هناك أسباب إذا سلك فيها الإنسان بطريق خاطئ، فإنها تفقده وداعته، أو لا تساعده على اقتنائها من بادئ الأمر. نذكر من بينها:
السلطة والمركز والغنَى وسائر نواحي العظمة:
أحيانًا يتولى إنسان منصبًا رفيعًا، فيظن أنه من مستلزمات المنصب أن يأمر وينهى ويزجر وينتهر، ويتعالَى وينظر إلى الآخرين من فوق. وهكذا يفقد وداعته وتواضعه أيضًا، ويدخله روح التسلط...
ولكن ليست المناصب العليا أمرًا مانعًا للوداعة. فهناك عظماء ودعاء، جمعوا بين الرئاسة والوداعة. مثل داود النبي وهو قائد للجيش في عهد شاول الملك (1 صم 18: 5)، كان وديعًا ويختلط بالناس في محبة "وكان جميع إسرائيل ويهوذا يحبون داود لأنه كان يخرج ويدخل أمامهم" (1 صم 18: 16).
والسيدة العذراء وصلت إلى أعلى مركز تصل إليه امرأة، إذ أن جميع الأجيال تطوبها (لو 1: 48) ومع ذلك لم تفقد وداعتها. والسيد المسيح نفسه في كل مجده، كان وديعًا.
لكن الذي يستغل المنصب والعظمة استغلالًا خاطئًا، فهذا الذي يفقد الوداعة، مثل الكتبة والفريسيين (مت 23). وهامان في سفر أستير.
* ويدخل في نطاق العظمة أيضًا: الغنَى والمال:
وعلى الرغم من ذلك نقرأ في التاريخ عن أغنياء كانوا ودعاء، وكانوا يختلطون بالفقراء والمحتاجين يحلَون لهم مشاكلهم مثل المعلم إبراهيم الجوهري وأخيه المعلم جرجس الجوهري.
* وقد يفقد البعض وداعتهم، إذا ما دخلوا في مجال إصلاح الآخرين، بطريقة خاطئة.
ويظن هؤلاء أن وسيلة الإصلاح لا تأتي إلا بالعنف والشدة. أو أن الدفاع عن الحق لا يتم إلا بالتشهير، وإدانة المخطئين أو من يظنونهم مخطئين، بسَبهم علنًا وتحريض الناس ضدههم. ويحسبون أنهم بذلك يخلعون الزوان من الأرض، بينما يخلعون الحنطة معه (مت 13: 29). ولا يضعون أمامهم قول السيد الرب "أخرج أولًا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدًا أن تخرج القذى من عين أخيك" (مت 7: 5).
مشكلة أولئك وأمثالهم أنهم يفقدون وداعتهم، ويرتكبون العديد من الخطايا، دون أن يدركوا ذلك، بل على العكس يفتخرون بما يفعلون...! وأكثر من ذلك يحسبون أنفسهم أبطالًا ومصلحين...!
* يُذَكِّرنِي هذا بأشخاص يُعْهَد إليهم بتنظيم أحد الاجتماعات.
وباسم العمل على حفظ النظام، ينتهرون، ويصيحون. بل ويمنعون ويطردون ويستخدمون كل القسوة في عملهم، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وأحيانًا لا نسمع ضوضاء في الاجتماع، إلا ما يصدر من أصوات المنظمين!
لماذا لا يعمل أولئك على حفظ النظام في هدوء، وفي غير عنف. مثل عصا الراعي التي ينظم بها مسيرة غنمه، بالإشارة واللمس دون أن يضرب. لذلك يقول المرتل في مزمور الراعي "عصاك وعكازك هما يعزيانني" (مز 23: 49).
* البعض يفقد وداعته باسم الصراحة وقول الحق:
وباسم الصراحة يجرح شعور الآخرين بطريقة منفرة مؤذية. والعجيب أنه يقول في افتخار "أنا إنسان صريح. أقول للأعور أنت أعور، في عينه"! ولماذا يا أخي تجرحه وتؤلمه بصراحتك هذه، الخالية من المحبة، ومن اللياقة؟! أما كان ممكنًا أن تستخدم أسلوبًا آخر؟!
إن السيد المسيح كان صريحًا مع المرأة السامرية، في رفق بأسلوب لم يجرح فيه مشاعرها، بل امتدحها فيما تستحق فيه المديح (يو 4: 17، 18). وبهذا الأسلوب الرقيق الرفيع، اجتذبها إلى الإيمان.
*وقد يدخل في موضوع الصراحة هذه العتاب.
فقد يوجد إنسان -بالعتاب- يربح أخاه. بينما آخر، بفقده للوداعة في عتابه يفقد صديقه أيضًا. وقد قال الشاعر في هذا:
ودَعْ العتاب فربَ شرً كان أوله العتابا
*إنسان آخر يفقد وداعته بسبب الحزم.
والحزم ليس معناه بالضرورة العنف. فما أسهل أن يكون الإنسان حازمًا ووديعًا. يأخذ موقفًا أزمًا، وفي نفس الوقت يشرح سبب هذا الحزم بطريقة مقنعة لا تفقده محبة من يستخدم الحزم معهم. وهكذا يفعل الأب مع أبنائه، يتصرف بحزم ممزوج بالمحبة والإقناع. وبمثل هذا الحزم أيضًا يتصرف رئيس مع مرؤوسيه، ولكن بحزم بعيد عن الغضب والنرفزة، بل بحكمة رصينة هادئة.
بهذا الحزم منع الرب داود النبي من بناء الهيكل، شارحًا السبب في ذلك (1 أي 28: 3، 6). وفي نفس الوقت لم يجرح شعور داود، ولم يتعارض ذلك مع محبته له.
* البعض يفقد وداعته بسبب الحرص على كرامته الشخصية.
وهذا أمر رديء فالكرامة الحقيقية هي أن يحتفظ الإنسان بالصورة الإلهية التي خُلق بها (تك 1: 26). ولكي نكون على صورة الله وشبهه، ينبغي أن نكون ودعاء مثله.
* والبعض يفقد الوداعة في مجال الشجاعة.
وهذا ما سنتحدث عنه الآن...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/sx45wyh