الذين يحبون المديح:
الذين يحبون المديح درجات متفاوتة في الخطأ.
إنسان يأتيه المديح دون أن يسعى إليه. وعندما يسمع المديح، يسر به ويبتهج، على الرغم من أنه لم يسع إليه. وهذا الصنف من محبي المديح على درجات وأنواع:
أ- إنسان يسر بالمديح، ويسمعه في صمت، وهو قابع في مكانه: صامتًا ومسرورًا في داخله، دون أن يشعر به أحد.
ب- إنسان آخر يسمع المديح، ويتسبب في الاستزادة منه. أي يظل يقول بعض عبارات تجعل الذي يمدحه يزيد في مديحه. كأن يجره من موضوع المديح إلى موضع آخر يُمدح منه، أو نقطة أخرى في نفس الموضوع تستحق المديح. أو يلجأ إلى أية وسيلة تجعل مادحه يزيد المديح.
ج - هناك إنسان يحب المديح وهو مسرور. ويتظاهر بعدم السرور بالمديح أو يرفضه، مع أنه مسرور من الداخل. ويظل يتمنع فيزيد الآخر في مدحه. أو يذكر عن نفسه نقائص وهو لا يقصد أن يعيبها أو يشينها. بل في قرارة نفسه يريد أن يسمع المزيد من المديح.
أصعب من النوع السابق قليلًا: إنسان لم يأته المديح، ولكنه يشتهي أن يسمعه. وفي اشتهائه يسلك أحد طريقين:
أ- يشتهي المديح، ويظل صامتًا حتى يصله، متخيلًا أسباب يسمع بها المديح. كأن يبدأ موضوعًا معينًا، يشمل عملًا قد عمله يستحق فيه مديحًا. أو يجر الكلام خطوة خطوة، حتى يصل إلى النقطة التي لابد أن يسر بها الناس ويمتدحونها، ويمدحونه بسببها.
ب- أو أنه يشتهي المديح، فيعمل أعمالًا صالحة أمام الناس، لكي ينظروه فيمدحوه. كما قال الرب عن الذين استوفوا أجرهم على الأرض (مت6).
وهو أصعب من النوعين السابقين. وفيه إنسان يحب المديح ويشتهيه. لكن المديح لم يأته بعد، على الرغم من أنه ينتظره ويتحيل له أسبابًا...
فماذا يكون رد فعله على انتظاره المديح بلا نتيجة؟
إنه يصل إلى درجة أخرى. فيها يكره من لا يمدحه ويعتبره عدوًا، ويكون بينهما سوء تفاهم. ذلك لأنه لم يلاحظ بعد ما فيه من صفات فاضلة تستحق المديح، وما قام به من أعمال توجب له تقدير الناس...
نعم إن هذا الإنسان لم يضره في شيء حتى يصير عدوًا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. إنما يكفي أنه لم يمدحه ببعض الكلام الطيب. لم يقابله مقابلة لطيفة، ولم يقدم له احترامًا زائدًا، ولم يكرمه إكرامًا من نوع خاص! مثل هذا الإنسان الذي يكره من لا يمدحه، ماذا يفعل إذن بالذي ينتقده؟! إن كان الساكت فقط عن مدحه، أصبح موضع كراهيته، فكم إذن يكون شعوره من جهة ناقديه؟!
هناك نوع آخر يشتهي المديح، ويُسَر عندما يسمعه، ويكره من لا يمدحه. ولكنه لا يكتفي بذلك. بل هو يمدح نفسه إذا لم يجد أحدًا يمدحه. فيتكلم عن أعماله الفاضلة التي عملها وتستحق المديح. وفي نفس الوقت يخفي خطاياه الشخصية
هذا الإنسان هو الذي يتحدث كثيرًا بالخير عن نفسه.
إنه أصعب كثيرًا من ذلك النوع السابق الذي يمدح نفسه.
ذلك لأن مديح النفس من صنفين: واحد منهما -الذي ذكرناه- وهو الذي يمدح نفسه بما فيه. فيظل يتكلم عن أفعاله المجيدة التي عملها، وعما توجد فيه من صفات حسنة.
أما الصنف الثاني -الذي نذكره حاليًا- فهو حالة إنسان يمدح نفسه بما ليس فيه. وينسب إلى نفسه فضائل ليست عنده، بل يدعيها ويتخيلها.
أو يذكر صفات حسنة عنده، ولكنه يبالغ في الحديث عنها ويكبرها...
أو أنه ينسب فضيلة غيره إلى نفسه! فإن كان مشتركًا في عمل، قد تم نجاحه بمجهود مجموعة من الناس... فإنه حينما يحكي عن هذا العمل، يركز على نفسه فقط كما لو كان هو وحده السبب في نجاح العمل، وليس مجرد مشترك فيه، لكي يكون المديح له وحده. متجاهلًا كل الذين اشتركوا في العمل وساهموا في نجاحه، وكأنهم لم يكن لهم وجود ولا مجهود!!
بل قد يحدث في بعض الأوقات ما هو أسوأ من هذا: أن ينسب إلى زملائه في العمل كمية كبيرة من العيوب، ويتهمهم بالتقصير أو الضعف، ويخفي حقهم ودورهم. كأن يقول عن واحد منهم -على غير حق- أنه لم يستطع أن يتكلم، وكان متلعثمًا حتى تضايق الناس منه... إلى أن تدخل هو وقال الرد الصحيح. أي أنه كان بطل الموقف بينما أخطأ غيره!!
مثل هذا الإنسان لم يمدح ذاته فقط، بل أضاف إلى امتداح نفسه، أنه ذم الآخرين وشهر بهم. وبنَى كرامته على امتهان الآخرين!
وعن التواضع الذي هو عكس هذا النوع من مديح النفس:
أذكر قصة راهب فاضل كان ينكر ذاته جدًا. فحينما كان يعمل في خدمة الدير عملًا حسنًا، ويدرك أنه لابد سينال مديحًا بسببه، كان يشرك معه راهبًا آخر في جزء ضئيل جدًا من العمل. أو في نهاية العمل يطلب من أحد الرهبان أن يساعده. فإن مُدح على ذلك العمل بعد إتمامه، يقول "بارك الله أبانا فلان الذي تم العمل على يديه"... وهكذا ينسب إليه الفضل، حتى يُبعد المديح عن نفسه.
هناك مثل آخر واضح في لعبة كرة القدم. فلو كان كل لاعب في الفريق يبحث عن مدح نفسه، سيفشل الجميع. لآن كلا منهم يريد أن يكون الهدف بواسطته وحده! ولكن بروح الفريق يلعب الجميع. وقد يسير أحدهم بالكرة حتى يصل إلى قرب المرمى، ثم يمرر الكرة لغيرة فيكسب زميله الهدف ويمتدحونه. المهم هو انتصار الفريق وليس فردًا معينًا منه.
فإن كان هذا في الروح الرياضية، فكم بالأكثر تكون الحياة الروحية.
إن الإنسان الذي يسعى إلى مدح ذاته، متجاهلًا باقي الناس والظروف المحيطة، وقد يتجاهل عمل نعمة الله معه، إنما يمدح نفسه بما لا يستحق...
وهو يمثل أردأ نوع من محبي المديح. إذ قد تصل محبة المديح بشخص إلى الدرجة التي فيها يجب أن يكون المديح له وحده. ويتضايق إذا مُدح شخص آخر غيره. أو يغتاظ إن شاركه أحد في المديح. فهو يريد أن يُمدح وحده وليس غير. وإن مُدح أخر يغار ويحسده، ويحقد عليه ويتكلم عنه بالسوء.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/95nqd4k