St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   37-Al-Yakaza-Al-Roheya
 

كتب قبطية

كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث

9- العقل وضياع الإنسان

 

أحيانا يكون العقل سببًا في ضياع الإنسان روحيًا، إذا ما أساء استعماله لتحقيق شهواته.

فكثيرًا ما يكون العقل، جهازًا تنفيذيًّا لرغبات النفس!

فإذا انحرفت النفس، ما أسهل أن تجذب العقل خلفها، كخادم مطيع لها يبرر لها سلوكها الخاطئ.

تشتهي النفس شهوة منحرفة، أو تود أن تستريح بعيدًا عن تعب الجهاد الروحي وهنا تجد العقل يضع ذاته في خدمة هذه النفس، يقدم لها ما تشاءه من التبريرات أدلة وبراهين بل وآيات من الكتاب، ومقتبسات من أقوال الآباء. حتى تستريح النفس إلى ما هي فيه، وحتى لا يثور الضمير على خطا يجب أن تبعد عنه!

St-Takla.org Image: Man thinking, the mind صورة في موقع الأنبا تكلا: رجل يفكر، العقل

St-Takla.org Image: Man thinking, the mind.

صورة في موقع الأنبا تكلا: رجل يفكر، العقل.

مثل هذا العقل ليس أداة في يد الروح القدس.

قد يكون العقل أداة في قبضة العالم أو الشيطان. وقد يكون واقِعًا تحت تأثير الآخرين، أو تحت نير الشهوة، أو قد يدفعه الفهم الخاطئ، أو المجاملة، أو المنفعة المادية.

مثال ذلك عقل إيزابل في خدمة آخاب، لما أراد هذا أن يستولى على حقل نابوت اليزرعيلي (1مل 21) أو العقل الذي دفع التلميذين إلى طلب نار من السماء لحرق إحدى مدن السامرة (لو 9: 54) أو عقل بطرس الذي دفعه إلى قطع أذن العبد، بدافع من الغيرة المقدسة! ولعل من أوضح الأمثلة لهذا أيضًا، عقل صاحب الوزنة الواحدة الذي برر دفنه لوزنته بدليل منطقي (مت 25 : 24) العقل دفع آدم في خوفه إلى الاختباء من الله. ولكن الروح لا تفعل هكذا ..

العقل قد يقود إلى الخطاء، ويقدم لذلك أعذارًا.

ربما يحاول الضمير أن يوقِظ الإنسان، فإذا بالعقل يُنيمه، ويقدم له عذرًا عن كل خطأ:

هذا الأمر ما كنت أقصده مطلقًا، أتى عفوا، والنية غير متوفرة فيه. وهذه الخطية حدثت على الرغم مني. الضغطات الخارجية كانت شديدة جدًا لا يستطيع أحد الفكاك منها، ويمكن أن تدخل هذه ضمن الأعمال غير الإرادية. وهذا الخطأ تبرره الظروف، وذاك تشفع فيه الغاية الحميدة والقصد السليم. وذاك الموضوع طبيعي جدًا، يحدث لكل أحد، لماذا ندع الضمير يوبخنا عليه؟ ‍‍‍ولا شك أن التدقيق الزائد في الحكم على أمثال هذا الأمر غير جائز، إنه يقودنا إلى الوسوسة ويفقدنا بساطتنا!! وهكذا إلى ما لا ينتهي من التبريرات.

ما أسهل أن ينحرف العقل، وينحاز إلى ذاته، ويشحذ كل طاقته لمنح سلام زائف للنفس. والفضيلة التي تقصر فيها، ما أبسط أن يقول إنها فوق إمكانياتي، أو الظروف لم تساعد عليها..

إنه العقل الذي يشارك النفس في انحرافاتها، ويساعدها.

إنه مجرد جهاز يستخدمه الإنسان. وقد يكون جهازا للخير أو للشر، حسبما يوجهه صاحبه. وقد يكون العقل مشحونا بأفكار تقدمها البيئة أو التقاليد، أو بأفكار استقاها من الكتب أو من الأصدقاء. فلا نضمن كل ما فيه من الفكر. وبهذا يكون العقل سببا لضلالة الإنسان، إن كان يساعده على الخطيئة، أو يبررها له، أو يخدره بما يقدمه من أعذار.

وخيال العقل الخصيب قد يساعد على سقوط النفس..

تشتهى النفس شهوة، فيتناولها العقل، ويقدم لها قصصًا لا تنتهي تدور حول صور لتحقيق هذه الشهوة.. مئات من القصص تطول وتستمر. وما أن تنتهي صورة منها، حتى يقدم صورة أخرى، في خصوبة عجيبة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). والنفس نائمة، تسرح فيما يقدمه العقل من حكايات تشبع شهواتها. أن يستيقظ الإنسان أخيرا، فيجد أن العقل قد سرح به في مجالات لا تنتهي. وقد يشتهى أن يعود فيغفو، ليسرح به العقل مرة أخرى، ومرات..

وما أعجب سرحات العقل التي يقدمها في أحلام اليقظة!

في خطية المجد الباطل مثلًا، ما أسهل أن يؤلف العقل روايات طويلة، عن أمجاد يصل إليها الإنسان ويرفعه بها إلى أعلى مستوى، فوق الخيال، إلى أمور من المستحيل في الواقع أن تتحقق. ولكن العقل يقدمها في سرحاته العجيبة، ليشبع رغبة النفس في العظمة وتظل النفس مخدرة مع العقل، سارحة في خياله، إلى أن يوقظها طارق أو طارئ فتستيقظ وتسأل أين أنا؟ وقد تستمر دغدغة هذه الأحلام معها ساعات أو أيام أو سنوات. وقد يقضى الإنسان عمره كله يحلم ويفكر ويسعد بأوهامه

ليست مشكلته أنه لا يستطيع أن يستيقظ من أحلامه..

بل مشكلته انه لا يريد أن يستيقظ!!

إنه سعيد بأفكاره، سعيد بأحلامه وأوهامه، سعيد بإشباع العقل لشهواته! وما أكثر مواهب العقل في التأليف والتخطيط ورواية القصص والحكايات! وإن أرادت الروح أن تتدخل لإقناع الإنسان بأخطائه، يحاول أن يرد بمجادلات عقلية..! إنها مشكلة العقلانيين..

تحدَّثْنَا الآن عمَّا يخدر الإنسان من مشغوليات، وعواطف، ومن انحرافات البيئة والعقل فماذا أيضًا؟ هناك اللذة..


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/37-Al-Yakaza-Al-Roheya/The-Spiritual-Wake-09-Mind.html

تقصير الرابط:
tak.la/54j2stt