8 الإنسان المتواضع -في انسحاقه- يجعل خطيته أمامه في كل حين.
إنَّها تَذله من الداخل، وتَعصر عينيه بالدموع، وتُزيد من انسحاقه، وتُذكِّره بضعفه. لا ينسى خطاياه مهما غُفرت ومهما محاها له الله! مثلما بكى داود على خطاياه بعد غفرانها، وقال في المزمور الخمسين "خطيتي أمامي في كل حين"... ومثلما ذكر بولس الرسول خطاياه. وقال "لست مستحقًا أنْ أُدعى رسولًا، لأني اضطهدت كنيسة الله" (1كو9:15).
9 المتواضع -مهما بلغ من رِفعَة- يشعر باستمرار أنَّه ناقص ومُقصِّر، وأنَّه لم يصل بعد إلى ما ينبغي عليه فعله!
القديس بولس الرسول الذي صعد إلى السماء الثالثة (2كو2:12)، والذي تَعِبَ أكثر من جميع الرسل (1كو10:15). كان يقول "لست أحسب أنَّني أدركت أو نُلت شيئًا، ولكنِّي أسعى لعلِّي أدرك..." (في 12:3)، هذا الذي خشى الله عليه من كثرة الاستعلانات (2كو7:12).
والقديس أرسانيوس العظيم، الذي كان يقضي الليل كله في الصلاة، والذي كان رجل وحدة وصمت أكثر من الجميع، والذي تساقطت رموش عينيه من كثرة البكاء، والذي كان القديسون يطلبون بركته، وقد أتاه البابا ثاوفيلس يطلب كلمة منفعة... أرسانيوس هذا: ما كان يشعر أنَّه بدأ الطريق الرهباني بعد! بل كان يُصلي "هبني يا رب أنْ أبدأ"!
10 الإنسان المتواضع لا يتحدث عن نفسه حديثًا يجلب المديح.
نفسه هذه التي يلومها باستمرار ويعرف نقائصها، من غير المعقول أنْ يتحدث عن مواقف عظيمة لها تجلب المديح! إنَّ الفريسي لم يتبرر أمام الله، لمَّا وقف في الهيكل يتحدث عن فضائله أمام الله في صلاته! (لو12:18).
لذلك فإنني أتعجب من إنسان حديث العهد بالتوبة، يدعوه البعض أنْ يقف على منبر كنيسة أو جمعية، ليحكي اختباراته للناس حتى ينتفعوا بها روحيًا...! فيقف ويحكي كلامًا يُمدح عليه!
11 إنْ كان الحديث عن النفس يُفسح مجالًا للقدوة، فالإنسان المتواضع لا يجعل نفسه قدوة لغيره.
إنَّه يقول لنفسه "مَنْ أنا حتى أكون قدوة لغيري؟! أنا الذي وقعت في كذا وكذا من السقطات!". وإنْ كانت القدوة في التوبة والرجوع إلى الله، فأنا لم أتُب بعد. وما زلت في الموازين إلى فوق. وفي كل يوم أسقط...
12 المتواضع يشعر بتفاهة الكبرياء وخطورتها وتفاهة المجد الباطل.
فما قيمة المديح الذي يأتيه من الناس؟! ما بطلانه وما فائدته! بل كم هي أضراره الكثيرة التي تُخرِّب النفس...! باطلة كل أمجاد الدنيا وتافهة! "الكل باطل وقبض الريح" (جا14:1)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ليس شيء من هذه الأمجاد ثابتًا، ولا دائمًا، ولا نافعًا. ولا شيء منها يصحب الإنسان في أبديته، أو يشفع فيه أمام الله...
إنَّ النفس الصغيرة هي التي تفرح بإعجاب الناس ومديحهم.
وكلَّما كَبُرت النفس ورَجعَت إلى صورتها الإلهية، لا يُبهرها مطلقًا أي شيء من أمجاد العالم ومن مديح الناس... وبخاصة إذا كان ما يقوله الناس عكس ما يعرفه الإنسان عن نفسه، وعكس ما يشعر به في داخله.
13 لذلك فالإنسان المتواضع يهرب من محبة المديح والكرامة.
لا يشتهي ذلك ولا يسعى إليه. وإنْ أتاه المديح، لا يجعله ينحدر من أُذنيه إلى قلبه. لا يفرح به في داخله، بل يُدرك تمامًا أنَّه غير مستحق له... ولذلك لا يُصدقه، أو على الأقل لا يتأثر به مهما كان صحيحًا...
وربما يتَّخذ هذا المديح مجالًا لتبكيت نفسه. ويقول في ذاته: لعلَّني قد صرت مُرائيًا إلى هذا الحد، الذي أظهر فيه للناس بغير حقيقتي!
14 من صفات المتواضع أنَّه ينسب كل أعماله الطيبة إلى نعمة الله.
إنَّه يُرجع الفضل إلى الله في كل خير يفعله. يقول مع القديس بولس الرسول "لا أنا، بل نعمة الله العاملة معي" (1كو10:15) ويتذكَّر قول الرب "بدوني لا تقدرون أنْ تعملوا شيئًا" (يو5:15). وهكذا يُحوِّل حديث المديح إلى الله ونعمته وعمله. وإنْ حُورِب من الداخل بأنَّه قد فعل شيئًا، يقول لنفسه "بنعمة الله أنا ما أنا" (1كو10:15).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/bxw3w7w