الذي يعيش في ملاذ العالم وملاهيه، من أين تأتيه موهبة البكاء؟!
بل العالم يشغله ويلهيه.
حينما كان سليمان الحكيم متمتعًا بأبهة الملك وفخامته، ومهما اشتهته عيناه لم يمنعه عنهما (جا 2: 10). في ذلك الحين ما كان يبكي. ولكنه لما شعر بتفاهة العلم، وبأن كل ما فيه هو باطل الأباطيل وقبض الريح، حينئذ استطاع أن يقول:
"بكآبة الوجه يصلح القلب".
"الذهاب إلى بيت النوح، خير من الذهاب إلى بيت الوليمة، لأن ذاك نهاية كل إنسان، والحي يضعه في قلبه"، "قلب الحكماء في بيت النوح، وقلب الجهال في بيت الفرح" (جا 7: 2-4).
عندما يدرك الإنسان الأمور على حقيقتها، ويشعر بتفاهة العالم، ولا تلذ له كل مغرياته، حينئذ يشعر بفراغ من جهة العالم.. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وتتغير مشاعره..
يشتاق إلى عالم آخر، وإذ يجد العالم الآخر بعيدًا عنه، يبكي اشتياقًا إليه وحنينًا..
يشعر بغربة في هذا العالم الحاضر، وتبكيه مشاعر الغربة.. متيقنًا أن فرحة الحقيقي ليس هو ههنا. لأنه غريب على الأرض، نزيل مثل جميع آبائه، يتطلع إلى وطن سماوي، إلى المدينة التي لها الأساسات.. (عب 11: 16، 10).
لذلك صَدَقَ حِسّ المرتل، حينما دعا هذه الدنيا "وادي البكاء".
وقال عن حياتنا فيها "عابرين في وادي البكاء" (مز 84: 6).
كان القديسون يبكون، إذ كانوا يشعرون بغربتهم في العالم، ويشتاقون إلى عالم أفضل، زاهدين في كل ما ههنا. لا تشبعهم أفراح هذه الدنيا، ولا ترضيهم...
حقًا إن الإنسان يدرك الدموع الروحية، حينما يصل إلى حياة التجرد.
وحينما يصل إلى التجرد، أو على الأقل إلى محبة التجرد، حينئذ يبكي على الأيام التي قضاها متعلقًا بتفاهات العالم ومنشغلًا بها، ويقول للرب كما قال القديس أوغسطينوس "لقد تأخرت كثيرًا في حبك، أيها الجمال الفائق الوصف"..
وهنا يتذكر خطاياه، ويصير تذكرها ينبوعًا لدموع كثيرة..
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/b4c7bvb