وهناك نصيحة أخرى وهي:
7 - احتمال مذمة غيرك:-
بعض الذين يحاولون أن يهربوا من المديح، قد يذمون أنفسهم أمام الناس وربما ينالون بذلك مديحًا أكثر.. عن قصد أو بغير قصد.. لذلك قال القديس سيرابيون الكبير للراهب الشاب الذي لم يحتمل نصيحة منه، واحمر وجهه..
[لا تلم نفسك ملامة باطلة. فليس التواضع هو أن تذم نفسك، وإنما أن تحتمل وتقبل المذمة التي تأتيك من آخرين]..
لأنه ما أسهل أن يقول إنسان عن نفسه: [أنا خاطئ وضعيف]. ولكنه لا يحتمل أن يقول له غيره: [أنت خاطئ وضعيف]..
أتراه يذم نفسه، وهو غير مقتنع بما بقوله؟! أو أنه يفعل ذلك لتؤخذ عنه فكرة أنه متواضع، ويكون هذا الموقف لونًا من الرياء!!
أم أنه يقول عن نفسه إنه خاطئ لأن مذمته لنفسه لا تجرحه، بينما مذمة الآخرين له تجرحه، لأنهم أخذوا عنه فكرة كهذه..!
أما التواضع الحقيقي، فإنه يقبل المذمة يعتبرها كأنها اعتراف له صدره من غيره..
أو بقبلها في مقابل مديح آخر قد ناله من قبل. ويقبلها لكي يغطي بها على فضائله فلا تظهر. أو يقبلها كجزاء أرضي له على خطايا قد ارتكبها من قبل، معروفة كانت أو غير معروفة.
وقبوله المذمة من الآخرين في داخل القلب، يعتبرها الآباء أنها الخد الآخر الذي نحوله..
فقد قال القديس الأنبا أنطونيوس: [حينما يذمك أحد من الخارج، عليك أن تلوم نفسك من الداخل، لكي تقيم توازنًا بين داخلك وخارجك].
وبهذا يحدث أمران: إنك لا تتعب من الداخل، ولا ترد الإهانة لغيرك من الخارج.
إن الذي يحب المديح والكرامة، لا يستطيع أن يحتمل الإهانة. (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وقد يرد عليها بوسائل متعددة:
أ- أبسط السبل وأبعدها عن الخطأ، أن يردها بالدفاع عن نفسه واثبات نقاوته مما تنسب إليه. وموضوع الدفاع عن النفس، وتقييمه بين الخطأ والصواب، يتوقف على الدوافع التي تدفع إليه، هل هي نقية أم لا..
ب- وقد يرد الإنسان الإهانة بإهانة مثلها، أو بإهانة أشد منها.
وهنا يكون قد انتقم لنفسه بمحبته للمديح والكرامة. ويكون قد كسر وصيه الرب القائلة: "لا تقاوموا الشر.." (مت5: 39) ويكون قد كسر أيضًا الوصية القائلة: "لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء.." (رو12: 19) ويكون قد ابتعد عن المحبة التي من أوصافها أنها" تحتمل كل شيء" وأنها" لا تطلب ما لنفسها" (1كو13: 7، 5).
ج- وقد يرد الإهانة، عن طريق الشكوى، والتشهير بغيره وإشعار الناس أنه مظلوم، لكي ينتقموا له أيضًا من ظالمة!!
وهكذا أيضًا يكون قد انتقم، ووقع في كل الخطايا السابقة، وبقي أن الذي يعتقد باستمرار أنه مظلوم، لا يستطيع مطلقًا أن يصلح نفسه، لأنه على الدوام يبرر نفسه..
د- وهو قد يرد على الإهانة داخل قلبه، إذ يعتبر هذا الإنسان عدوًا له ويعامله كعدو، وربما يخاصمه أو يقاطعه..
ويكون هذا منه موقفًا إيجابيًا تجاه ما اعتبره أنه إهانة. كل ذلك لأجل محبة الكرامة! أما الذي لا تهمه الكرامة العالمية، فلا يهتم بكل هذا، ولا يأخذ موقفًا ضده.
فالمتواضع لا يعتبر كل مذمة تصل إليه كأنها إهانة. فقد تكون كشفًا لذاته وقد يشكر غيره على ذلك، لأنه أظهر له نقصًا فيه يحتاج إلى علاج..
وهكذا لا يعادي من ينتقده أو من يعارضه فيه هذا العيب. ويكون من وجهه إليه ساعده على خلاص نفسه، وعلى إصلاح عيوبه.
صدق القديس يوحنا ذهبي الفم حينما قال: [مَنْ يتكلم عنك بالذم، اتخذه لك صديقًا]..
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/jcw86nd