يشدد أخوتنا الكاثوليك على العقاب الزمني، أي الذي له زمن، وفي هذا يختلف عن العقاب الأبدي. ويقولون إن مغفرة الخطية، لا يمنع من عقوبتها بعد المغفرة. ويضربون لإثبات ذلك أمثلة من الكتاب. ثم يشددون في لزوم هذا العقاب الزمني، حتى إنه إذا لم يوف على الأرض، يصير وفاؤه في المطهر بعد الموت... وهذه نقطة هامة في عقيدة المطهر.
ونحن نوافق على أرضية. ولكن لا نوافق على عقوبة بعد الموت.
وكل العقوبات التي تحملها الأبرار أو التائبون، والتي سجلها الكتاب المقدس، كلها عقوبات أرضية، وليست عذابات بعد الموت. هي عقوبات أرضية، وليست عقوبات مطهرية.
كما أن الكتاب لا يقول إن هناك عقوبة أرضية على كل خطية.
وإلا وقع الإنسان في اليأس. لأننا في كل يوم نخطئ. ولأننا "في أشياء كثيرة نعثر جميعنا" (يع3: 2). "وإن قلنا إنه ليس لنا خطية، نصل أنفسنا وليس الحق فينا" (10يو1: 8). وإن كانت هناك عقوبة أرضية على كل خطية، لأصبحت حياتنا سلسلة لا تنقطع أبدًا من العقوبات أبدًا من العقوبات، وبهذا يقع الإنسان في إحباط.
والكتاب المقدس يحمل أمثلة عديدة لمغفرة بلا عقاب وبلا عذاب:
وإلا فما هي العقوبة الأرضية التي وقعت على الابن الضال (لو15)؟! أو ما هو العقاب الزمني الذي تعرض له زكا العشار (لو19)؟! أو ماذا كانت العقوبة التي وقعها الرب على المرأة الخاطئة التي ضبطت في ذات الفعل، والتي قال لها " ولا أنا أدينك. أذهبي بسلام ولا تخطئي أيضًا" (يو8: 11).
أو ما هو العقاب الزمني الذي نالته المرأة الخاطئة التي بللت قدمي الرب بدموعها ومسحتها بشعر رأسها؟! هذه التي فضلها الرب على الفريسي. وقال إنه "قد غفرت لها خطاياها الكثيرة، لأنها أحبت كثيرًا". ثم قال لها "إيمانك قد خلصك، اذهبي بسلام" (لو7: 37 – 50)... فهل ذهبت هذه أو غيرها إلى المطهر؟! أو ما هي العقوبة الأرضية التي فرضت على إنكار بطرس؟! وما هو العقاب الزمني الذي فرض على شاول الطرسوسي في اضطهاده للكنيسة. حقًا إن بطرس وبولس تعبا في حياتهم. ولكنه كان تعبًا من أجل الكرازة له مكافأته وأكاليله ومجده. ولم يكن عقابًا على خطية...
نقطة أخرى نقولها. وهو أن العقوبة الأرضية هي للفائدة الروحية، وليس للتكفير...! ليست هي ثمن الخطية، إنما هي تأديب وعلاج.
إنها توقع لتقود إلى التوبة، كما حدث لخاطئ كورنثوس، أو لتقود إلى الانسحاق والاتضاع كما حدث لداود النبى. أو أنها تكون درسًا للآخرين، مثلما قال القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس " الذين يخطئون، وبخهم أمام الجميع، لكي يكون عند الباقين خوف" (1تى5: 20).
ولكن لا يمكن مطلقًا أن تكون للتكفير، أو لإيفاء العدل الإلهي.
أما "أجرة الخطية فهي الموت" (رو6: 23) أي الموت الأبدي.
فأن أخطا إنسان، وفرض عليه الكاهن صومًا أو مطانيات metanoia، فلا يكون هذا الصوم أو هذه الميطانيات metanoia وفاء العدل الإلهي. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). فلا وفاء للعدل الإلهي آلا بدم المسيح.
إن القصاصات الكنسية لا علاقة لها مطلقًا بوفاء العدل الإلهي: أيستطيع إنسان أخذ تأديبات من الكنيسة أن يقول لله: أنا الآن لست مديونًا لك بشيء، لأني وفيت ديوني بالقصاصات الكنسية؟!!
هذا كلام لا يمكن أن يقبله أي لاهوت مسيحي. لأن ديوننا لم يستطيع إيفاءها سوي دم المسيح، الذي هو وحده يطهرنا من كل خطية (1يو1: 7)... أما ما تفرضه الكنيسة من عقوبات، ما هو إلا لون من العلاج أو التأديب.
لذلك فعبارة (قصاصات)، لوفاء الإلهي، عبارة غير سليمة.
ربما كلمة (تأديبات) أكثر توافقًا من كلمة (قصاصات)... ونظام العقوبات بسنوات، لم يرد في الإنجيل. ولكن وضعته الكنيسة.
طبعًا وضعته بسلطانها الإلهي في الحل والربط (متى18: 18). ونحن لا مانع في هذا. ولكن نمانع في أن السلطان الإلهي يستخدم في الربط، ولا يستخدم في الحل...! إن الكنيسة التي فرضت العقوبة، بسلطانها أن ترفعها. وإن كانت قد فرضت عقوبة العلاج، لتقود الخاطئ إلى التوبة، وبعد الموت لا علاج ولا توبة...
العقوبة الكنسية، كما تفرضها الكنسي، يمكن أن ترفعها.
إذن من واجب الكنيسة أن ترفع عقوبتها عند الموت. وإلا يكون في صلاتها عن الموتى لون من التناقض!!
لأنها في صلاتها ع الموتى، أعنى عن المنتقلين، تطلب لهم من الله الرحمة والمغفرة، وإن يرحهم في فردوس النعيم، بينما هي في عقيدة المطهر لا تزال مصرة على العقوبة والقصاص على أن العدل الإلهي لم يستوف حقه بعد، ومصرة على أن المغفرة لا تمنع العقوبة، حتى عند الموت...!!!
والعقوبات الكنسية هي في الحياة الأرضية فقط هي عقوبات أرضية.
لا يمكن أن يكون لها امتداد بعد الموت. والمفروض أن الكنيسة حينما تعطى عقوبة كنيسة، تحاليل الشخص منها في جنازة، حينما تصلي عليه "أوشيه الراقدين".
وتوجد أمثلة كثيرة في القوانين الكنيسة، كانت الكنيسة فيها توقف العقوبة عند التعرض للموت، وتسمح للمعاقب أو المقطوع من شركة الكنيسة أن يتناول من الأسرار المقدسة، ومنها: (انقرا6) على الرغم من أن الذين ذبحوا للأوثان، كانت تحكم عليهم بسنوات حرمان من الكنيسة، إلا أن هذا القانون يقول: "على أنه في حين الخطر، أو توقع الموت لمرض أو لأي سبب، فليصر بشروط محددة".
(انقرا 22) عن القائلين عمدًا: يسمح لهم بالشركة التامة في آخر حياتهم. (قيصرية الجديدة – 6) "إذا تزوجت امرأة بأخوين، فلتطرح خارجًا، أي من الشركة، حتى ساعة موتها، إذ يطبق عليها حينذاك فعل الرحمة، فتقبل مع التائبين، بشرط أن تتعهد إذا شفيت من مرضها أن تحل رباط الزيجة".
(نيقية 13). وهو أول مجمع مسكوني، يضع قاعدة وهي:
"إذا اشرف إنسان على الموت، فيجيب ألا يحرم من الزاد الأخير الذي لا غنى عنه" (وعلى الإجمال إذا أختصر شخص، وطلب أن يناول القربان، فليمنحه الأسقف سؤله بعد الفحص".
(قرطاجنة: 7) ويسمى هذا المجمع مجمع افريقيا (سنة 417 م.) – ويقرر:
"إذا صار أحدهم في خطر الموت أثناء غياب الأسقف، وطلب مصالحته أمام المذبح الإلهي، فيجيب على القس أن يستشير الأسقف، ثم يصالح الرجل المريض حسب طلبه، موطدًا إياه بالنصائح الخلاصية".
(باسليوس 73): القديس باسيليوس الكبير معروف بتشدده. ولكنه يقول:
" من أنكر المسيح ثم أعترف بخطيئته وتاب، وبقي نائحًا مدة حياتهم، يناول الأسرار المقدسة ساعة موته "
(غ. النيسى2): يقول القديس أغريغوريوس أسقف نيصص، وهو أخو القديس باسيليوس الكبير ما يشبه ذلك: "الذين يسقطون دون تهديد أو إكراه وينكرون المسيح... لا يجوز قبولها في الشركة إلا ساعة موتهم". وهكذا نرى من كل ما سبق لقوانين القرن الرابع وبداية الخامس:
إن الكنيسة في أكثر عصورها تشددًا، وفي أبشع الخطايا: مثل إنكار المسيح، والذبح للأوثان، والقتل العمد، ما كانت تترك الخاطئ يترك العالم وعليه قصاصات. بل كانت تقبله في الشركة -إذا تعرض للموت- وتناوله من الأسرار المقدسة.
أما ما يقال في عقيدة المطهر الكاثوليكية، من أن إنسانًا يموت وعليه قصاصات من الكنيسة، يوفيها بعد موته بعذابات مطهرية، فهذا أمر لم يعرفه مطلقًا تاريخ الآباء الأولين، وأيضًا لا تعرفه الرحمة. ولا يوجد له أي سند كتابي...
كما أن هناك ملاحظة هامة نقولها، وهي:
نظام العقوبات الكنسية كان مرتبطًا الخورس في الكنيسة الذي ألغى قبل إعلان عقيدة المطهر بقرون طويلة.
كان الخاطئ المحكوم عليه من الكنيسة يقضى خارج الكنيسة، أو سنوات في خورس الباكين، أو في خورس الراكعين، أو في خورس التائبين. ثم ينتقل إلى خورس المؤمنين، فيحضر قداس الموعوظين وينصرف، أو يحضر قداس القديسين ولا يتناول. ثم يسمح له بشركة الكاملة والتناول من الأسرار المقدسة وهذا النظام انتهى تمامًا حوالي القرن السادس تقريبًا...
أيضًا لا يمكن القول بأنه لا بُد من عقوبة، حتى على الخطايا (العرضية): إن لم نأخذها على الأرض، فلابد أن نأخذها بعد الموت! هذا الكلام غير مقبول...
لننتظر ماذا قال الكتاب المقدس، في العقوبات الكنسية أو العقوبات الأرضية، حتى بالنسبة إلى درجات صعبه من الخطيئة، كالانحراف في الإيمان والتعليم، والسلوك بلا ترتيب... قال:
"إن كان أحد يأتيكم، ولا يجئ بهذا التعليم، فلا تقبلوه في البيت، ولا تقولوا له سلام. لأن من يسلم عليه، يشترك في أعماله الشريرة" (2يو10: 11). "نوصيكم أيها الأخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب، وليس التعليم الذي أخذه منا" (2تس3: 6). "تجنب مثل هؤلاء" (1تى6: 5) "ولا تخالطوا الزناة" (1تى5: 9). "لا تخالطوا ولا تؤكلوا مثل هذا" (1كو5: 11).
"الذين يخطئون وبخهم أمام الجميع، لكي يكون عند الباقين خوف" (1تى5: 20).
فهل يمكن أن تحل عذابات المطهر، محل إحدى هذه العقوبات؟
إذا كان المطهر يعتمد على عقوبات كنيسة لم يوف حسابها. فلنبحث معًا ما هي هذه العقوبات؟ وهل هي متساوية مع المطهر، حتى يحل المطهر محلها؟
بعضها منع التناول، أو ممارسة بعض أيام صوم، أو نسك معينة، أو بعض مطانيات (سجدات)، أو عدم قبول تقدمات ذلك الخاطئ...
فهل هذه العقوبات يحل محلها عذاب المطهر، لتوفي حسابها، وهل يكون هذا عدلًا...؟!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/njj2dp8