"ارجعوا إليَّ بكل قلوبكم" (يوئيل 2: 12).
"ارجعوا إليَّ أرجع إليكم" (ملاخي 3:7).
"توبوا وارجعوا فَتُمْحَى خطاياكم" (أعمال 3: 19).
قصة الانفصال عن الله:
علاقة الإنسان بالله بدأت طيبة جدًا، كلها محبة..
الله هو الذي بدأ هذه العلاقة.. بأن خلق الإنسان، ونفخ فيه نسمة حياة، وجعله علي صورته ومثاله، ووضعه في الجنة، ومنحه سلطانًا علي كل ما فيها من كائنات..
وكون علاقة معه. وكان يظهر له بين الحين والآخر ويتحدث معه. وكان الإنسان صديقًا لله، يتمتع برؤياه في الجنة، ويأخذ المعرفة منه مباشرة. فكان الله هو المرشد الروحي للإنسان في كل شيء. وهو الذي أعطاه الإرشاد الأول، بالوصية..
إذن كيف حدثت الخطية؟ كيف تمت؟ وما كنهها؟
الخطية - في كلمة واحدة - هي انفصال عن الله..
هي استقلال الإنسان عنه، لكي يعمل ما يريد..
ونتيجة لهذا الانفصال، حدثت باقي الإشكالات، وباقي الخطايا..
كيف إذن حدث هذا الانفصال؟ وكيف تطور؟ وما نتائجه؟
1- انفصل عن عشرة الله:
انفصل الإنسان عن عشرة الله، وبدأ يكون له علاقة مع كائن عاقل غيره. وللأسف كانت هذه العلاقة الجديدة مع الله، مع الشيطان، الحية القديمة (رؤ12: 9).
2- وانفصل عن الله في المعرفة:
فبعد أن كان يأخذ معرفته من الله وحده، بدأ يأخذ المعرفة طريق آخر. من الحية ونصائحها وشكوكها. وأيضًا توقع أن يأخذ المعرفة من شجرة المعرفة التي نهاه الله عنها. وبهذا وقع في انفصال آخر.
3- انفصل عن وصية الله وكلمته المقدسة..
4- انفصل عن الله، في شهوات قلبه..
فصار يشتهي الشجرة، ويشتهي الثمر، وجدها "شهية للنظر جيدة للأكل" (تك 3: 6). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وهكذا وقع في شهوة الأكل أيضًا، وفي شهوة المادة. وشهوة الأكل من الشجرة كان سببها شهوة أن يصير مثل الله كما أغرته الحية (تك 3: 5).
5- وبانفصاله عن الله، انفصل عن الحق..
لأن الله هو الحق.و إذ انفصل الإنسان عنه، انفصل عن الحق، واتبع الباطل. والمعروف أن الحق ثابت، والباطل كثير التغير. فلما انفصل الإنسان عن الحق، ودخل في الباطل، دخل في تغيرات لا تنتهي. وأصبح كل يوم في حال، وكل يوم في شعور.. صار مخلوقًا متغيرًا، غير ثابت علي وضع.
6- وبانفصاله عن الله، انفصل عن الحياة..
لأن الله هو الحق والحياة (يو 14: 6). وإذ انفصل الإنسان عن الحياة الحقيقية، التي هي الثبات في الله، أصبح من الناحية الروحية ميتًا، حسبما قال الآب عن ابنه الضال "ابني هذا كان ميتًا.." (لو 15: 24). وصار ينطبق علي الإنسان قول الرب "لك اسم أنك حي وأنت ميت" (رؤ 3: 1).
7- وبانفصال الإنسان عن الله، انفصل عن القوة..
مصدر قوته كان هو الله. وبانفصاله عن الله، انفصل عن القوة، فصار ضعيفًا: ينتصر عليه الشيطان، وتقوى عليه حتى الحيوانات، وينتصر عليه أخوه الإنسان. وتنتصر عليه ذاته كذلك.. أصبح مخلوقًا ضعيفًا لا يستطيع أن يقوم بذاته، أو يقيم ذاته.
8- وبانفصاله عن الله، انفصل عن سلطته..
انفصل عن السلطان الذي أعطي له من الله علي باقي الكائنات الحية. فلم يعد له سلطان علي وحوش الأرض كما كان من قبل.
9- وانفصل أيضًا عن وقاره وهيبته..
فارقت الهيبة التي كانت له كصورة الله ومثاله، وقد فقد هذه الصورة الإلهية بسقوطه في الخطية.
وفي فقده لوقاره، طرد من الجنة، ووقف أمام الله كمذنب مستحق للعقوبة.
والشيطان، إذ رأي الإنسان مطرودًا من الله ومذنبًا ومعاقبًا، وجدها فرصة فسيطر عليه.. وأقام الشيطان نفسه رئيسًا لهذا العالم. وأصبح هكذا لقبه "رئيس هذا العالم" (يو 14: 30).
10- وبانفصال الإنسان عن الله، بدأ ينهار، ودخله الخوف..
بدأ يخاف من الله، بدلًا من الدالة والحب.
ثم صار يخاف من أخيه الإنسان، كما خاف قايين وقال "يكون كل من وجدني يقتلني" (تك 4: 14). وصار أيضًا يخاف من الوحوش، ودخله القلق والاضطراب والهم.
11- وبانفصاله عن الله، انفصل عن حياة الروح..
وهكذا سيطرت عليه المادة، وسيطر عليه الجسد. ووقع في خطايا الجسد. وأصبحت خطايا الجسد تجارب حتى الأنبياء ورجال الله، فوقع فيها شمشون، وداود، وسليمان، وغيرهم. وقيل إنها "طرحت كثيرين جرحي، وكل قلاها أقوياء" (أم 7: 26).
12- وبانفصال الإنسان عن الله، تمادي في الخطية..
شيئًا فشيئًا بدأت خطاياه تزيد، وأخذ الإنسان يتهاوى شيئًا فشيئًا، ويتمادى في أعمال الشر والنجاسة، ويخترع فيها فنونًا وحيلًا، إلي أن أصبحت خطاياه أكثر من شعر رأسه.
هذا هو تاريخ الخطية علي الأرض، وانفصال الإنسان عن الله..
تاريخ يسجل مأساة إنسان..
نفهم منه أن الخطية لا تستريح حتى تكمل..
الشيطان إذا أوقع إنسانًا في خطية، لا يكتفي بها. بل يظل يتدرج معه حتى يهلكه، ويصير بلا مقاومة..
فما هو الحل إذن؟
الحل الوحيد هو الرجوع إلي الله، وتكوين علاقة معه..
إن كانت الخطية هي الانفصال عن الله، فالعلاج الوحيد هو الانفصال عن الخطية، والرجوع إلي الله. ولا علاج غير هذا..
انفصل عن الخطية بكل قلبك، ليس فقط من أجل أنها أتعبتك، أو من أجل الدينونة والعقاب، إنما لأن هذه الخطية أبعدتك عن الله، وفصلتك عن العشرة الحلوة معه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/36jpax9