ليس التواضع مجرد كلمة، إنما هو حياة لها قواعدها الروحية، ولها ارتباط بعدد كبير من الفضائل تكون سببًا للاتضاع أو يكون الاتضاع سببًا لها... وعلينا أن نتأمل كل هذا، ونعرف الوسائل التي توصلنا إلى التواضع ونمارسها.
وأولًا نعرف التواضع الحقيقي، ونبعد عن التواضع الزائف:
فكثيرون يستخدمون ألفاظ التواضع، وهم بعيدون كل البعد عن روح الاتضاع. وقد يقولون إنهم خطاة ضعفاء، ولا يحتملون إطلاقًا أن يقال لهم مثل هذا. وقد ينحنون برؤوسهم أمام غيرهم. وقلوبهم لا تنحني أبدًا ولا أفكارهم.
عجبت ذات مرة حينما قرأت افتتاحية إحدى المجلات القبطية. وكان الكاتب يتحدث عن تواضع السيد المسيح أثناء عماده، وكيف أنه انحنى أمام المعمدان الذي هو اقل منه بما لا يقال. وذلك لكي يكمل كل بر.
وإذا بالكاتب يختم مقاله بعبارة "أعطنا يا رب نحن أيضًا أن ننحني أمام من هم أقل منا، لكي نكمل كل بر! ما دام هو في أعماقه يعتقد أنهم أقل منه، فهل يُحسب انحناؤه اتضاعًا!!
بينما القلب مرتفع عليهم من الداخل ينظر إليهم في استصغار...؟!
وهناك قصة رواها يوحنا كاسيان عن القديس سرابيون الكبير:
وكيف أن أحد الرهبان الجائلين قد زاره. فلما دعاه القديس إلى أن يبدأ الصلاة أو التأمل في الكتاب، قال إنه غير مستحق. ولما دعاه إلى الجلوس على الحصير بدلًا من جلوسه على التراب، قال أيضًا إنه غير مستحق. ثم نصحه القديس أن يثبت في قلايته، ولا يجول هنا وهناك، حينئذ لم يحتمل، وأحمر وجهه مثل السبع. فقال له القديس سيرابيون.
"ليس التواضع يا ابني، أن تلوم نفسك ملامة باطلة...! إنما التواضع هو في احتمالك الملامة التي تأتيك من الآخرين".
ولعل حكمة القديس تظهر في أن البعض قد يصف نفسه بأوصاف متضعة، هو لا يعتقدها في نفسه، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. أو أنه يصف نفسه بالخطية والضعف، لكي يقول الناس عنه إنه متواضع، فيكسب بذلك مدح الآخرين!! ولو قيلت عنه هذه الصفات لغضب. ولو عرف أن الناس سيصدقون ما يقول عن نفسه من عيب، ما كان يقول ذلك مطلقًا.
أما أنت فليكن لك التواضع الحقيقي باقتناع داخلي صادق أنك كذلك: فيك ما تصف به نفسك من نقص.
قال مار اسحق محذرًا من اتخاذ ألفاظ الاتضاع وسيلة للكبرياء:
"إن حقّرت نفسك لكي تكرم، الرب يفضحك...".
"وإن أنت امتهنت ذاتك لأجل الحق، فإن الرب يتقدم إلى براياه فيمدحونك، ويفتحون قدامك باب مجده الذي يتكلم به منذ الأزل، ويمجدونك كالباري لأنك بالحقيقية تكون على صورته ومثاله".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/8mkn342