أولًا: التمييز بين هذا الآب الذي في السموات، وأبانا الذي علي الأرض. فكل منا له أب جسدي علي الأرض يطلب منه، وله أيضًا آباء روحيون.. أما هذا الذي نصلي إليه، فهو الآب الإله. الآب الذي في السموات.
في السموات وليس في السماء..
لأن هناك أكثر من سماء صعد إليها البشر.. هناك السماء الأولي التي تعبر جوها الطيور والطائرات.. وهناك سماء الفلك حيث الكواكب والنجوم والشمس والقمر. وهناك السماء التي صعد إليها إيليا وأخنوخ، والسماء الثالثة التي اختطف إليها بولس الرسول أي الفردوس. أما السموات هنا فتعني سماء السموات. فهي علو أكثر، لم يبلغه أحد من قبل، كما قال السيد المسيح "ليس أحد صعد إلي السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13).
إنها سماء السموات.. (1مل 8: 27).
أي لو اعتبرت كل هذه السموات أرضًا، لصارت هذه سماء لها، إنها أعلي علو، حيث عرش الله. وكما قيل "السماء هي كرسي الله، والأرض موطئ قدميه".
هنا نذكر علو الله وعظمته.. إن الله ليس أبًا عاديًّا، بل هو أب السموات: فيه الحب والعاطفة والهيبة والوقار. وكملة في السموات تعطينا فكرة ارتفاع قدر هذا الأب.
إن الله في سماء السموات، وهكذا يتضح الاتضاع الكبير.. فإن أبانا الذي في السموات مع ارتفاعه العظيم هبط لنا نحن المتواضعين والله الذي في سماء السموات وخالق سماء السموات يكلم الأرضيين والترابيين..
أنت يا رب أعلي من تفكيري ومستوي إدراكي.
ومها حاولت أن أفهم علوك لا أستطيع أن أفهم العلو في جوهرك وفي وضعك المطلق.. والوضع البسيط الذي أفهمه كمخلوق بشري ترابي إدراكه ضعيف، أنك في السموات وأنك مع علوك الجبار رضيت أن تسميني ابنًا وتسمي ذاتك أبًا. لعل الإنسان يتهاون. وفيما هو يذكر محبة الله كأب، ينسي هيبته كإله. ففيما نقول في دالة يا أبانا، نعود فنخشع حينما نذكر أنه في السموات. وحينئذ تنسحق نفوسنا ونقول: من نحن الأرضيين حتى نخاطب ساكن السماء وخالق السماء، الذي حوله الملائكة ورؤساء الملائكة والشاروبيم والسارافيم والجمع غير المحصي الذي للقوات السمائية. هنا وتتضع نفوسنا، ونذكر أننا تراب ورماد، ونذكر أنه من تواضع الله سماحه بأن يستمع إلينا. أقول هذا، لأنه كثيرًا ما يحدث أن عواطف الحب والدالة التي تحملها كلمة أبانا، تنسينا عظمة الله وجلاله وهيبته. وباسم المحبة نفقد مخافة الله، ونفقد توقيرنا له، ولا تكون في صلواتنا علامات الاحترام اللائق، ولكنك بعبارة (في السموات) تقول:
أنا في الدالة التي أخاطب بها أبي، لا أنسي الهيبة التي أتحدث بها معي إلهي.
لهذا بعبارة (في السموات) نسجد وتلمس رؤوسنا الأرض، ونركع ونخشع ويكون لنا الزِّي الحسن اللائق بالصلاة، ونخلع أحذيتنا لأن المكان الذي نقف فيه هو موضع مقدس. وحينما نقف، يكون ذلك بغير تراخ، وبغير طياشة فكر أو طياشة الحواس، إنما بتركيز وتوقير، لأننا نكلم أبًا هو في السموات. بل أن السماء ليست طاهرة قدامه. وإلي ملائكته ينسب حماقة كما يقول الكتاب (أي 4: 18).
نحن فخورون أن لنا أبًا في السماء نتحدث إليه ونسعد به.. وأين في الناس أب مثل أبي وداود يقول "ليس لك شبيه في الآلهة يا رب.. يا رب من مثلك. إن أبانا هو الله غير المحدود الذي لا يحد في كمالاته وصفاته.. أبانا.. عندما أكلمك لا يمكن لقلبي أن يلم بما فيك. إنني أكلم الله الكامل في كل شيء.. القدوس وحده أكلمه في السموات.
وكلمة السموات ترفع أفكارنا من الأرض إلي فوق لكي تترك أفكارنا التراب والمادة وتصعد إلي فوق. يا أبانا الذي في السموات منذ أحببتك أحببت السموات من أجلك، وعندما بدأت أفكر في السماء من أجلك.. السماء بالنسبة لك الموطن الذي ألتقي بك فيه.. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). أنا لا أحب السماء إذا لم توجد فيه فلأرض أفضل منها نحن نحب السماء من أجلك. ويا ليتنا نفكر في السموات. عندما نحب السماويات تنتقي قلوبنا،وإذا أردتم أن تصلوا إلي نقاوة الفكر.. فكروا في السماء أكثر من التفكير في الأرض الذي يجلب المتاعب، أن مشكلتنا الأولي أننا لا نفكر في السماء.. نحن نفكر في التراب والجسد والناس فكروا في السماويات..
ونقول في السموات لترتفع أفكارنا فوق مستوي الأرض والأرضيات.
فمع أن الله في كل مكان، إلا أننا في الصلاة نرفع أنظارنا إلي فوق، متذكرين عظمة الله وعلوه، وأيضًا ساحبين أنفسنا من الأرضيات لكي تعلو إلي حيث الله. كما أن المنارة في الكنيسة تشير إلي أن الله فوق، وأن الذي يصل إليه لابد أن يرتفع عن المستوي الأرضي، ويظل يعلو ويعلو حتى يصل إلي الصليب فيصل إلي الله.
وفي عبارة السموات نتذكر أيضًا مستقرنا الأبدي مع الله.
المسيح سيأتي في مجيئه الثاني علي السحاب وننظر إليه وهو فوق في السماء، كيما يخطفنا معه إلي السحاب، ونكون كل حين مع الرب (ا تس4: 17). نتذكر هذا، فنذكر أنه يجب أن نتسامى، ونعلو علي مستوي المادة والتراب والأرض، لنكون مع الرب في السماء.
ونذكر أنه ينبغي أن نسلك كأهل السماء، لنكون معه في السماء.
حيث الملائكة وأرواح القديسين، ولا نصل إلي السماء، إلا إذا سلكنا بالروح، وكنا أيضًا كالملائكة. وهناك قديسون ارتفعوا إلي هذا المستوي، وأطلق عليهم لقب ملائكة، كيوحنا المعمدان، وكآبائنا السواح والمتوحدين الذين قيل عنهم أنهم بشر سمائيون أو ملائكة أرضيون.
هؤلاء لم يعيشوا في السماء، ولكنهم حولوا الأرض إلي السماء
بحياة الروح التي عاشوها، وقيل عنهم إنهم كواكب البرية. لأن البرية صارت سماء.. والله الذي في السموات، هو أيضًا في هذه الأماكن المقدسة التي صارت سموات يسكن الله فيها.
ونحن نبنيها علي هذه الصورة، الأنوار التي فيها تذكرنا بنجوم السماء. والخدام الذين فيها يذكروننا بملائكة السماء. الكنيسة سماء لأنها بيت الله، وبيت الملائكة، ومسكن الله مع الناس. فالله وهو موجود في الكنائس، في بيوت العبادة، هو في السموات بهذا المعني.
ولقد دعيت العذراء سماء.
لأنها أيضًا مسكنًا لله فهي إذن سماء ثانية، سماء حقيقية بكل ما تحمل الكلمة من معني بحلول الله فيها. ونحن نصير سموات بمعني مبسط عن هذا بكثير، حينما نصير هياكل للروح القدس. وكما قيل في الشعر:
في سماء أنت حقًا إنما كل قلب عاش في الحب سماك.
هذه هي أيضًا سموات يسكن فيها الله، أعني القلوب النقية المملوءة من محبته.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/m7hh5fs