إن السيد الرب لم يخل ذاته فقط من المجد اللائق أن يحيط بلاهوته، بل أخلى ذاته حتى من مجد البشرية أيضًا، فكان محتقرًا ومخذولًا من الناس، رجل أوجاع ومختبر الحزن... محتقرًا فلم يعتد به (إش53: 2، 3).
أمسكوه مرة حجارة ليرجموه (يو10: 31). ومرة أخري: "أخرجوه خارج المدينة وجاءوا به إلى حافة الجبل حتى يطرحوه إلى أسفل (لو4: 29)... وطاردوه في كل مكان، محاولين أن يصطادوه بكلمة... ولم تكن له كرامه في وطنه.
وتقبل كل هذه الإهانات الكثيرة وهو الذي لم يفارق لاهوته ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين...
قالوا له إنك سامري وبك شيطان! وقالوا عنه إنه أكول وشريب خمر، ومجدف، وضال، ومُضِلّ. قالوا إنه ناقض للشريعة وكاسر للسبت، وإنه ببعلزبول يخرج الشياطين. فبماذا أجاب المسيح؟ ما أجمل قول القداس الغريغوري "من أجلى احتملت ظلم الأشرار. بذلت ظهرك للسياط وخديك أهملت للطم"...
كيف أن هذا الذي تجثوا أمامه كل ركبه مما في السماء وما على الأرض، الذي ليست السموات طاهرة قدامه، كيف أنه: "لم يرد وجهه عن خزي البصاق "؟! الجواب الوحيد أنه أخلى ذاته.
وهكذا ضربوه ولطموه... ما أعجبه في إخلائه لذاته! يصل الأمر بخالق السماء والأرض أن يسمح لإنسان من تراب أن يصفعه على وجهه، ويقبل ذلك ويسكت!... " ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه. كشاه تساق إلى الذبح وكنعجة صامته أمام جازيها، فلم يفتح فاه" (إش53: 7).
ووصلت الاستهانة بإله الكل الذي أخلي ذاته، إلى أنهم فضلوا عليه رجلًا قاتلًا ولصًا هو بَارَابَاس، طالبين أن يصلب المسيح. (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). بل وصلت المهانة بإله الكل إلى أن أصبح ثمنه ثلاثين من الفضة، ثمن عبد!!
إنه لم يأخذ فقط شكل العبد، وإنما بيع أيضًا بثمن عبد.. استغل الناس إخلاءه لذاته... فلم يمتنع عن إخلاء ذاته، من أجل الناس.
وكما عاش مضطهدا في حياته، عاش مضطهدًا بعد مماته أيضًا. فحتى قبره كانت تحرسه الجنود المدججة بالسلاح، خائفين أن (ذلك المضل!!) يقوم "فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولي" (مت27: 63، 64). وهكذا ختموا القبر بالأختام، وضبطوه بالحراس...
وهكذا لاحقوا بالشتائم بعد موته. وادعوا أن تلاميذه أتوا ليلًا وسرقوه. ودفعوا في سبيل ذلك ما دفعوه من رشوة...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/a27kq6y