنا الذي يدبر كل شيء حسنًا وفي أفضل أوقات حياتنا...
هذا عن أقوياء الإيمان...
أما عن ضعفاء الإيمان، فللحديث بقية في المقال التالي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/strong-faith.html
تقصير الرابط:
tak.la/xh5tgc2