أصحاب أيوب مصممون علي أن تجربته هي عقبة من الله له علي خطاياه. فأكثروا باطلًا. واستطاعوا أن يثيروا أيوب، فأخذ يدافع عن نفسه.. وعبارة أن الله يعاقب علي إثمه، جعلته يعاتب الله، ويسأله ما هي خطيتي؟! بل جعلتني أيضًا يبرر نفسه ويتحدث عن فضائل!! وبرز هنا عمل الله في أن يقوده إلي انسحاق القلب.
ولما وصل أيوب إلي هذا الانسحاق، انتهت تجربته، ورد الله سبيه.
هذا هو ملخص تجربة أيوب كلها فلندخل في التفاصيل.
مسألة حسد الشياطين لأيوب علي كماله واستقامته، هذه لم تكن في تفكير أصحاب أيوب. كذلك شهادة الله لم تكن في معرفة أصحاب أيوب. كذلك شهادة الله لم تكن في معرفة أصحاب أيوب. وعلي الرغم من أنهم في بدء تجربة أيوب، حزنوا عليه "ورفعوا أصواتهم وبكوا. ومزق كل واحد جبته وذروا ترابًا فوق رؤوسهم.." (أي 2: 12).. ألا أنهم عادوا وتفكروا في الأمر وتأملوا في تجربة..
ورأوا أنه لابد قد أخطأ أيوب إلي الرب، فواجبهم كأصدقاء أن يصارحوه بذلك، ويقوده إلي التوبة، حتى يغفر الرب له!! لكن كلامهم كان مثيرًا إلي أبعد الحدود، لم يحتمله أيوب.
قالوا " من هو الإنسان حتى يزكوا، أو مولود المرأة حتى يتبرر؟! (أي 15: 14).. إن الله يعرف كل شيء "هوذا الله في علو السموات.. هل من وراء الضباب يقضي؟!" (أي 22: 12، 13) "هوذا قديسوه لا يأتمنهم والسموات غير طاهرة بعينه، فبالحري مكروه وفاسد الإنسان الشارب الإثم كالماء. الشرير كل أيامه" (أي 15: 15-20).
هذا يقوله أليفاز التيماني. ثم يقول لأيوب " أن رجعت إلي القدير تبني. أن ظلمًا عن خيمتك "(أي 22: 23). وينصحه قائلًا "اقبل الشريعة من فيه، وضع كلامه في قلبك" (أي 22: 22).
ويعزف بلدد الشوحي علي نفس الوتر فيقول لأيوب " نعم نور الأشرار ينطفئ، ولا يضئ لهيب ناره. النور يظلم في خيمته، وسراجه ينطفئ" (أي 18: 5، 6). ويتابع كلامه فيقول عنه كإنسان شرير " ذكره يبيد من الأرض، ولا أسم له علي وجه البر.. لا نسل له، ولا عقب له بين شعبه. إنما تلك مساكن فاعلي الإثم. وهذا مقام من لا يعرف الله" (أي 18: 17- 21).
فهل كلام كهذا ينطبق علي أيوب؟! هل هو من فاعلي الإثم، أو هو إنسان لا يعرف الله؟! وهل يستحق أن يبيد ذكره وأسمه ونسله؟!.. بل أكثر من هذا - حيثما يتحدث أيوب عن مرارة نفسه في تجربته - يقول له بلدد الشوحي " أيها المفترس في غيظه، هل لأجلك تخلي الأرض أو يتزحزح الصخر من مكانه؟! "(أي 18: 4).
وبنفس القسوة وأسلوب التحطيم، يكلمه صوفر النعماتي موبخًا بكلام يشبه الشماتة به في مذلته..
فيقول له "أما علمت هذا من القديم، منذ وضع الإنسان علي الأرض: أن هتاف الأشرار من قريب، وفرح الفاجر إلي لحظة؟ ولو بلغ السماوات طوله، ومس رأسه السحاب!.. عين أبصرته، لا تعود تراه، ومكانه لم يراه بعد.. فخبزه في إمعانه يتحول. مرارة إصلاح في بطنه. قد بلغ ثروة فيتقأها. الله يطردها من بطنه. سم الإصلاح يرضع. يقتله لسان الأفعى" (أي 20: 4-16). ويتابع كلامه الجارح فيقول:" تأكل نار لم تنفخ. ترعي البقية في خيمته. السموات تلعن إثمه. والأرض تنهض عليه. تزول غله بيته.. هذا نصيب الإنسان الشرير من عند الله" (أي 20: 27- 29)
ويسألهم أيوب الصديق أي شر فعل؟!
فيقول لهم "أن كنتم بالحق تستكبرون علي، فثبتوا علي عاري" (أي 19: 5). ويقول لهم أيضًا "احتملوني وأنا أتكلم، ثم بعد ذلك استهزأوا" (أي 21: 3) " كيف تعزونني باطلًا، وأجوبتكم بقيت خيانة؟! (أي 21: 34).
ويرفع وجهه إلي السموات ويقول "هوذا في السموات شهيدي، وشاهدي في الأعالي. المستهزئون بي هم أصحابي" (أي 16: 19، 20) " فغزوا علي أفواههم، لطموني علي كفي تعييرًا. تعانوا علي جميعًا" (أي 16: 10). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ويقول لهم علموني فأنا أسكت. وفهموني في أي شيء ضللت؟.. وأما التوبيخ منكم، فعلي أي شيء يبرهن؟! (أي 6: 24، 25)
ويعاتبهم أيوب مرة في رقه، ومرة في عنف، ويناقشهم. ويقول لهم".. رأيتم ضربه ففزعتم. هل قلتم أعطوني شيئًا من مالكم، ارشوا من أجلي؟ أو نجوني من يد الخصم، أو من يد العتاة افدوني؟" (أي 6: 21- 23) "تحفرون حفرة لصاحبكم؟!.. أرجعوا، لا يكونن ظلم" (أي 6: 27، 29). أنا أستطيع أن أتكلم مثلكم، لو كانت أنفسكم ملكا نفسي. بل كنت أشددكم بفمي، وتعزية شفتي تمسككم" (أي 16: 4، 5).
ولما ازدادوا في كلامهم واتهاماتهم له، كلمهم في شده وقال: "صحيح أنكم أنتم شعب، ومعكم تموت الحكمة. غير أنه لي فهم مثلكم. لست أنا دونكم" (أي 12: 2، 3) " ما تعرفونه، عرفته أنا أيضًا. لست دونكم. لكني أريد أن أكلم القدير، وأن أحاكم إلي الله. أما أنتم فملفقوا كذب. أطباء بطالون كلكم" (أي 13: 2-4).
ولما سمعهم يهاجمونه باسم الدفاع عن الله وعظمته وعدله، قال لهم إن هذه (محاباة لله) لا يقبلها.
وهكذا قال "اسمعوا الآن حجتي، واضعوا إلي دعاوى شفتي: أتقولون لأجل الله ظلمًا، وتتكلمون بغش لأجله؟! أتحابون وجهه،أم عن الله تخاصمون.. أم تختالون كما يختال الإنسان؟! توبيخًا يوبخكم إن حابيتم الوجوه خفية. فهلا يرهبكم جلاله، ويسقط عليكم رعبه" (أي 13: 6- 11).
ثم يقول لهم " خطبكم أمثال رماد، وحصون من طين. اسكتوا عني فأتكلم، وليصبني مهما أصاب "(أي 13: 12، 13).
ويرد عليه أليفاز التيماني في كبرياء وشماتة:
فيقول لأيوب: أن فمك يستذنبك لا أنا، وشفتيك تشهدان عليك ماذا تعرفه، ولا نعرفه نحن؟ وماذا تفهم وليس هو عندنا؟" عندنا الشيخ والأشيب، أكبر أيامًا من أبيك" (أي 15: 6-10).
أصحاب أيوب لم يفهموا الدالة التي يعاتب بها الله!
فقال له أليفاز التيماني "لماذا يأخذك قلبك؟ ولماذا تختلج عيناك، حتى ترد علي الله، وتخرج من فيك أقوالًا؟!" (أي 15: 12، 13). ويتابع كلامه ضده فيقول " الشرير يتلوى كل أيامه.. لأنه مد علي الله يده، وعلي الدير تجبر.. فيسكن مدنًا خربة" (أي 15: 20- 28). " لا يستغني ثروته، ولا يمتد في الأرض مقتناه.. لأن السوء يكون أجرته. قبل يومه يتوفي، وسعفه لا يخضر.. ينثر كالزيتون. حبل الرشوة. حبل شقاوة، وولد إثمًا" (أي 15: 29- 35).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/h4jshxx