أول اعتراض لهم على إمكانية هلاك المؤمن هو قول الرب: (خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها، فتتبعني. وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي. أبى الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل، ولا يقدر أحد أن يخطفها من يد أبى).
فما معنى هذا النص؟ ليتنا نتأمله جيدًا:
أولا: هؤلاء الذين لا يهلكون أول صفة ذكرها عنهم الرب أنهم خراف. والسيد المسيح يشبه الصالحين بالخراف، كما يشبه الأشرار بالجداء.
كما ذكر في يوم الدينونة أنه (يجمع أمامه جميع الشعوب، فيميز بعضهم من بعض، كما يميز الراعي الخراف من الجداء فيقيم الخراف عن يمينه، والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه: (تعالوا يا مباركي أبى رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم) (مت 25: 32 – 34)
فما دامت هذه خرافًا، إذن هي عناصر صالحة. لأنها لو كانت شريرة لسماها جداء.
ثانيًا: لقد وصف هذه الخراف بأوصاف البر منها:
أ – يقول إنها تسمع صوتي، وتتبعني. وهذا معناه أنها تنفذ الوصايا وتعمل أعمالًا صالحة. وكلنا نوافق على أن الذي يسمع صوت الرب ويتبعه لا يمكن أن يهلك.
ب – وفي نفس الأصحاح وصف هذه الخراف بأنها (لا تتبع الغريب بل تهرب منه، لأنها لا تعرف صوت الغرباء) (يو 10: 5) وإنها لذلك لم تسمع صوت السراق واللصوص الذين أتوا قبله (يو 10: 8).
وهذا كله يعنى أن هذه الخراف الصالحة لا تنقاد وراء الشياطين، ولا وراء الأشرار.
وكل هذا يدل على الصلاح من ناحيته الايجابية والسلبية: تتبع الرب ولا تتبع الغريب.
تعرف صوت الرب، وتميزه، وتسمعه، وتتبعه. ولا تعرف صوت الغرباء، ولا تتبعهم، بل تهرب منهم. لسنا نرى للصلاح أدلة أكثر من هذه ومع ذلك نذكر دليلًا آخر.
ثالثًا: (يقول خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها) وهذه المعرفة متبادلة، لذلك يقول أيضًا في نفس الأصحاح (وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفني، كما أن الآب يعرفني وأنا أعرف الآب) (يو 10: 14 ) أية معرفة أقوى من هذه..!! ويفصل الرب هذه المعرفة بأنه (يدعو خرافه الخاصة بأسماء) (يو 10: 3). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى).
هذه المعرفة تميز الصالحين عن الأشرار الذين يقول لهم الرب: (إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عنى يا فاعلي الإثم) (مت 7: 23).
إذن فقد قال الرب عن الأشرار أنه لا يعرفهم.. يؤكد هذا أيضًا قول الرب للعذارى الجاهلات (الحق أقول لكن إني ما أعرفكن) (مت 25: 12).
فما دام إذن يعرف هذه الخراف التي سوف لا تخطف من يده ولا من يد الآب، إذن لا بُد أن هؤلاء أنقياء القلب صالحون، لأنهم لو كانوا أشرارًا لقال عنهم: إني لا أعرفكم.
إنهم من الخراف لا من الجداء. أي أنهم من الصالحين الأبرار. كما إنهم يطيعون وصايا الله، فيسمعون صوته ويتبعونه. كذلك هم يبعدون عن الشر والأشرار، إذ لا يسمعون لصوت الغريب ولا يتبعونه، بل يهربون منه، نحن ولا شك نوافق أن مثل هذا النوع لا يهلك.
رابعًا: ماذا يفهم من عبارة لا يقدر أحد (أن يخطف من يد أبي).
معناه أن القوات الخارجية لا تقدر أن تخطف من يد الآب ولكن هذا لا يمنع من أن المؤمن وهو في يد الآب -كامل الحرية- ممكن بإرادته أن يسقط.
إن الله لا يسمح لقوة خارجة أن تنتصر عليك وأنت في يده. ولكن إرادتك الداخلية يمكن أن تهلكك أن أردت. لو قلت له أعن يا رب ضعفي فانه يطرد عنك جميع القوى المعارضة. أما إن أردت بنفسك أن تتركه فانه لا يرغمك على البقاء معه.
ما رأيكم في بعض خراف كانت في يد المسيح، وضلت، وسقطت، واحتاجت إلى التوبة وقيل عن البعض إن له اسمًا إنه حي وهو ميت؟! من أمثلة هؤلاء بعض الملائكة السبعة ورد ذكرهم في سفر الرؤيا.
قال يوحنا الرائي أنه أبصر السيد المسيح في وسط المنائر السبع التي هي السبع الكنائس. وكان (معه في يده اليمنى سبعة كواكب)..
والسبعة الكواكب هي ملائكة السبع الكنائس (رؤ 1: 16، 20). وأول رسالة بدأها الرب بقوله (هذا يقوله الممسك السبع الكواكب في يمينه). إذن فهم ليسوا في يده فقط، وإنما في يمينه. وكلمة يمين ترمز إلى القوة (يمين الرب صنعت قوة. يمين الرب رفعتني) (مز 117: 15، 16).
هؤلاء الذين هم في يمين الرب، هؤلاء الجبابرة رعاة الكنائس، ماذا قال لهم الرب؟ قال لهم كلامًا مخيفًا..
قال لملاك كنيسة أفسس (.. فاذكر من أين سقطت وتب، واعمل الأعمال الأولى. وإلا فإني آتيك عن قريب، وأزحزح منارتك من مكانها) (رؤ 2: 5) يا للهول!
وقال لملاك كنيسة ساردس (أنا عارف أعمالك، أن لك أسمًا أنك حي وأنت ميت) (رؤ 3: 1). تصورا أن هذا الملاك العظيم الممسك به الرب في يمينه كان ميتًا، واحتاج أن يقول له الرب (فاذكر كيف أخذت وسمعت، واحفظ وتب. فإني إن لم تسهر أقدم عليك كلص. ولا تعلم أية ساعة أقدم عليك) (رؤ 3: 5) فليرحمنا الله يا إخوتي كعظيم رحمته. إننا لسنا أقوى من هؤلاء الملائكة السبعة.
اسمعوا أيضًا الكلام المخيف الذي قاله الرب لكلاك كنيسة لاودكيا (هكذا لأنك فاتر، ولست بادرًا ولا حارًا، أنا مزمع أن أتقياك من فمي) (رؤ 3: 16). إنه تهديد بالهلاك. ويتابع الرب كلامه فيقول له (لأنك تقول إني غنى، وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء. ولست تعلم أنك أنت الشقي والبائس وفقير وأعمى وعريان).
وهكذا أشار الرب عليه أن يشترى ثيابًا بيضاء حتى لا يظهر (خزي عريته). وقال له أخيرًا (كن غيورًا وتب) (رؤ 3: 17-19).
فلا تعتمد أيها الأخ على إنك في يد الله وتترك محبتك الأولى. فما أسهل أن تسقط من يمين الله، إن أردت ذلك. لا يخطفك أحد من يده، وإنما أنت بإرادتك قد تترك يد الله.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/239qg83